الرئيس مرسى والنائب العام بعد قرار بقاء الأخير فى منصبه عصام الشريف: الحل الأمثل في (الانتخاب) وتقنين المدة د. يوسف وصال: الدستور يجب أن يحدد مدة بقاء النائب العام في منصبه التهب الشارع السياسي في مصر الأسبوع الماضي مع تصدر أزمة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود للمشهد، علي خلفية ماتردد عن إقالته وتعيينه سفيرا لدي الفاتيكان بعد صدور حكم ببراءة جميع المتهمين في (موقعة الجمل) وما فجره النائب العام من مفاجآت بشأن تلقيه ضغوطا من جانب المستشارين حسام الغرياني وأحمد مكي للانصياع للقرار الجمهوري وإصرار عبد المجيد علي البقاء في منصبه واحتشاد القضاة للتضامن معه، لتنتهي الأزمة بالانفراج بعد اجتماع ضم الرئيس محمد مرسي ومستشاريه والنائب العام وتقرر بقاء عبدالمجيد. إقالة النائب العام كانت أحد المطالب الثورية بعد نجاح ثورة يناير، لكن (الإخوان) الذين وصلوا إلي سدة الحكم ارتضوا الاحتكام إلي شرعية القانون وليس صوت الميدان وهو ما بدا واضحا في أزمة حل البرلمان التي تم الاحتكام فيها لصوت القضاء، ولكن في الأخير يبقي أن قانون السلطة القضائية لايتيح إقالة أو عزل النائب العام.. لذا فإن حصانة النائب العام تحميه من فتنة (الجمل). رغم أن الموقف يبدو أنه قد حسم لصالح القضاء فأعضاء نادي القضاة اعتبروا الموقف نصرة لمصر وأن عودة النائب العام لمنصبه هو بمثابة (عودة الأسد إلي عرينه)، إلا أنه تظل هناك حالة من اللغط والشد والجذب والتصريح والنفي يجعل هناك العديد من التساؤلات التي تثور حول آلية تنفيذ هذا القرار الخطير، لماذا جاء في ذلك التوقيت بالتحديد ولماذا أعلن عنه بهذا الشكل دون التأكد من قبول النائب العام له من عدمه ولماذا لم يكن القرار مدروسا بشكل كاف تجنبا لحدوث هذا الارتباك في المشهد وهو ما يدل علي ضعف مستشاري الرئيس وهو الأمر الذي لم يسفرعن إجراء التغيير المرجو من هذه الخطوة وهل الرجوع في القرار سيكون مؤقتا لحين تغيير قانون السلطة القضائية؟.. فالنتيجة أنه لم يتحقق منها سوي الإثارة أو لفت الانتباه إلي شيء مفاجئ عن فعاليات جمعة كشف الحساب لأن القرار جاء عقب حكم البراءة في قضية موقعة الجمل واستباقا لتجديد المطالبة الشعبية باقالة النائب العام خاصة بعد ما تكشف من أخطاء هائلة وقع فيها قضاة التحقيق المنتدبين للتحقيق في موقعة الجمل مما أدي لبراءة جميع المتهمين بسبب الأخطاء الفادحة في أوراق التحقيق ويبقي لدينا أزمة صلاحيات النائب العام التي خولها له قانون السلطة القضائية بصريح المادة 67 التي تنص علي أن رجال القضاء والنيابة العامة عدا معاوني النيابة العامة غير قابلين للعزل وذلك حماية لهذه الوظيفة بتقدير حصانة عدم العزل لشاغلها وهو العزل الذي رسمت طريقه المادة 111 من ذات القانون بأسباب محددة وهي فقد أسباب الصلاحية لولاية القضاء لغير الأسباب الصحية ويكون ذلك بالإحالة الي المعاش أو النقل إلي وظيفة غير قضائية.. كما أن الرجل لم يبلغ سن التقاعد بعد في تقلده للمنصب منذ عام 2006 وحتي هذا العام فهو من مواليد 1946 أي يبلغ من العمر 66 عاما فلازال هناك أربع سنوات متبقية