مايحدث يثير خوفا من مجهول آثر أن يطرق الحديد وهو ساخن.. فامتدت أصابعه تعبث بسرعة وتعمد في مشهد مرتبك لتزيده إرباكا وغموضا وتأزما. فانشقت الأرض فجأة لتخرج لنا ما أطلقوا علي أنفسهم »هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر« لتنطلق معها مشاعر الخوف علي بلد لم يعرف سوي وسطية الإسلام وسماحته ليصبح مهدداً الآن للتحول إلي ساحة للعنف والجهل والظلام يجره إليها بعض المتسربلين باسم الدين والدين منهم براء. هم بالطبع ليسوا متدينين.. لكنهم »لابسين سني« كما وصفهم بتلقائية والد شهيد السويس.. كلماته تفتح أمامنا باب الشك حول حقيقة هذه الهيئة خاصة بعدما أنكر السلفيون صلتهم بهما وتبرأوا من جريمتهم التي قضت علي حياة شاب في مقتبل عمره كل جريمته أنه تجرأ وسار مع خطيبته في الشارع.. لم يكن تبرؤ السلفيين من الجريمة فقط هو مادفع إلي إثارة الظنون حول الأيادي المحركة لهذه الجريمة التي ارتكبت في السويس أو في غيرها من المدن.. إنما جاء توقيت وتتابع هذه الحوادث لتشير بأصابع الاتهام بقوة أيضا إلي أجهزة أمنية وفلول النظام السابق التي لاتكف عن إثارة الفوضي وبث الفزع وإطلاق الفزاعات للتخويف من الإسلاميين خاصة بعدما فاز قيادي إخواني برئاسة البلاد.. منطق هؤلاء يبدو مقنعا خاصة أن اللعب علي نفس وتر التخويف سبق أن عشناه بقوة في الشهور الأولي التي تلت تنحي مبارك.. ومازلنا نتذكر واقعة قطع الأذن التي صورت بأنها محاولة لإقامة الحد وتجاهلنا أن قطع الأذن لم يكن يوما من بين الحدود الشرعية التي أقرها الله.. لكن وبغض النظر عن وجاهة هذا المنطق إلا أن تكرار هذه الجرائم التي يرتكبها هؤلاء المجهولون حتي الآن تجعل من الخطورة بمكان تجاهلها أو المرور عليها مرور الكرام أو وضع الرءوس في الرمال بدلا من التصدي لها ومواجهتها. كما يجب ألا تشغلنا وجاهة المنطق أيضا إلي فرض احتمال حتي وإن كان ضعيفا أن يكون وراء هذه الجرائم مجموعة من المتشددين الذين ظنوا أن المناخ مهيأ الآن لنشر أفكارهم المسمومة والإرهابية التي لاتمت للدين بصلة.. خاصة أن هناك من المشاهد المؤسفة التي مهدت لظهور مثل هذه الأفكار الظلامية.. ليس أولها ما أشيع عن قوافل الختان ولا عن خفض سن زواج الفتيات.. ولا انتهاء بتحريم الوقوف تعظيما للسلام الوطني.. لذلك فسواء أكان مرتكب هذه الجرائم يتسربل برداء الدين أو يتخفي وراء أجهزة أمنية فالأمر يحتاج لوقفة جادة ومعالجة حاسمة وصريحة حتي لايتحول الأمر إلي ظاهرة يخشي عواقبها ويصعب مواجهتها إذا ما استفحلت للحد الذي يصعب إجهاضها بسهولة. يجب ألا نغفل صعوبة الظرف الذي تمر به البلاد الآن.. والذي يجعل منها ساحة خصبة لكل الأيادي السوداء التي تعبث سواء المتشددة دينيا أو المتأخرة أمنيا.. أولي الخطوات لتحقيق ذلك تكثيف الوعي الديني الذي نحن في أمس الحاجة إليه قبل أي وقت مضي حتي نغلق الباب أمام أي هيئة أو جماعة تنصب من نفسها رقيبا وحسيبا وتعطي لنفسها الحق في التفتيش في النوايا واقتحام الخصوصية والحد من الحرية ومعاقبة من تراه خارجا.. من وجهة نظرها.. علي حدود الشرع. المسئولية تقع هنا علي رجال الدين وخطباء المساجد لشرح وتوضيح المقصود بقول الله تعالي »وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ«. فمهمة هذه الجماعة هي نشر المبادئ الاسلامية الصحيحة لا التمسك بقشور الدين.. فليس من أوليات اهتمامها التوقف عند الشكل والمظهر والملبس وإنما هدفها جوهر الانسان والارتقاء بسلوكه وإرشاده إلي طريق الالتزام والهداية والبعد عن العصيان والكذب والخيانة والظلم والخداع والغش والاعتداء علي الغير.. هذا هو جوهر عمل جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولأن المهمة صعبة لذلك تقتضي توافر شروط معينة فيمن يتولاها شرحها بالتفصيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصادر عن سلسلة المعارف الإسلامية أهمها القدرة علي التأثير والاطلاع الكامل علي اختلافات الناس العقلية والنفسية والتثقيفية. أيضا يجب أن يتحلي من يقوم بهذا الدور بالصبر والحكمة وبالقدرة علي الخطاب وبالعلم والمعرفة فضلا عن الزهد والصدق والورع والرفق بالإنسان. »يدرك أن الناس ليسوا سواسية في خصالهم وطباعهم وتدينهم ولا في درجة استجابتهم فهناك من يتقبل النصيحة بسهولة وهناك من يرفض الاستماع ولا يستجيب للموعظة المراد بها تطهير قلبه وتحسين أخلاقه«. مهمة الآمرين بالمعروف إذن ليست الضرب من حديد علي يد كل من تعتبره مخالفا لشرع الله.. وإنما فقط مهمتها »إيقاظ العقول الغافلة وتحريك الإرادة ليكون الولاء لله وللرسول« المهمة ليست الردع بالعنف أو فرض الرأي بالقوة وإنما بالبر والتقوي والموعظة الحسنة بالرفق واللين وليس بالعنف والشدة.. »بالبشاشة في الوجه وطلاقة اللسان ولين الكلام كما قال الرسول الكريم »يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من كان رفيقاً فيما يأمر، ورفيقاً بما ينهي عنه«. هذا يتناقض بالطبع مع بشاعة الجرائم التي ارتكبت باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ربما هذا مايدفع لترجيح وجهة النظر التي تميل إلي تواطؤ بعض الأجهزة الأمنية وفلول النظام السابق في إثارة مثل هذه الجرائم.. وهو مايتطلب أيضا وقفة ومحاسبة جادة وسرعة القبض علي هؤلاء وتوضيح الحقيقة كاملة في أسرع وقت. الضرب بقوة علي من يثير الفوضي والفزع ويستبيح أمن وحرمة المواطنين، يجب أن يكون هدفا يضعه المسئولون نصب أعينهم.. يجب أن نوقف بسرعة هذه الجرائم ونضرب علي يد من يحركها سواء أكان متخفيا وراء الدين أو متسترا وراء قناع أمني.