أبطال أحدث أفلام جيمس بوند افتتاح دور عرض (الآي ماكس) في مصر.. هو الحدث الأكثر أهمية بين الأوساط المهتمة بصناعة السينما أو بين عشاق الفن السابع عموما! وربما تندهش إذا علمت أن هناك أفواجاَ من البشر اهتموا بالحجز مسبقا لضمان الحصول علي مقعد أو اثنين في دور السينما التي تجعل الفرجة علي الأفلام مُتعة مضاعفة، وتلغي فكرة أن تشاهد الفيلم والسلام علي جهاز الكمبيوتر أو علي شاشة منزلية أو أي طريقة أخري للفرجة! وتزامن افتتاح دور سينما الآي ماكس مع عرض أحدث أفلام سلسلة جيمس بوند (سكاي فوول)، وهو الفيلم الذي يعتبر حدثا عالميا في حد ذاته، فهو يعرض في تزامن في جميع بقاع الأرض، بمناسبة مرور خمسين عاما علي بداية ظهور أول فيلم للعميل السري البريطاني 007 أو جيمس بوند، الذي رسم ملامحه وصاغ له مجموعة من الحكايات والمغامرات المؤلف البريطاني أيان فليمنج. ويعتبر سكاي فوول الفيلم ال23 من هذه السلسلة التي جسدها علي الشاشة أكثر من ستة ممثلين من أصل بريطاني، كان أولهم شون كونري، وروجر مور، جورج لازينبي، وتيموثي دالتون، بيرس برونسون، ودانييل كريج، ويعتبر النقاد أن سكاي فوول الذي أخرجه سام مانديز هو أقوي أفلام هذه السلسلة حتي الآن، وأعتقد انهم محقون جداً في هذا الرأي، وقد تم تصوير الفيلم بين استانبول، وشانغهاي، ولندن، وإذا كانت المهمات السابقة لجيمس بوند، معظمها موجهة لعدو خارجي، " منظمات إرهابية.. عصابات دولية"، وما أشبه ذلك فإن الصراع في (سكاي فوول)، يدور داخل كيان المخابرات البريطانية نفسها، صراع علي مراكز القيادة بين إم 16 أو جودي دينش، المسئولة عن تدريب عملاء المنظمة، وإدارة العمليات، والتي كادت تصل إلي سن التقاعد وبين "رالف فينيس" موظف الإدارة الطامع في مكانتها ومن جهة أخري، وبين العميل السابق "راؤول سيلفا" أو خافييه بارديم، وبين إم 16 جودي دينش التي قامت في لحظة اختيار مفصلية ودقيقة بالتضحية به، لضمان نجاح إحدي العمليات التي يقوم بها، العدو هذه المرة من داخل وكالة الاستخبارات البريطانية، "راؤول سيلفا" عميل شديد الذكاء، يعرف أسرار المنظمة، ويستطيع أن يلحق بها أضرارا لانهائية، انتقاماً لما حدث معه! أما (جيمس بوند)، الذي شاهدناه في 22 فيلما سابقا، يحمل نفس المواصفات، فهو دائماً لديه القدرة علي أن يلحق بخصومه خسائر متوالية، ويضربهم ضربات موجعة، نجده يتعرض لهزيمة نكراء مع بداية الفيلم، تجعله يكاد يفقد حياته، بل إنه يصبح خارج اللعبة تماما، ويحاول بعناء أن يستعيد مكانته!! إن إضفاء ملامح أكثر إنسانية علي شخصية جيمس بوند، وإظهاره في حالة ضعف، وانكسار، تحوله إلي مخلوق آدمي يمكن أن تتعاطف معه، وتقلق من أن يصيبه مكروه، بدلاً من أن تكون علي ثقة من البداية إنه لن يصيبه أي أذي، وكأنه روبوت أو آلة مبرمجة! براعة الاستهلال، هذا مايقدمه المخرج سام مانديز في العشر دقائق الأولي من الفيلم، التي تشهد مطاردة يقف لها شعر الرأس بين العميل 007 أو جيمس بوند، وأحد أفراد عصابة تهدد وكالة الاستخبارات، مسرح الأحداث مدينة استانبول، تتابع العملية إحدي فتيات المنظمة وهي قناصة محترفة، مهمتها تأمين العملية، ومن داخل الوكالة يقوم فريق آخر ترأسه "إم 16" جودي دينش، بإعطاء بعض التوجيهات، وفي لحظة فارقة، عندما يشتبك جيمس بوند، والشخص الآخر، تعطي إم 16 أوامر صارمة للفتاة القناصة أن تطلق الرصاص الآن، لتضمن عدم إفلات الشخص المطارد، ولكن الفتاة، تؤكد لها أن التلاحم بين