خلال الآونة الأخيرة ارتفعت نبرات المصريين بعبارات "أنا مكتئب" التي طالت الكثير من فئات الشعب المصري فلم تعد مقصورة علي فئة بعينها فيرددها الغني والفقير، والشاب والعجوز، والرجل والمرأة، وساكنو المدن والريف، والعاطلون والعاملون بل الأغرب من هذا وذاك أن شرائط أدوية الاكتئاب أصبحت لاتفارق جيوب رجال الأعمال الذين تحطمت أحلامهم خلال المرحلة التي تشهدها مصر من خسائر اقتصادية بالغة وتدهور في الاستثمار وانهيار البورصة، فشهدت عيادات العلاج النفسي ازدحاماً كبيراً وفئات عديده من المجتمع أصبحت لاتفارق جيوبهم شرائط المهدئات ولايزورهم النوم إلا بتناول الأدوية، فمعظم المصريين يساورهم القلق والخوف علي مستقبل بلادهم ويفكرون فيما يخبئه لهم القدر إلا أن هناك آخرين قد يتحول هذا الخوف عندهم إلي اكتئاب مزمن يدفعه في بعض الأحيان إلي الانتحار وإلقاء همومه كلها إلي الجحيم وبالطبع هناك العديد من الدراسات التي رصدت نسب إصابة المصريين بهذا المرض اللعين ولكن لاتوجد نسبة موحدة نعتمدها فالأعداد في تزايد مستمر طبقا لظروف البلاد. وقد يدفع الاكتئاب بعض الأفراد إلي الإفراط في تناول العقاقير المهدئة دون وصفة طبية في مخالفة صريحة لكل القوانين الطبية وعلي الرغم من علمهم بالأضرار الجانبية التي قد تصيبهم سواء أكان نزيف المخ أو الصداع المزمن وغيرها من الأمراض المزمنة وقد يتحول التعاطي إلي إدمان مزمن لينضم المريض إلي قائمة المدمنين التي لاتنتهي ولكن ما باليد حيلة فماذا عساهم أن يفعلوا فقد تكون الظروف أقوي من احتمالهم. فحسب دراسة حديثة عرضها مؤتمر الطب النفسي الذي عقد مؤخرا بالقاهرة أكد زيادة الإقبال علي تناول المهدئات وأدوية الاكتئاب نظرا لانخفاض أسعارها ولكن قد يندرج بعضها في جدول أدوية الإدمان وهناك فئات بعينها تقبل بنهم علي تلك العقاقير أهمهم علي الإطلاق رجال الأعمال والذين يتعرضون لضغوط اقتصادية شديدة من شأنها إصابتهم بأزمات نفسية شديدة ولا أحد ينسي تزايد معدلات الانتحار بين رجال الأعمال والاقتصاديين عقب انهيار البورصة الشهير والذي تسبب في إفلاس المئات منهم حتي أن خط المساندة النفسية خصص فرعا لمعالجة الاكتئاب والقلق النفسي الناجم عن انهيارات البورصة عن طريق أطباء نفسيين متخصصين. ولم تكن تلك الفئة فقط من تصاب بالاكتئاب وتعالجه طبيا فالفنانون ضربوا عرض الحائط في ذلك الشأن، بعض الأطباء النفسيين فسروا ذلك بالرفاهية والترف الذي يعيشه الفنان تجعله يصاب بالاكتئاب فيبحث عما يسري عنه فلايجد سوي تلك العقاقير غالية الثمن التي يشترونها خصيصا من البلاد الأوربية وماركات بعينها وبالرغم من أنها لاتستطيع معالجة الأسباب النفسية بل تخفي العوارض الظاهرة فقط. أما الفقراء فلن يجدوا مخرجا من ذلك المرض سوي بالعزلة عن أقرانهم حتي يعتقد البعض بأنهم أصبحوا مجانين لتفتح لهم مستشفي العباسية صدرها ولتمتلئ جنباتها عن آخرها، ومن خلال هذا التحقيق نتعرف من خبراء الطب النفسي علي أكثر الفئات إقبالا علي أدوية الاكتئاب ومخاطرها، وتوقعات تصاعد أو نقص عدد المكتئبين خلال الفترة القادمة. يقول أحمد هلال أستاذ الطب النفسي: الفترة الحالية التي تشهدها البلاد من تدهور في الاقتصاد وعدم استقرار سياسي جعلت الكثير من فئات الشعب المصري مرضي بالاكتئاب ولا تفارق جيوبهم شرائط المهدئات بل لا يزورهم النوم إلا بتناولها، والجدير بالذكر أن الشباب ورجال الأعمال هم الذين ينتشر بينهم مرض الاكتئاب ويتناولون أدوية المهدئات دون استشارة الأطباء وأسباب