لبلوغه سن التقاعد ليتم وقتها عشر سنوات بمنصبه. وهذا ما أكده النائب العام المستشار د. عبدالمجيد محمود، في تصريحات له سرد خلالها التفاصيل الكاملة لمحاولات عزله من منصبه، وأنه لم يتقدم باستقالته مطلقاً، مشدداً علي أنه باقٍ في عمله طبقاً لقانون السلطة القضائية الذي ينص علي عدم جواز عزل النائب العام أو نقله من وظيفته إلا بناء علي طلبه، وأن خدمته لا تنتهي إلا ببلوغ سن التقاعد، لافتاً إلي أنه لم تصدر عنه أي موافقات من أي نوع للعمل كسفير لمصر لدي الفاتيكان. حتي جاء رد المستشار محمود مكي، نائب رئيس الجمهورية، أن النائب العام لم يتقدم باستقالة ولم يقل وأن كل ما حدث أنه تم تعيينه سفيرا، وهو إجراء متبع مع كل رجال القضاء بأن أي رجل قضاء يعرض عليه منصب تنفيذي فيكتفي بالحصول علي موافقته شفويا للبدء في إجراءات تعيينه بالمنصب دون الحاجة إلي استقالة مكتوبة، حيث إن قرار تعيينه في المنصب التنفيذي هو بمثابة بديل الاستقالة وتتخذ الإجراءات التالية. وقال المستشار محمود مكي: إن النائب العام كان قد أبدي رغبته سابقا في ترك المنصب، مما جعل الرئيس يقبل وساطة بعض أصدقاء النائب العام، في أخذ موافقته علي تعيينه سفيرا، وعلي هذا الأساس تم البدء في اتخاذ إجراءات تعيين النائب العام سفيرا. وقال إن الناس وجهت غضبها إلي النائب العام بعد أحكام البراءة في قضية موقعة الجمل، وتجدد مطلب عزل النائب العام ووردت معلومات بأن هناك تحركات للتعدي علي النائب العام واقتحام منزله ومن هنا تطوع وأبلغ بهذه المعلومات من أجل أن يعرضوا علي النائب العام تعيينه في منصب آخر حماية له.لكن سرعان ما خرج المستشار أحمد مكي وزير العدل وأدلي بشهادة توضيح له عما أثير بشأن تهديده للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود وقال إن الأخير عبر للمجلس الأعلي للقضاء برئاسة المستشار سري صيام عن رغبته في التخلي عن منصبه إلا أنه عارض ذلك وطلب منه البقاء. وأوضح "مكي" أنه في أواخر شهر فبراير وأوائل شهر مارس 2011 وعقب قيام ثورة 25 يناير ورفعها شعارات مست النائب العام، وفي اجتماع لمجلس القضاء الأعلي برئاسة المستشار سري صيام، عبر المستشار عبد المجيد محمود النائب العام عن رغبته في الاستقالة من منصبه لشعوره بالحرج، فكنت أول من تصدي له مطالبا بالاستمرار في موقعه، فاستجاب سيادته وإن ظل يردد بين الحين والحين رغبته في الاستقالة وضيقه بما يجري علي ألسنة بعض الناس حتي توليت أمر وزارة العدل، وتعهدت له أني سأقوم بشرح طبيعة عمله للسلطات السياسية، وكان التعاون بيننا كاملاً، وكان سيادته حريصاً علي إطلاعي علي كل ما ينبغي أن أطلع عليه. وأضاف:"وفي يوم الأربعاء 10 أكتوبر 2012 صدر الحكم ببراءة المتهمين فيما سمي ب (موقعة الجمل) فتحركت جماهير تطالب بإقالة النائب العام متصورة مسئوليته عن هذا الحكم رغم أن القضية قام بتحقيقها ثلاثة من قضاة التحقيق وهم من أحالوها للمحاكمة، وفي صباح الخميس دعيت إلي لقاء السيد رئيس الجمهورية لبحث الموقف، وقبل الالتقاء به، أخطرت ببعض التقارير الأمنية التي تشير إلي تحرك بعض المظاهرات في عموم البلاد تطالب بمساءلة