الرجلين لن يمكنها من إصابة الهدف بدقة، وهناك احتمال أن تصيب الرصاصة جيمس بوند نفسه، ولكن إم 16 تلح علي الفتاة أن تطلق الرصاص فورا، وتنفذ الفتاة"ناعومي هاريس"، وتنطلق الرصاصة لتصيب جيمس بوند، الذي يهوي ويسقط في مياه البحر، تتقاذفة الأمواج، وتعلن المنظمة وفاته! ويتم بيع الشقة التي كانت المنظمة قد خصصتها لإقامته، وتعليق كل ممتلكاته نظرا لعدم وجود ورثة له! ولكن طبعا.. يدرك الجمهور أن جيمس بوند، لايمكن أن يموت، فهو بطل الفيلم ولايعقل أن نصدق أنه يمكن أن يختفي من الأحداث في العشر دقائق الأولي من الأحداث التي تقترب من الساعتين، وتحدث عدة أزمات داخل وكالة الاستخبارات البريطانية نفسها، حيث يتعرض مقرها الرئيسي، للانفجار، بل يتعرض كمبيوتر "إم 16" للقرصنة، والانتهاك، وتتلقي عليه عدة رسائل تقول لها عليك أن تدفعي ثمن خطاياك، ويصبح مؤكداً لدي الجميع أنهم يواجهون عدوا من الداخل، أو كان يوماً ضمن فريق العمل! وعلي الجانب الآخر نتابع ماحدث مع جيمس بوند، الذي يتم إنقاذه ويعيش فترة من الوقت في إحدي الجزر، يتجرع مرارة ماحدث له، وهو التضحية به بسهولة، ولكنه يقرر العودة، عندما يتابع علي شاشات التليفزيون ما تعرض له مقر الوكالة التي ينتمي لها، ولكن عندما يعود، يجد نفسه مضطرا أن يخضع مرة أخري للاختبار العقلي والبدني، للتأكد من أنه صالح للعمل، ولا يشفع له تاريخه السابق في خدمة الوكالة، والغريب أنه يفشل في الاختبارات التي مر بها، ولكن إم 16 أو جودي دانيش تتغاضي عن نتائج اختبار المهارات، لأنها كانت في شدة الاحتياج لمهارات جيمس بوند التي تعرفها جيدا، هناك عدو يخطط بدقة وذكاء، ويعرف معلومات عن كل فرد في الوكالة، وهذا الشخص يخطط للانتقام لسبب ما أو عدة أسباب لم تكن معلومة، ولكن واضح أنه خصم شديد الذكاء، ويملك قدرا من الشرور يجعله يشكل خطرا علي الجميع، وتصبح مهمة جيمس بوند، هي معرفة هذا الشخص والتوصل إليه، وإبطال كل خططه! وهنا يصبح مسرح الأحداث مهيأ لظهور الشرير أو راؤول سيلفا خافييه بارديم، العميل السابق، الذي تم التضحية به، وعاد لينتقم من إم 16! لو أحصيت عدد المشاهد التي ظهر فيها النجم الأسباني خافييه بارديم في فيلم سكاي فوول ستجدها ربما تزيد أو تقل قليلا عن ثلاثين مشهدا، من مجموع 120 مشهدا تقريبا، ولكن وجوده أو حضوره غير دفة الأحداث، وحوله من فيلم أكشن جيد الصنع، إلي واحد من أهم سلسلة أفلام جيمس بوند بل إنه أفضلها علي الإطلاق، وقد استطاع بحضوره الطاغي أن يبتلع بطل الفيلم دانييل كريج الذي يمتلك وجها شمعياً، لاتختلف ملامحه وتفاصيله في ساعة الغضب والهزيمة عنها في حالات الفرح أو الانتصار! أما منافسة "بارديم" فهو يقدم في اللقطة الواحدة أداء متباينا بين الغضب والقسوة والسخرية والكبر والتعالي، والثقة، والدهاء، والضعف في آن واحد! تفاصيل الصراع يطول شرحها، ولكن يبقي أن فيلم سكاي فوول يقدم متعة بصرية، مغلفة بقيمة فكرية، تجعل من الفرجة عليه حدثاً يدفع لتكرار المشاهدة مرات، مضافا لذلك جمال الصورة بتفاصيلها، وبراعة تقديم مشاهد الحركة، وأداء الممثلين، في مقدمتهم خافييه بارديم وجودي دينش، ورالف فينيس، ثم يأتي عنصر الموسيقي، التي يمتزج فيها الإيقاع الشرقي مع الغربي، في تكوين مذهل يساهم في تصعيد الإحساس بالتوتر والتشويق، وتقدم أغنية الفيلم المطربة "آديل" التي تم اختيارها بعناية لتضاف ضمن أهم من غنوا مقدمات أفلام جيمس بوند مثل شيرلي باسي، مادونا ، ألتون جون!