شوارع مصر لم تكن أبداً ملكاً لمرتاديها، لم يكن من حق أي شخص التعبير عن رأيه من خلالها، لم يكن من حق الناس أن يلتقوا ويتجمعوا فيها مهما كانت الظروف والأسباب. الآن بعد ثورة يناير اختلف الوضع وأصبحت الشوارع أخيراً ملكاً لنا، أصبح من حقنا أن نطلق عليها "شوارعنا". وهو الاسم الذي اختاره مجموعة من الشباب كاسم لمشروع فني جميل، هدفه عرض كافة ألوان الفنون المعاصرة في الشارع ولكل الناس. في الأماكن العامة والمتنزهات، في الشوارع والميادين والساحات، في تلك الأماكن التي يتجمع فيها عدد كبير من المارة والناس، يقدم المشاركون في شوارعنا عروضا مسرحية، وأفلاماً سينمائية وعروضا راقصة، وفقرات بانتومايم وبلياتشو، وفنوناً أخري قد تكون بعيدة عن الحياة اليومية للمواطن المصري العادي. وتقول ميادة إحدي مؤسسات المشروع وهي من أصل سوري ومتخصصة في علم الاجتماع "هناك العديد من المراكز الثقافية والفنية والمسارح التي تقدم الفنون المتنوعة، لكن المشكلة أنها تقدمها لفئة معينة من الجمهور المهتم بالفنون بشكل عام. لكن نحن أردنا أن يكون الفن متاحا في الشوارع وأن يستمتع به عدد أكبر من الناس. وأيضاً أن نعطي الفرصة لشباب موهوب أن يجد الفرصة ليقدم للناس فنه وموهبته". وأضافت ميادة "مانقدمه ليس "فن شارع" لأن هناك خلطا عند الناس بين فن الشارع والفن الذي يقدم في الشارع. فنحن نقدم عروضا يتم عرضها في الأصل في مسارح مغلقة لكننا نخرجها من هذا الإطار لنعرضها أمام الجمهور العريض". ونظراً لأن شوارعنا تهدف إلي تقديم أنواع مختلفة من الفنون، فضل القائمون عليها تقسيمها إلي 4 مشاريع فرعية، كل منها يتضمن نوعا مختلفا من الفنون، يتم تقديمه في عدد محدد من الشوارع والساحات. أول فرع لشوارعنا اسمه "ترانزيت"، وهو بدأ بالفعل منذ فترة ومستمر حتي 7 مارس المقبل، ويتضمن عروضا في محطات وعربات المترو ويقدمه فنان البنتومايم عبدالعزيز، وعرضا للبلياتشو اسمه "قوطة حمرة" يقدمه الفنانان هاني علي صبحي وأحمد مصطفي، بخلاف مسرحية قصيرة لدينا السيد ومها منيب، ومشروعا اسمه "بصي" عبارة عن عرض مسرحي واقعي لمشكلات واقعية تتعرض لها كل سيدة في مصر، ويتم عرضها في عربة السيدات بالمترو. ويقول عبدالعزيز فنان البنتومايم "كنت خائفا في البداية من رد فعل الناس، لكن فوجئت أن الناس تفاعلت معي بشكل جيد. كنت أقلد مرتادي المترو في حركاتهم وتعبيراتهم، وأحياناً أذهب لأبعد من ذلك، فآخذ السماعات من شخص يستمع إلي الموسيقي وأقوم بالرقص علي الألحان والإيقاعات. الشباب والأطفال رد فعلهم كان أكثر من رائع، التعليقات السلبية عادة ماتأتي من الأجيال الكبيرة في السن. واحد منهم قال لي: ليه عامل في نفسك كده، شايفين الجيل الجديد وصل لإيه.. لكن أنا أقدر دهشتهم من رؤيتي علي كل حال". المشروع الثاني اسمه سينما سكاي وهو يتضمن عروضا لأفلام قصيرة وفيديوهات فنية مصرية يتم عرضها في شوارع القاهرة. بهدف دعم السينمائيين الشباب من خلال تقديم أعمالهم لجمهور عريض وجديد من ناحية، ومن ناحية أخري عرض الأفلام الفنية في إطار مختلف في الأماكن العامة. وسيتم تقديم هذه الأفلام بداية من 11 مارس في أحياء المنيرة والدقي ووسط البلد. أما المشروع الثالث الذي يحمل اسم "قف وارقص" فهو يتضمن ورشا لتعليم المهتمين بفنون الرقص المختلفة يقوم بالتدريب عليها مجموعة من الراقصين المحترفين من مصر والعالم منهم كريمة منصور وباولينا ألميدا من البرتغال وبريجيت بودنجبوار من ألمانيا، ثم تقدم هذه العروض بأسلوب "الظهور الخاطف" حيث سيفاجئ المشاركون المارة في المترو وفي الشوارع، وتكون لعدد من الرقصات الفلكلورية والعالمية منها البريك دانس والكابويرا والباركور. وأخيراً مشروع الأشجار وهو مشروع فني تفاعلي يقام في حي الدقي حيث تقوم كل من الفنانة المصرية يارا مكاوي والفنانة الدنماركية نانا جولدهامر بالتعاون مع طلاب الفنون المصريين لتقديم ورشة عمل للشباب في حي الدقي ليقوم الأهالي والفنانون جنباً إلي جنب بعمل التصميمات الفنية لأشجار الحي. وتتكون المواد المستخدمة في التصميمات الفنية من الخامات الطبيعية والطلاء غير الضار للبيئة بالإضافة إلي خامات مختلفة من الأقمشة، كما سيتم إستخدام وسائط متعددة منها الصوت والضوء. وسيختتم المشروع بمهرجان الأشجار الذي سيقام علي مدار يوم واحد يستمتع فيه سكان الحي بأكمله والمارين بالتصميمات المتميزة للأشجار. وتقول ميادة "نريد أن نتوسع في المشروع بعد ذلك ليتم تنفيذه في محافظات أخري بجانب العاصمة، لكننا أردنا أن ندرس رد فعل الناس في القاهرة أولاً قبل أن ننتقل للمدن والقري الأخري، كما أننا نسعي للتوسع أكثر والتواصل مع جمعيات فنية في العالم العربي أيضاً".