ذلك متنوعة تبدأ بالقهر السياسي والفشل والطبقية والتمييز بين فئات المجتمع وعدم الاستقرار والإحساس بعدم المساواة بالإضافة إلي الأسباب الاقتصادية، فرجال الأعمال هم أكثر الفئات الذين يزورون عيادات الطب النفسي ويتناولون المهدئات بسبب الضغوط الاقتصادية والخسائر التي أصبحت تلاحقهم هنا وهناك. ويشير إلي أنه كان في السابق المصابون بالاكتئاب أفراداً معدودين في المجتمع وكانت أيضاً الأسباب معروفة للجميع وتنحصر إما في الفشل الدراسي أو العاطفي. أما الآن فقد تطور المرض إلي الأسباب الاقتصادية والسياسية كما أن الاحباط السياسي أصبح أكثر أمراض الاكتئاب التي تصيب افراد المجتمع دون التفريق بين كبير أو صغير غني أو فقير بالإضافة إلي تفشي الفساد، خاصة أن كثيرا من أفراد الشعب توقعوا بعد حدوث ثورة 25 يناير أن ينتهي عصر الفساد والظلم الاجتماعي والذي حدث هو العكس ارتفعت نبرة التفرقة وعدم المساواه وظهر قطاع عريض في المجتمع لديه عقدة نفسية فجلسوا في السجون علي مدار 30 عاما والآن جاءت الفرصة للانتقام وليس لتحقيق العدل وهو ما يعاني منه المجتمع بأثره. يقول الدكتور وائل الهندي أستاذ الطب النفسي جامعة الزقازيق: التعامل في البورصة أمر شاع في السنوات الأخيرة وأقبل عليه رجال الأعمال بشدة لدرجة إدمانهم له كما أن هناك فئة أخري تستغل البورصة للمقامرة المرضية والناتج اكتئاب مزمن كما أن الحالة التي تصيب مستثمري البورصة خاصة الجدد منهم حالات عرضية تستمر من شهر إلي شهرين وتشمل الاكتئاب أو الإحباط والشعور بالهزيمة وإذا استمرت تلك الحالة فإنها تتحول لمرض نفسي مزمن وتتحول لأمراض نفسية جسيمة مثل السكتة الدماغية والسكر والضغط، وأن الضغوط المتزايدة تدفع البعض للانتحار. بينما يري د. علي شاهين أستاذ طب النفس بجامعة الأزهر، أن الفئات الأكثر تناولا لأدوية الاكتئاب هم الشباب وذلك بسبب أن العديد منهم يشعر بالإحباط واليأس وعدم وضوح الرؤية للمستقبل بالإضافة إلي الأعباء الاقتصادية والبطالة وأزمة السكن وارتفاع الأسعار وتأخر سن الزواج وانتشار العنوسة، كما أن هناك علاقة وثيقة بين انتشار الاكتئاب وحرمان الشخص من حقوقه وحرياته الأساسية ففي الوقت الذي يشعر المجتمع بعدم القدرة علي ممارسة حرياته وأنه لايستطيع أن يحصل علي حقوقة الطبيعية يؤدي ذلك إلي زيادة معدلات الاكتئاب وربما يؤدي أيضا إلي انتشار ظاهرة العنف وهو ما يعيشة المجتمع الآن من انتشار الفوضي والعنف بين أفراده وبشكل عام المجتمع لم يتدرب حتي الآن علي السلوك السياسي السليم. ويضيف أن الوضع ازداد سوءا بعد ثورة 25 يناير وخاصة خلال الفترة الحالية الخاصة بالتعديلات الدستورية فهذه الفترة ضاعفت من يأس الناس فبعد أن ظن الشباب أن مصر تتطلع لمستقبل أفضل مع وضع دستور عادل جاءت الرياح بما لاتشتهي السفن فزاد الوضع القائم من إحباط الشباب فنسمع الكثير منهم يتحدثون عن اليأس في تغيير أوضاعهم. هذا في الوقت الذي أوضحت فيه إحدي الدراسات أن 500 ألف شخص من الذين يتناولون أدوية الاكتئاب المعتادة هم أكثر عرضة للإصابة بنزيف في المخ، كما أنها تمثل مثبطات تعمل علي إعادة امتصاص السيروتونين الاختيارية "إس. إس .آر.أي" ويدخل في تركيبها بدرجة كبيرة عقاقير مثل فلوكتين "بروزاك" وسرتالين طزولفوت "وكيتالوبرام" وتعمل هذه المثبطات علي إصابة المعدة بنزيف. وأكد دانيل هاكام الأستاذ المساعد للطب في جامعة وسترن بلندن وأونتاريو بكندا أن هذه الأرقام تبدو كبيرة ألا أن المخاطر التي تهدد الفرد »ستكون كبيرة« .