النائب العام وأنها تحتشد لإحداث شغب في يوم الجمعة التالي". وتابع:"واتصلت بالنائب العام وعرضت عليه الأمر وأخبرته بتفاصيل ما دار، وأني أفضل له بدلا من الاستقالة التي صرح مرارا برغبته فيها أن يعود إلي منصة القضاء فهي الأكرم والأرفع حتي يعين بمنصب يليق بمقامه - رافضاً أن يعين رئيسا للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بدرجة وزير- فقال لي إنه يفضل أن يعتزل العمل مشككا فيمن يحركون هذه المظاهرات، فراودتني الشكوك في مدي رغبته في الاستقالة، ولجأت إلي المستشار حسام الغرياني للوقوف علي رغبة المستشار عبد المجيد محمود الحقيقية، فاتصل به، ثم قال إنه عرض عليه - بدلا من اعتزاله العمل كما صرح- منصب سفير مصر في الفاتيكان، فطلب منه أن يكون سفيراً في بلد عربي، فأجابه المستشار حسام الغرياني أن هذا قد يتحقق في حركة تالية، وإثر ذلك اتصلت أنا بالمستشار عبد المجيد محمود فكرر لي تفضيله أن يكون البلد عربيا لعدم إجادته اللغات الأجنبية، وقبوله المنصب علي ألا تتم مهاجمته أو تحميله المسئولية في الخطبة القادمة، وفهمت أنه يعني الرئيس". واستطرد مكي: "وبناء علي ذلك أبلغت السيد الرئيس بموافقة النائب العام علي شغل منصب سفير مصر لدي الفاتيكان مؤقتاً، وعرضت إلي أحكام القضاء في شأن قضايا الثوار وأحطته أنه لا صلة للنائب العام بتحقيق هذه الواقعة، وحسب ما توافر لي من معلومات عن قضايا شهداء الثورة ومصابيها، وما صاحبها من هرج وما وقع من تقصير في جمع الأدلة بسبب انهيار جهاز الشرطة فإنه يصعب أن تصدر أحكام تدين قتلة الثوار، وأي قاض لا يحكم بغير دليل تحمله الأوراق، فطلب الرئيس من الحكومة ومني أن نبحث عن سبيل - يتفق والقانون- لحفظ دماء الثوار من أن تهدر ومحاسبة من قتلوا أو حرضوا أو قصروا في صيانة هذه الدماء. وعليه صدر بيان الرئاسة متضمناً هذين الأمرين". وأضاف:" ثم فوجئت في ساعة متأخرة من اليوم ذاته بالبيانات المنسوبة لسيادة النائب العام - التي تنفي في مضمونها قبوله المنصب وتعتبر مداولاتنا الودية معه بمثابة ضغط عليه- فقمت بالاتصال به يوم الجمعة قبل الصلاة معاتباً، فبرر لي هذا الموقف بأنه رداً علي تصريحات بعض المنتمين إلي حزب الحرية والعدالة من أنه تمت إقالته وإقصاؤه عن منصبه، فعرضت عليه أن أصدر بياناً أعلن فيه حقيقة ما دار، وأن تعيينه سفيراً كان تكريماً له وبناء علي رغبته المتكررة في الاستقالة، ووعدته أن أتصل به عقب صلاة الجمعة وبالفعل اتصلت به فطلب مني إمهاله حتي يستشير من يثق بهم، وتعليقا علي القرار أكد عمر الحضري عضو المكتب التنفيذي لاتحاد شباب الثورة: أن إقالة النائب العام كانت أحد أهم مطالب الثورة منذ البدية فلم يكن وليد الصدفة أو نتيجة عقب صدور حكم بالبراءة لقتله الثوار بل ومنذ قبل قتل الثوار بموقعة الجمل وغيرها فعندما أصدر الرئيس مرسي قرارا بإقالته كان هناك شبه إجماع بالترحيب بالقرار من جانب القوي الثورية الشبابية فيما عدا القضاة وعلي رأسهم المستشار أحمد الزند وبعض المنتفعين من النظام السابق كرجال أعمال أو أحزاب قديمة أو غيره بغض النظر عن طريقة إقالته فنحن نقول إن