مهندس عمرو رؤوف هو واحد من أفضل مائة مهندس معماري علي مستوي العالم في القرن العشرين، كما أن أعماله النظرية والمكتوبة والمرسومة والمشيدة علي الأرض تكشف عن عبقرية هذا الإنسان وطموحه العصري حيث إنه صاحب مدرسة تؤسس للعمارة التي تعتمد علي الخامات البيئية والمواد الطبيعية في بساطتها وجمالها وسحرها. والمدهش حقا أنه أول من حصل علي جائزة نوبل التكميلية (RLA) من السويد نظرا لانحيازه إلي البسطاء في العالم الذين يتهددهم الموت المبكر من جراء سوء السكن، فكان يعتبر أن هؤلاء هم زبائنه ومن أجلهم أسس لنظرية عمارة الفقراء.. ولكن العجيب أن الأغنياء هم الذين تبنوا فلسفته، فظهرت في الفيلات والشاليهات والاستراحات والاسطبلات والمزارع والقري السياحية وحرمت منها معظم النجوع والكفور والصحاري المصرية، فقد حرص المسئولون والمستفيدون من عمارة الخرسانة المسلحة علي محاربة أفكاره ومنع انتشارها خوفا من عمارته البسيطة والجميلة وغير المكلفة والتي تعكس هوية الشعب وجذوره وتنبض بروح الوطن، فنظر إلي العمارة علي أنها حياة وحضارة قبل أن تكون جدرانا وأسقفا. واليوم بعد مرور عام علي ثورة 52 يناير لابد من إعادة اكتشاف حسن فتحي.. فما أحوجنا إلي أفكاره العبقرية وفلسفته العظيمة خاصة أن وزارة الإسكان تتبني مشروعا قوميا لبناء مليون وحدة سكنية علي مدي 5 سنوات، يعلم الله وحده إمكانية تحقيق ذلك. وخلال شهري يناير الماضي ونوفمبر المنصرم كان هناك حدثان يؤكدان معا أن عمارة حسن فتحي لاتزال تلقي اهتماما عالميا لايواكبه إرادة سياسية تتبني أفكاره وفلسفته المعمارية وهما الاحتفالية الفرنسية المصرية في مركز الجزيرة للفنون تحت عنوان (حسن فتحي طموح مصري) والتي تم من خلالها تقديم عرض بأهم المشروعات التي نفذها سواء هو أو نخبة من تلاميذه. والندوة التي عقدت في مركز بحوث الإسكان والبناء بالدقي بالتعاون مع معهد أورفيل للتربة المثبتة في الهند التابع لليونسكو والذي أقامه معماري فرنسي من تلامذة حسن فتحي وقد جاء لبناء مبني لمعهده داخل المركز وهو منخفض التكاليف وصديق للبيئة ويوفر في استعمال الطاقة والمياه باستخدام التربة المثبتة وهو الأسلوب السائد في العديد من بلاد العالم. حيث إن المركز يتبني في الوقت الحالي هذا الفكر الذي تعود جذوره إلي شيخ البنائين المصريين، صاحب مدرسة البناء بخامات البيئة الموجودة في الطبيعة. ففي عام 1491 قام بتصميم مبني الجمعية الزراعية الملكية في بهتيم (قليوبية) وهو أول مشروع يستخدم الطين في بنائه وبسببه اتجه لاكتشاف تقنيات البناء النوبية من إنشاء القبة والقبو. وفي عام 8491 أقام قرية القرنة أشهر أعماله التي روي قصة بنائها في كتابه عمارة الفقراء مما شد الانتباه العالمي إليه. أما فيلا عزيزة هانم حسين فهي أول مشروع له يستخدم الحجر في بنائه عام 9491، وفي قرية باريس عام 7691 استطاع الوصول إلي خفض هائل لدرجة الحرارة يصل إلي 51 درجة مئوية، باستخدام أساليب التهوية الطبيعية لمبني السوق والذي تم بناؤه من الطوب الرملي. ومن أجل إعادة اكتشاف هذا المعماري العبقري كان لنا هذا الحوار المهم مع عمرو رؤوف المهندس المعماري الذي صمم موقعا لحسن فتحي