ينذر الوضع الإنساني المتردي نتيجة تمكن المجاعة التي تنشب مخالبها بدول القرن الأفريقي بعواقب وخيمة لايمكن تداركها أو علاج آثارها حيث يأخذ المشهد بعدا كارثيا نتيجة تعرض أكثر من 21 مليون طفل من أبناء شعوب تلك الدول لخطر الموت المحقق بسبب الجفاف الشديد الذي يضرب شرق أفريقيا بالكامل، وتحديدا دول الصومال وأثيوبيا وكينيا، بل إن الانعكاسات السلبية للمجاعة لم تنج منها بعض دول الجوار الأخري، ولقد أقرت الأممالمتحدة بشكل رسمي عن عشرات الآلاف من الصوماليين الذين قضوا نحبهم نتيجة المجاعة.. وأن هناك حوالي مليوني شخص بحاجة للعون الغذائي السريع. وقد فاقم من حدة الكارثة النقص الشديد للمساعدات الدولية، إلي جانب الوضع الأمني المتردي الذي تعاني منه الصومال وخاصة العاصمة مقديشيو التي مزقتها الحرب الأهلية، وأيضا منع حركة الشباب المجاهدين المسلحة الجمعيات الخيرية من الدخول إلي المناطق المنكوبة للقيام بدورها الإنساني، وإيصال المساعدات إليها، بالإضافة إلي بعد آخر يتمثل في غلاء الأسعار مما يصعب معه شراء المنتجات الأساسية لمتطلبات المعيشة في المناطق الأشد فقرا، الأمر الذي دفع بالصوماليين إلي الفرار والتدفق علي دولة كينيا المجاورة التي وصلها نحو 004 ألف لاجيء صومالي حيث أقامت لهم معسكر داداب.. الذي ضاق عن احتوائهم، وهو ما أثار مخاوف كينيا من وطأة الأزمة عليها، وجعلها توقف توسعة المخيم. وخاصة في ظل موجة الجفاف التي طالتها هي الأخري وإزاء تلك الكارثة الإنسانية فقد تحرك العديد من الجهات الدولية والإقليمية لتقديم يد العون والمساعدة للتخفيف من وقع المجاعة علي شعوب تلك المنطقة وخاصة أطفالها فتضافرت جهود المكتب الأممي لتنسيق العمليات الإنسانية بالإضافة إلي (برنامج الغذاء العالمي واليونيسيف ومنظمة أطباء بلا حدود وكذا المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة) وقد تنوعت الخدمات وجهود الإغاثة المقدمة من تلك الجهات مابين تمويل مالي وإقامة معسكرات للإيواء وكذا العلاج والرعاية الصحية كما دعت القمة الأفريقية المنعقدة مؤخرا في أديس أبابا إلي تبني أنظمة زراعية تتيح مقاومة حالات الجفاف التي تظهر بدول القرن الأفريقي، وكذلك تفعيل اتفاقية الاتحاد الأفريقي لحماية ومساعدة النازحين في أفريقيا. وفي سياق متصل فلا يمكن إغفال دور مصر الرائد تجاه أشقائها الأفارقة وقت المحن وهو أمر ليس بغريب عليها فقد سارعت من فورها إلي إرسال القوافل الطبية التي ضمت أمهر الأطباء في كافة التخصصات فقاموا بإجراء آلاف العمليات الجراحية لأبناء المناطق المنكوبة بتلك الدول، وتولت علاجهم من الأمراض المتفشية بينهم . كا أرسلت مصر وفدا فنيا توجه إلي مدينة بربرة الصومالية المطلة علي مدخل البحر الأحمر لتطوير وتنمية المدينة والمساعدة في بناء الميناء الدولي بها وأيضا في إطار دعم الحكومة المصرية لدولة كينيا، فقد قامت بتقديم مساعدات غذائية عاجلة لمواجهة حالة الجفاف التي اجتاحت كينيا مؤخرا. كما لايخفي دور مصر الثقافي الرائد في أفريقيا، فهي قبلة العلم والتعليم بالنسبة للقارة السمراء، وصروحها العلمية والثقافية تستقبل الآلاف من أبنائها كل عام وأيضا فإنها تمد هذه الدول بالخبرات الفنية في جميع المجالات التي من شأنها دفع قاطرة التنمية بتلك الدول. إن الأوضاع تزداد سوءا بدول القرن الأفريقي في ظل مجاعة هي الأقسي منذ عشرين عاما سيكون أول ضحاياها الأطفال، وتنذر بفقدان جيل كامل منهم، الأمر الذي يدعو بحق إلي تضافر جهود المنظمات الدولية والإقليمية لتبني استراتيجية جديدة لمكافحة المجاعة بدول القرن الأفريقي وتقديم المساعدات الغذائية والطبية بصورة مستدامة للمناطق الأشد تضررا وأن تصل تلك المساعدات إلي من هم في حاجة إليها فعلا.