الرئيس ليس له سلطة مباشرة لإقالة النائب العام لكن ذلك نعتبره شرعية ثورية لأنه مطلب ثوري وشرعية الشعب فوق السلطات الثلاث لذلك نؤيد هذا القرار ونحن مستمرون في المشاركة في الاعتصامات إن حدثت من أجل إقالته. من جانبه يؤكد اللواء الدكتور يوسف أحمد وصال أستاذ الاستراتيجية القومية وإدارة الأزمات: أن ماحدث في أزمة النائب العام سينعكس علي وضع منصب النائب العام في الدستور بحيث يجب أن يحدد فترة توليه المنصب وإنهاء فترة خدمته وألا يكون مستمرا في منصبه إلي مالا نهاية لأن القضاء يحيل للمعاش في سن 70 عاما فليس من المعقول أن يعين نائب عام وسنه مثلا بلغ الستين ويظل في منصبه لمدة عشر سنوات مهما حصل.. لذا فأنا غير راض عن القرار الذي أحدث هذا الشكل من التخبط والمصادمات، وأقاويل تتكرر بأكثر من شكل لكن هذه المشكلة تدور داخل العائلة القضائية وبين مؤسسة الرئاسة وانتهت بإلغاء قرار تعيينه سفيرا والإبقاء عليه مستمرا في منصبه، وهذه أوضاع قانونية لكني لست مع هروب الجاني من جريمته فالذين قتلوا الثوار في ميدان التحرير ظلما وعدوانا واعتداء يجب أن يعاقبوا وأن تبحث جميع أجهزة الدولة عن المجرمين وتقدمهم للعدالة. ويضيف د. وصال: لا أدين أحدا فالنائب العام تصرف في حدود ما قدمت إليه من أدلة فلن ينزل النائب العام أو وكيل النيابة للبحث عن التحريات فهناك أجهزة أمن كانت مسئولة عن ذلك في ذلك الوقت وكان ولاؤها كله لحكومة ما قبل الثورة وعلي أجهزة الدولة أن تعيد حساباتها وأن تقدم أدلة جديدة.. فلا يجوز عزل النائب العام ولا يجوز تعيينه في منصب آخر إلا بموافقته أو تقديم استقالته وهكذا فهي إجراءات قانونية وليست إدانة، فحتي أدينه لابد أن أحكم علي عمله وهذا لايصح أن ينتقد عمله أي شخص إلا إذا كان من داخل الهيئة القضائية. ويقول الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: ربط هذه الأزمة بأنها كانت حسنة النية وأنه حدث سوء فهم دليل علي حداثة العهد في العمل السياسي وتضارب المعلومات أحيانا من جانب النائب العام ومستشاري الرئيس كان له دور في هذه الأزمة لكن من خلال المؤتمرات الصحفية كانت هناك أمور لم نكن نعلمها وقد علمناها الآن فالتصريح بطلب النائب العام أن يستقيل منذ ثلاثة أو أربعة شهور فالواضح أنه إما أن المنصب الذي عرض عليه لم ينل رضاه أو حاول القضاة الضغط عليه للرجوع في اتفاقه من خلال نادي القضاة المتمثل في المستشار الزند حتي لايقال إن الزند يتدخل في شئون سلطة قضائية، كما أن استخدام عنصر الوقت كان حرجا جدا عقب حكم موقعة الجمل فظهرت للرأي العام أنها إقالة فكل تلك الملابسات أشعرته بالمهانة فأنا أربط حقيقة الموقف بهذه النقاط الثلاث. ويقول عصام الشريف المنسق العام لجبهة التغيير السلمي إنه لابد من أن يكون تولي منصب النائب العام بالانتخاب ولابد أن يكون هناك تقنين لمدة توليه المنصب ونصوص تضمن استقلالية السلطة القضائية فلايخول لرئيس الجمهورية ان يكون بيده تعيين أو عزل النائب العام ولابد من وجود إجراءات وآليات داخل السلطة القضائية تحكم العلاقة بين هيئاتها القضائية دون تغول السلطة التنفيذية في شئونها.