بيت السناري واحد من أهم وأكبر البيوت الأثرية في مصر، ومنذ حوالي العامين فتح لاستقبال الجمهور من خلال تقديم أنشطة متنوعة لهم في العلوم والفنون والآداب وغيرها، وهو يتبع مكتبة الإسكندرية التي تبنت فكرة إحياء الدور القديم للبيت، حيث إنه يعد المقر الأول للمجمع العلمي القديم الذي أسسه نابليون بونابرت فيه، فقد كان واحدا من ثلاثة بيوت صادرها الفرنسيون في عام 1798 من أجل إقامة أعضاء لجنة العلوم والفنون التي جاءت مع حملة نابليون العسكرية لإعداد دراسات وصفية عن البلاد والعباد، كان من أبرزها كتاب »وصف مصر« الشهير بمجلداته الضخمة، إلي جانب أن بيت السناري الأثري يحمل بين جدرانه وأسقفه بعضاً من جماليات فن العمارة الإسلامية ذات الزخارف والأشكال، مما يجعله تحفة فنية نادرة ونموذجا فريدا في البناء، نظرا لوجود مشربيات رائعة تطل علي الخارج ونافورة بديعة الصنع تتوسط فناء البيت. وإذا أردنا أن نحكي عن هذا البيت القديم.. فإن فصول حكايته تبدأ مع دخول الحملة الفرنسية لمصر بقيادة نابليون بونابرت الذي أنشأ المجمع العلمي فيه منذ أكثر من مائتي عام.. وجاءت مكتبة الإسكندرية من حوالي العامين لتعيد إحياء المكان حيث كان المجمع معلما تاريخيا، اهتم به نابليون وفي الجلسة الأولي لأعضائه تم انتخاب العالم الفرنسي مونج رئيسا له (لذلك أطلق علي الحارة التي يقع فيها البيت اسم مونج نسبة له، وقد عرفت هذه الحارة في حي السيدة زينب بالقاهرة بهذا الاسم حتي الآن).. وفي هذا البيت عكف العشرات من العلماء والفنانين والرسامين الفرنسيين علي تأليف كتاب »وصف مصر« حيث اعتمد علي الوصف المكتوب والمرسوم، فقد رسموا ملامح ومعالم وآثار البلاد وسجلوا عادات وتقاليد وحكايات العباد من أهل المحروسة في تلك الفترة. وقد شيد هذا البيت إبراهيم كتخدا السناري عام 1794 وكان من أعيان القاهرة وقد شغل منصب وكيل الوالي والذي هرب منه بعد قدوم الفرنسيين وقد استولي عليه نابليون لإقامة المجمع. ولهذا البيت أهمية غير عادية حيث شهد جهد وعرق مجموعة من الفرنسيين جاءوا مع الحملة لاحتلال مصر ولكنهم دون أن يدركوا أضافوا إليها وصفا بديعا غير مسبوق.. وعن دور مكتبة الإسكندرية في إحياء تاريخ هذا البيت.. يقول أيمن منصور نائب مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية والمشرف علي بيت السناري: لقد انضم إلي المكتبة في منتصف عام 2010 وبدأ النشاط فيه في شهر يناير قبل الثورة بأيام.. وحيث إنه بيت أثري إسلامي، فإن جزءا كبيرا من الأنشطة به موجهة للآثار والعمارة والفنون وجماليات التراث الإسلامي وخصوصيته المصرية، إلي جانب تبعيته للمكتبة القائمة علي أحدث وسائل التكنولوجيا.. وقد أضفت إليه مجموعة أنشطة تعمل كرابط ما بين الأصالة والمعاصرة، الأولي ممثلة في كل من الشق التاريخي والتراثي الذي يعبر عن التراث الفكري والمعماري سواء الملموس أو غير الملموس. بالإضافة إلي الجزء الخاص بالمعاصرة ويظهر في أنشطة المكتبة من خلال دعم التكنولوجيا الحديثة والإبداع والتي توفرها لشباب القاهرة وخاصة حي السيدة زينب ليتحول البيت من خلالها إلي أكاديمية مصغرة من خلال مجموعة من الدورات التي تتناول التاريخ والعمارة والأنثربولوجيا وإعادة ترميم وتأهيل المباني الأثرية والتراثية. إلي جانب دورات عن تكنولوجيا جغرافية المعلومات والتنمية البشرية وكيفية التعامل مع الحياة العامة والتثقيف السياسي وكلها تغطي جانبا كبيرا من اهتمامات الشباب بالإضافة لورش عمل موجهة لهم وللأطفال وهناك أخري للسيدات في رمضان لتنمية مهاراتهن بالإضافة إلي الحفلات والمعارض في الشهر الكريم تحديدا الحفلات ذات الطابع التراثي مثل المولوية والتنورة المصرية وفرقة الدراويش إلي جانب المعارض التي نحرص أن تكون لها علاقة بالمجتمع المصري القديم مثل الموالد وتوثيقها من خلال مجموعة من المصورين المصريين والأجانب، ويتابع أيمن منصور حديثة عن البيت بأن هناك ندوات ومحاضرات اليوم الواحد واللقاء الواحد في شتي العلوم والفنون. وبسبب الأحداث الأخيرة توقفنا فترة ونحاول بقدر الإمكان أن نقاوم وأن نكون موجودين، فالمكتبة كانت من الطبيعي أن يكون لها مكان في قلب القاهرة.. ويضيف أيمن منصور بصدق لا تزال الرغبة قائمة لترميم البيت والميزانية معتمد جزء منها لكن للأسف نعاني من معوقات إدارية من جانب وزارة الدولة لشئون الآثار حتي نتمكن من القيام بعمليات صيانة للبيت، فالموضوع في الفترة الماضية يواجه عقبات منها تغيير القيادات والوزارة، كل واحد يتغير يبعث للوزير الذي يحوله لمسئول تحته ثم للجنة من اللجان ونضطر أن نعرض من جديد وهذه العملية استغرقت عاما ونصف العام، ونحن نكرر الطلب وكل ما نحاول أن نصل لشيء في الآثار يتوقف ونعرض من أول وجديد الموضوع. ويؤكد أيمن منصور أنه طبقا لمقترح المكتبة للمجلس الأعلي للآثار ووزارة الثقافة في 2010 قبل أن نستلم البيت عرضنا مشروعا لتوظيف كل حيز وفراغ فيه بطريقة مختلفة بناء علي قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية.. فقد كان هناك مثلا مقترح لإقامة متحف صغير في إحدي القاعات الرئيسية. ومن 70سنة كان هناك متحف به يحمل اسم بونابرت، قام بجمع التحف والمقتنيات رجل فرنساوي كان يعيش في مصر.. لكن ماذا حصل لهذا المتحف؟ الله أعلم، فقد حاولنا أن نحصل علي إجابة لكن دون جدوي.. فقد تسلمنا البيت مبني ليس به أي منقولات حتي إن رجال الآثار أخلوه من الأثاث والمكاتب وسلم لنا عبارة عن جدران فقط ورغم أنه تم ترميمه في أواخر التسعينات من قبل معهد الآثار الشرقية التابع للمعهد الفرنسي إلا أنه بسبب ضائقة مالية انسحب وترك أشياء لم يتم ترميمها ولذلك فهي في أشد الحاجة لذلك وذلك للحفاظ علي البيت.