مازال الكثير من الصائمين يسألون عن الأحكام الشرعية التي تتعلق بالركن الرابع في الإسلام، يطلبون الفتاوي عن تساؤلاتهم الحائرة حول الصيام من أهل العلم والعلماء حتي لايكونوا مقصرين في أداء هذه العبادة، وحتي يكونوا ممن رضي الله عنهم، وينالون درجة التقوي والخشية من الله تعالي.. »آخر ساعة« نقلت تساؤلات الصائمين إلي العالم الجليل الدكتور سعيد عامر (رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف). وفي الحلقة الثانية من فتاوي رمضان يتناول فضيلته الرد علي بعض هذه الحالات ومنها: استخدام حبوب منع الحيض ونقل الدم أثناء الصيام، وأخذ الحقن بأنواعها، واستخدام قطرة الأنف، وبخاخة الصدر، وتذوق المرأة للطعام، وغيرها من التساؤلات الحائرة التي أجاب عنها علي ضوء الأحكام الشرعية للصيام. سألته.. هل يجوز للمرأة أن تستعمل حبوب منع الحيض؟ لقد خفف الله في رمضان عن ذوي الأعذار الشرعية وأباح لهم الفطر حتي يزول العذر وعليهم مافاتهم من أيام فيه.. وممن خفف الله عنهم المرأة أثناء الدورة الشهرية وفي مدة النفاس فأوجب عليها القضاء والشهر الذي يجري فيه القضاء ليس له من الفضل. مأثورات السلف الصالح ومن النفحات في رمضان ولذلك يري بعض النساء منع نزول الدم في رمضان ليصح الصوم ويفزن بفضله رمضان من صيام ومن صلاة التراويح وقراءة القرآن وهذا لابأس به شرعا ولايوجد دليل يحرم ذلك في كتاب أو سُنة ولا في مأثور السلف الصالح.. بل جاء في المأثور عنهم أنهم كانوا يجيزون للنساء في موسم الحج أن يتعاطين مايمنع نزول الدم حتي لايحرمن من أداء الشعائر التي تشترط فيها الطهارة كالطواف حول البيت والصلاة في المسجد الحرام بمكة ومسجد الرسول [ بالمدينة وقراءة القرآن ولم ينقل اعتراض أحد عليه وعليه يجوز اللجوء إلي هذه الوسيلة و يصح معها الصوم ولكن بشرط أن يقرر الأطباء أن استعمال هذه الحبوب لايترتب عليه مايضر بصحة المرأة عاجلا أو أجلا. فإن ترتب علي استعمالها ضرر، فهي ممنوعة شرعا لأن الإسلام يحرم كل مايضر بالإنسان ومن المعلوم أن حفظ الصحة مقصد ضروري من مقاصد الشريعة السمحاء. الحقن في الصيام ماحكم أخذ الحقن خلال الصوم؟ الحقنة الشرجية قال أهل العلم فيها إنها مفطرة لدخولها إلي الجوف من منفذ مفتوح.. أما حقنة العضل والتي تحت الجلد فإنها لاتفطر بناء علي أنها لن تصل إلي الجوف من منفذ معتاد فهي تصل من المسام فقط وهذا ليس جوفا ولا في حكم الجوف.. أما الحقن التي تكون للتغذية فقط فهي مفسدة للصوم فقد دخلت إلي الجوف عن طريق الدم، وتتنافي مع حكمة الصيام من الشعور بالجوع والعطش للمعاني التي تترتب عليه. نقل الدم في النهار هل نقل الدم يبطل الصيام؟ هذا السؤال له طرفان: طرف يتصل بالمنقول منه وطرف يتصل بالمنقول إليه.. أما المنقول منه فيقاس أخذ الدم منه في نهار رمضان علي الفصد وهو أخذ الدم من غير الرأس وعلي الحجامة وهي أخذ الدم من الرأس وغيرها وجمهور العلماء يقولون بعدم بطلان الصيام بهما.. وأما المنقول إليه فيعطي نقل الدم حكم الحقنة فإذا كان للعلاج لا للغذاء وأدخل عن طريق الوريد فالراجح عدم بطلان الصيام. ماحكم استخدام قطرة الأنف في نهار رمضان وكذلك بخاخة الصدر؟ طالما أن القطرة المذكورة وصلت إلي الحلق فإنها تفسد الصوم ويجب القضاء يوما بدلا منه وذلك لدخول شيء إلي الجوف من منفذ مفتوح وكذلك استنشاق بخاخة الصدر. عندما يفسد الصيام فإذا كان الدواء الذي يستعمل بواسطة البخاخة يصل إلي الجوف عن طريق الفم أو الأنف فإنه يفسد الصوم وإن كان لايصل منه شيء إلي الجوف فلا يفسد الصوم.. وفي حالة فساد الصوم يجب علي الإنسان القضاء من أيام أخر بعد زوال المرض.. فإن كان المرض مزمنا ولايرجي شفاؤه، فلا يجب عليه الصوم شرعا وعليه الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم. هل يجوز تبادل القبلات بين الأزواج في نهار رمضان؟ يباح للصائم القبلة ونحوها إذا كان ممن يتمكن من ضبط نفسه.. روي الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: »كان النبي [ يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه«. والمراد بالمباشرة هنا ما دون الجماع.. والمراد بالإرب هنا الحاجة.. والمعني أن النبي [ كان يضبط نفسه فلا يقع في الجماع المحظور وليس المراد من أُمنا عائشة رضي الله عنها منع الصائمين من تقبيل أزواجهن. ضبط النفس مطلوب ففي رواية لمسلم عنها قالت: »إن كان رسول الله [ ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت« وفي رواية للنسائي وغيره قالت: »كان رسول الله [ يقبلني وهو صائم وأنا صائمة« ويكره تقبيل الزوج لزوجته وهو صائم إذا كان يخاف من عدم ضبط نفسه مالم يصاحب القبلة إنزال.. فإن صاحب القبلة إنزال فسد الصوم ويلزمه القضاء. ماحكم تذوق المرأة للطعام علي طرف اللسان أثناء الطهي دون ابتلاعه؟ لا بأس أن تتذوق الصائمة الطعام لتعرف به ملح أم لا للتأكد من صحته واعتداله بحيث إذا لم تذقه ترتب عليه ما لا تحمد عاقبته وكذلك الطباخ ومن في حكمه مالم يصل شيء من ذلك إلي جوفها. فعن سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: »لابأس أن يذوق الخلل أو الشيء مالم يدخل حلقه وهو صائم«. مسألة مضغ اللبان ماحكم مضغ العلك (اللبان) للصائمة؟ يكره للصائمة وكذلك الصائم مضغ اللبان وإن لن يتحلل منه شيء يصل إلي الحلق لما يخشي أن يتسرب معه إلي الجوف.. وقال الحافظ ابن حجر: ورخص في مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لايتحلب منه شيء فإن تحلب منه شيء فازدرده.. فالجمهور علي أنه يفطر وكذلك قل ما يمضغ فإن كان يتحلب منه شيء في الفم فيدخل الجوف فهو مفطر.. والعلك ضربان أحدهما مايتحلل منه أجزاء وهو الردئ الذي إذا مضغه يتحلل.. فلا يجوز مضغه إلا أن لا يبلع ريقه، فإن فعل فنزل إلي حلقه منه شيء أفطر به كما لو تعمد أكله وعليه فاللبان ومايشبهه يدور في الفم ويتفتت أجزاؤه ويدخل منه إلي حلقه مع ريقه وهذا يفسد الصوم فلا يجوز في نهار رمضان.. فقد أجمع العلماء علي أنه إن تفتت فوصل منه شيء إلي الجوف بطل الصوم. موقف صيام المستحاضة ماحكم صيام المستحاضة؟ أجمع الفقهاء علي أن المرأة الحائض تفطر وتقضي ماعليها من الصوم ولاتقضي الصلاة.. أما بالنسبة للمستحاضة فلا يمنعها دمها من صلاة ولاصوم بإجماع العلماء.. والاستحاضة هي جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه قال الإمام النووي: بالنسبة للمستحاضة: فأما الصلاة والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله وسجود التلاوة وسجود الشكر ووجوب العبادات عليها فهي في كل ذلك كالطاهرة وهذا مجمع عليه وللزوج أن يجامع زوجته وهي مستحاقة في ليل رمضان. صلاة التراويح سُنة ماحكم صلاة التراويح لكل من الرجل والمرأة؟ صلاة التراويح تؤدي في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء وقبل الوتر وهي سُنة في حق الرجال والنساء.. فعلها النبي [ وواظب عليها وحث الناس علي أدائها وواظب عليها الصحابة والتابعون من بعده.. روي البخاري وغيره عن رسول الله [ قال: »من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه« وجمهور الفقهاء علي أن صلاة التراويح بالمسجد في جماعة أفضل من صلاتها في البيت منفردا لأنها شعيرة من شعائر الإسلام كصلاة العيدين ولما فيها من كثرة الثواب فإن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة.. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلونها جماعة في المسجد والنبي [ قد صلاها بهم جماعة في أول الأمر ثلاث ليال وهكذا كان الحال في عهد الخلفاء الراشدين. في البيت أفضل ويري بعض الشافعية والمالكية أن صلاتها في البيت أفضل لقوله صلي الله عليه وسلم: »صَلاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي مَسْجِدِي هذا إلا المكتوبة« رواه أحمد وفي رواية للبخاري ومسلم من حديث زيد بن ثابت أن النبي أتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلي فيها ليال حتي أجتمع إليه الناس ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم ينحنح ليخرج إليهم.. فقال: »مازال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتي خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ماقمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة«. والمرأة إن حضرت الصلاة مع الرجال في المسجد فحسن لما صح من أنهن كن يشهدن الصلاة مع رسول [ وهو عالم بذلك وبالنسبة لصلاة النفل فصلاتها في بيتها خير من صلاتها في المسجد في جماعة لحديث: »صَلاةُ المرأةِ في بَيتِها أَفضَلُ مِن صَلاتها في المَسجِد«.. من طلوع الفجر هل الإمساك قبل الفجر بدعة أم أنه يجب بعد الأذان الأول؟ الإمساك عن المفطرات ولكن من أركان الصوم من طلوع الفجر الصادق إلي غروب الشمس لقوله تعالي: »ِوَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَي اللَّيْل« فالإمساك بمقتضي هذه الآية يبدأ من وقت طلوع الفجر إلي دخول جزء يسير من الليل.. فعلي المسلم أن يترقب طلوع الفجر فإذا ما بقي علي طلوعه خمس دقائق مثلا ينبغي عليه أن يمسك عن المفطرات احتياطيا.. فقد روي الإمام مسلم وغيره عن عبدالله بن عمر ] قال »كان لرسول الله [ مؤذنان بلال وإبن أم مكتوم الأعمي، فقال الرسول [ »إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتي يؤذن إبن أم مكتوم« قال: ولن يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقي هذا«. مع الضوء الأول وفي رواية إبن مسعود قال: قال رسول الله [: »لا يمنعن أحدا منكم آذان بلال »أو نداء بلال« من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم فجعل النبي بلالا يؤذن مع الضوء الأول العمودي وجعل إبن أم مكتوم يؤذن عند بزوغ الضوء الثاني المستعرض، ثم قال لهم: لايغرنكم آذان بلال فإنه يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتي يؤذن إبن أم مكتوم.. ومعني ذلك أن العبرة بالفجر الثاني ويسمي الصادق وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام وهو الفجر الكاذب.. هذا وإن مواقيت الصلاة المعلنة في أيامنا تحدد بناء علي علم دقيق، لحظات طلوع الفجر الصادق فتعلنه موعدا للأذان الثاني للفجر.. وعند بدايته يجب الكف عن الأكل والشرب ويدخل وقت الصبح ومن سمع أول الأذان وفي فمه طعام أو شراب قذفه وتمضمض وصيامه صحيح. استعمال السواك والفرشاة ماحكم استعمال السواك والفرشاة للأسنان؟ روي البخاري ومسلم أن النبي [ قال: »وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ « وروي الترمذي عن عامر بن ربيعة قال: »رأيت رسول الله [ يتسوك مالا أحصي وهو صائم«. أستنتج الإمام الشافعي من الحديث الأول كراهة استعمال السواك للصائم مثله فرشاة الأسنان وخص ذلك بما بعد الزوال إبقاء علي رائحة الفم التي مدحها النبي [ وتغير رائحة الفم ناتج عن عدم تناول الطعام والشراب ويظهر عادة بعد الزوال ولن يعمل الشافعي بالحديث الثاني لأنه أقل رتبة من الحديث الأول ويؤيد رأيه البيهقي »إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولاتستاكوا بالعشي« والغداه أول النهار والعشي آخره.. مع المضمضة للوضوء ولكن جمهور الفقهاء أبوحنيفة ومالك وأحمد قالوا: لايكره السواك للصائم مطلقا سواء قبل الزوال وبعده وحملوا مدح رسول الله خلوف الصائم علي الترغيب في التمسك بالصيام وعدم التأذي من رائحة الفم وليس الترغيب في إبقاء الرائحة لذاتها ثم قالوا: إن الرائحة تزول أو تقل بالمضمضة للوضوء الذي يتكرر كثيرا ولم يثبت نهي الصائم عنها.. وعلي هذا فلا كراهة في استعمال السواك في رمضان وكذلك تنظيف الأسنان بالفرشاة شريطة ألا يصل إلي الجوف شيء من المعجون والماء أو الدم ومن الأحوط استعمال فرشاة الأسنان ليلا وقبل الفجر. علي رأي الشافعية! ماحكم بلع الريق للصائم؟ يباح للصائم كل مالا يمكن الاحتراز منه كبلع الريق وغبار الطريق وغربلة الدقيق وشم الروائح وغيرها من هذه الأشياء.. وعليه فالريق العادي يجوز بلعه في نهار رمضان وفي أي صيام وذلك لمشقة الاحتراز عنه، بجانب أن ابتلاعه لايعد أكلا ولا شربا وليس غذاء يتنافي مع معني الصوم وحكمته.. أما البلغم الخارج من الصدر فإن وصل إلي الفم ثم بلعه الصائم بطل صومه علي ما رآه الشافعية إذ يصدق عليه أنه شيء دخل إلي الجوف من منفذ مفتوح ولا يشق الاحتراز عنه.. وقاسه الآخرون علي الريق العادي فقالوا: إن بلعه لايبطل الصوم وفي هذا الرأي تيسير علي المصابين بحالة يكثر فيها البلغم أما غير هؤلاء فيتبعون أحد القولين الأولين. حديث سنده ضعيف هل هناك حديث يقول: »نوم الصائم عبادة«؟ هذا الحديث سنده ضعيف وعليه فالحديث ليس صحيحا ولاحسنا فهو إما ضعيف أو موضوع وبعيدا عن صحته أم لا فالصائم الذي يتعرض أثناء صيامه لأمور تتنافي مع حكمة الصيام بسبب اندماجه مع المجتمع كالكذب والغيبة والنميمة والنظر المحرم سيكفيه نومه بالنهار عن هذه الأمور المنكرة شرعا وهذا فيه إمساك عن الشر.. والإمساك عن الشر صدقة.. وقد روي البخاري ومسلم رحمهما الله »أن المسلم الذي لايجد ما يتصدق به كما قال الرسول [ فليمسك عن الشر فإن إمساكه عن الشر صدقة« ومن هنا يكون صومه صوابا وعبادة.. هذا بخلاف الصائم الذي يؤثر النوم علي عبادته وطاعته وعمله وإنتاجه فهذا هو المخالف لأوامر الدين.. فالأحاديث تنفر من العجز والكسل وتوجب استغلال طاقة الإنسان في عمل الخير.