أكثر من عشرين مليونية وإن شئت الدقة فهي في غالبيتها ألفيات أو تزيد قليلا طوال عام مضي وصولا للجمع الأخيرة بلا مليونيات لكنها وكالعادة كانت فقرتها الأخيرة تبادل المولوتوف والغاز المسيل للدموع ، في كل مناسبة نتذكرها بعد الثورة لابد أن نحولها لساحة فوضي وعنف ودماء وحرائق، ونتساءل هنا: هل الثورة فعل ممتدة بلا توقف إلي ما لا نهاية وهل سنظل في قلب هذه الدوامة بلا أمل في الخروج منها ؟! في نهاية الشهر الحالي يمر عام علي تولي أول رئيس مدني منتخب لمصر عبر صناديق اقتراع لاتضم أصوات الموتي أو من لم يصوتوا أو منعوا من التصويت واستيقظوا علي نسب تأييد تقترب من العلامة الكاملة للرؤساء السابقين، رئيس تم ملاحقته إعلاميا وسياسيا من بداية أيامه الأولي في الحكم ومحاولة إسقاطه حتي يومنا هذا في أغرب أشكال وآليات الممارسة الديمقراطية علي الإطلاق، فحين يفوز مرشح بالرئاسة يعترف الخاسر ويقر بهزيمته ويقبل الناخب الذي لم يعطه صوته وينزل علي رأي الأغلبية ويسعي الخاسر لرد اعتباره في الجولة القادمة واستعادة شعبيته وعلي سبيل التجربة ما هو اسم المرشح الذي نافس أوباما في الانتخابات الأخيرة ؟! ماحدث أن معظم الخاسرين لم يقبلوا بذلك وانطلقوا للانقلاب علي إرادة الناخبين واختيارهم وسعوا مبكرا لإسقاط الرئيس المنتخب وكأنهم لايرون وجودا لشعب أو لصندوق أو لبلد يريد أن ينهض !! لم نر برنامجا واحدا يمكن أن يجذب به حزب من أحزاب المعارضة الجماهير إليه ويجعلها تفكر في تغيير خياراتها نحوها في الانتخابات القادمة أو شخصية تملك حضورا مؤثرا وطاغيا في الشارع تجعل الجماهير ترنو إليها في المستقبل لقيادة مسيرتها، معظم أحزاب المعارضة لا هدف لها سوي إسقاط النظام في استنساخ مثير للملل لثورة يناير، لم نر من قوي المعارضة ثباتا أو اتزانا في المواقف بل سلسلة متواصلة من المتناقضات، يرون في التعاون والحوار مع النظام جريمة لا يجوز ارتكابها وخطيئة لا تغتفر، طلب منهم أكثر من مرة ترشيح أسماء للمشاركة في الوزارة فتهربوا، انسحبوا من جمعية الدستور قبل أن تنهي عملها، فعلوا نفس الشيء في أزمة الجنود المختطفين وكذلك في الحوار حول أزمة سد النهضة، يدفعون بشبابهم للساحة ليمارس العنف وكأنه السبيل الوحيد للتغيير بينما يقبعون في بيوتهم أمام شاشات الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي أو الهروب للخارج أثناء الأزمات وتبدو المعارضة وكأنها مصابة بالوسواس القهري فلا مجال ولا استعداد لديها للحوار مع النظام حتي رحيله ولا حديث لها سوي عن الانتخابات الرئاسية المبكرة! مما لاشك فيه أن للنظام أخطاءه بحكم التجربة الأولي في الحكم وبحكم التركة الثقيلة التي ورثها عن الأنظمة السابقة لكن خطيئة المعارضة أنها لم تمد يد العون للنظام لا قولا ولا فعلا ولا حتي بالنية والرغبة في بناء وطن من جديد بعد حالة الدمار الشامل بسبب الاستبداد والقمع والفساد والتبعية ! لكن الأخطر هو فيما تدعو إليه المعارضة من الانقلاب علي اختيار الشعب والثورة عليه والدعوة لاسقاط الرئيس بعد عامه الأول والتجارب الماضية تشير لتيار العنف المتصاعد الذي رعته المعارضة أحيانا عبر صمتها أو تبريره بالمد الثوري وصراخها حين يمس أحد رموزها أو مقراتها وصمتها عما يتعرض له الطرف الأخر ثم تحالفها مع أقطاب النظام السابق وزيارة معتمر دبي وكذلك بيروت ودمشق وغيرها وما تحدث به سابقا الباحث بمركز الدراسات بالأهرام حول تكثيف الحشود وصمودها وكرره مؤخرا مؤسس مركز ابن خلدون ورعاية واشنطن كسبيل لإزاحة النظام!! لعل من أبرز نتائج الثورة سقوط الأقنعة عن كثير من الوجوه التي ظلت في أنظارنا قامات ورموزا في السياسة والعلم والفن والأدب والقانون أو كنا نظنها كذلك اكتشفنا فساد تلك النخب فكريا وماليا وسلوكيا وأنها صناعة نظام سابق فاسد ومستبد وثوريتهم المصطنعة مجرد غطاء لستر عورات أصحابها ؟! مانعيشه هذه الأيام هو تحالف شرير بين المال السياسي الملوث من جيوب فاسدي الداخل ومتآمري الخارج ومن يحملون لقب نشطاء وخبراء استراتيجيين ومدعي ثورية وهدفهم جميعا إعادة الوضع علي ماكان عليه وكأن ثورة – علي حد قول رجل التويتر الشهير – لم تقم، وأسوأ أدواتهم هي استغلال حاجة الفقراء من المشردين وأطفال الشوارع وسكان العشوائيات والبلطجية ليكونوا وقودا للعنف في الشوارع وإطلاق سيل من الشائعات لإثارة الفتن بكل صورها وخلق أجواء من التوتر والشحن ضد النظام واستدراج القوي والتيارات الإسلامية للمواجهة والعنف والصدام علي نحو ماحدث حول قصر الاتحادية وأماكن أخري، الهدف النهائي هو أن تتحول مصر لساحة واسعة من الفوضي وربما الاحتراب الداخلي تستدعي عودة الجيش للمشهد السياسي وهو ماعانينا منه طويلا بعد الثورة من تخبط واضطراب وتدهور اقتصادي! وللخروج من هذه الدوامة التي يريد البعض إغراق البلاد فيها أن يواصل النظام تحقيق المزيد من الخطوات وأن تقدم الحكومة كشفا بإنجازاتها ومصارحة الشعب بالعقبات وأن تتوقف حملات الشحن علي الجانبين سواء من المعارضة أو التيار الإسلامي وأن يتدخل العقلاء علي الجانبين لوأد العنف في الشارع وبث الكراهية أما الإعلام فهو حالة مستعصية لا أمل في إصلاحه خاصة فضائيات وصحف المال المشبوه والملوث بالفساد والكائنات الغريبة التي تطل علينا صباحا ومساء! وأقول في النهاية للشباب عليكم أن تحددوا جيدا مع من تقفون وإدراك أن من يريد أن يبني لا يحرق ولا يقتل وألا يدفعكم أحد للتحول من حالة التعبير عن الغضب إلي ممارسة العنف واشعال الحرائق فهو وطنكم وسيبقي كذلك إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.