علي الإنترنت (www.hassan fathy.webs.com) بعد أن قام بترجمة كتاب (عمارة الناس الأعمال الكاملة لحسن فتحي) من تأليف جيمس استيل ونشره بالمجان علي الموقع: An architectne For the PeaPle - tha comPlete works of hassn Fathy) ولهذه الترجمة قصة شيقة يرويها لنا المهندس رؤوف قائلا: شاهدت هذا الكتاب عام 2000 بعد معرفتي من مجلة تخطيط مدن فرنسية اختارت حسن فتحي كواحد من أفضل مائة مهندس معماري علي مستوي العالم في القرن العشرين، مما أعطاني انطباعا أن حسن فتحي قيمته أكبر من أنه مشهور عالميا فقط، بعد الانطباع السيئ الذي وصلني من عميد الكلية في السنة النهائية من دراستي، فقد قام بتوبيخ أحد الطلاب، عندما سأله لماذا لا يتضمن كتابه الذي يدرسه لنا عمارة حسن فتحي، وبصراحة كنت أول مرة أسمع عنه. فنزلت أبحث في المكتبات المصرية عن كتب تتحدث عنه، فوجدت هذا الكتاب القيم واشتريته ومن فرط إعجابي بما تضمنه الكتاب عن أعمال حسن فتحي في بلاد العالم، قمت بترجمته بعد ذلك وقد واجهتني صعوبات عديدة في نشره رقميا، فوضعته علي الموقع مجانا لأي مهتم يرغب في قراءته. ❊❊ وماذا عن تصميمك موقعا لحسن فتحي علي شبكة المعلومات الإلكترونية؟ بصفتي دارسا للكمبيوتر كان من السهل علي عمل موقع له، فقمت بذلك عام 2004 ودفعني إلي ذلك أن منشئ موقع جوجل قال إن المعلومة التي لا تجدها في الإنترنت، كأنها غير موجودة في الحياة الحقيقية، وهذا الكلام به قدر كبير من الصحة في ظل عصر الاتصالات. فقلت إنه من العار علينا أن حسن فتحي مات قبل اختراع الإنترنت وألا يكون له موقع خاص به، فهناك من يتصل بي من الهند والبرازيل وفيتنام وغيرهم ويسألون عن أفكاره وفلسفته وبالطبع الأجانب يدخلون علي الموقع أكثر من المصريين! ❊❊ وما هو أهم ما اكتشفته عنه؟ في كتابه عمارة الفقراء اقترح عام 1970 مشروعا قوميا لإعادة بناء الريف المصري بواقع مائة قرية سنويا ويستمر ذلك لمدة 40 سنة (للعلم قرية القرنة مساحتها 50 فدانا سكنا وتسع حوالي 7 آلاف نسمة). ولو كنا طبقنا هذه الفكرة بداية من السبعينات حتي عام 2010 كان زماننا قمنا ببناء الريف بالكامل وليس الأراضي الزراعية. والمشروع لايزال صالحا للتطبيق خاصة مع انتشار البطالة عندنا والتي يمكن حل مشكلتها لأنه مشروع كثيف العمالة ومثل هذه الفكرة تم تنفيذها في الولاياتالمتحدةالأمريكية أثناء الأزمة الاقتصادية والكساد الكبير في عام 1935، حيث قاموا بإنشاء شبكة طرق هائلة تربط كل الولايات ببعضها البعض وذلك لحل مشكلة البطالة في تلك الأزمة. ❊❊ وإذا كانت العشوائيات تمثل المشكلة رقم واحد في مصر.. فما هو الحل من خلال فلسفة عمارته؟ تبني أفكاره هو الحل الوحيد لأزمة العشوائيات لتوفير بيت آدمي وصحي وذي مساحة ملائمة لعدد أفراد الأسرة المصرية. فاليوم.. إذا كنت أستطيع إقامة بيت بالخرسانة ب 50 ألف جنيه، معني ذلك أن مساحته ستكون 50م2 للأسرة بالكامل، لكن لو شيدت بيتا بأسلوبه من خلال استخدام المواد الطبيعية مثل الأحجار أو الطوب الرملي أو الطفلة أو غيرها، فمن الممكن أن يكون لي بيت مساحته 150م2 بالخمسين ألف جنيه (أي نفس المبلغ) وهذه مساحة كافية آخذا في الاعتبار أن عدد أفراد الأسرة في المتوسط 5 أشخاص، وليس من الجائز أن يعيشوا في 05م2 لكن من الممكن أن يرتاحوا في بيت مساحته 150م2. ويبقي الموضوع برمته إرادة سياسية حقيقية لحل مشكلة العشوائيات لأن البناء بالمواد الطبيعية تقف ضده شركات الحديد والأسمنت. ❊❊ هل هناك تجارب حديثة لإنشاء منازل منخفضة التكاليف بأسلوبه المعماري؟ في عام 5991 نجحت الدكتورة زينب الديب في بناء منزل بمساحة 051م2 بمدينة القنطرة شرق بتكلفة 58 ألف جنيه فقط (ضمن المشروع الذي أجهض في عهد مبارك للنهوض بمحصول القمح الاستراتيجي). كما قام المهندس عمرو رؤوف عام 1002 بتصميم منزل في شمال سيناء لمهندس ميكانيكي شاب علي مساحة 051م2 إضافة إلي فناءين أحدهما خارجي والآخر داخلي.. وتم بناؤه بمعرفة هذا الشاب بتكلفة 02 ألف جنيه بدون تشطيبات (أساسات وحوائط وسقف)، أما التشطيبات فقدرها ب 30 ألف جنيه أخري. وهناك تجربة أخري في المنوفية كانت ستقوم علي فكر حسن فتحي .. ففي 12 نوفمبر 2003 (أي منذ حوالي 9 سنوات) قال المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية السابق في جريدة الأهرام في ندوة عقدت هناك إنه أثناء عمله كمحافظ للمنوفية طرح فكرة إعادة تطوير مباني القرية علي أساس أن يقوم بذلك المواطن بنفسه من خلال إتاحة الفرصة أمامه للبناء في فناء منزله أو إعادة تجديد بيته إذا كان متهالكا علي أن يقوم بتصميمه بما يتناسب واحتياجاته علي أن توفر له الحكومة قرضا يسدده علي مدي ثلاثين عاما. مضيفا أنه إذا افترضنا أن المواطن يحتاج قرضا بثلاثين ألف جنيه ليبني بيتا من ثلاثة أدوار إلي جانب حظيرة، فإنه يمكن أن يدفع قسطا بسيطا قدره ألف جنيه في السنة ويمكن أن يحصل علي هذا القرض من عدة بنوك وبذلك يتم إعادة تخطيط وتطوير القرية بشوارعها ومرافقها.. مع مراعاة البناء بمواد البيئة المحلية. وقد تم بالفعل تخصيص عشرة ملايين جنيه للبدء في تطوير قريتين بالمنوفية ولكنه توقف بعد نقلي محافظا للقليوبية وأشار إلي أنه يوجد ملف كامل للمشروع لدي وزارة الزراعة وغيرها. وهذه أكبر تجربة نفذت في الدول العربية لأن حكومة حماس أجبرت عليها بسبب حصار غزة ومنع توريدالحديد والأسمنت إليها.. فقد قامت منظمة الأممالمتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) في عام 2010 باستخدام أسلوب حسن فتحي في بناء المنازل الجديدة (مساحة الواحد منها 150م2) وبتكلفة 10 آلاف دولار أو 60 ألف جنيه مصري. ونحن وضعنا مثل غزة لأن لدينا عشوائيات ونحن أولي بهذه التجربة ولكننا في الحاجة إلي الأنروا لتطبيقها؟ ❊❊ هناك معهد أورفيل في الهند يتبني فكر حسن فتحي في البناء وأن مركز بحوث الإسكان والبناء عندنا سيأخذ الفكرة ويطبقها في قري الظهير الصحراوي في الفيوم.. فما رأيك في الموضوع؟ اقترح حسن فتحي في كتابه عمارة الفقراء إنشاء معهد للبناء بالمواد الطبيعية وذلك لتدريب المهندسين والفنيين والعمال علي تلك التقنيات وبالطبع الفكرة لم تر النور في مصر لكن الأجانب أخذوها من الكتاب وطبقوها في فرنسا في معهد (craterre) ومهندس فرنسي آخر أخذ الفكرة ونفذها في أورفيل بالهند وأنشأ معهده هناك والذي يستعين به حاليا مركز بحوث الإسكان والبناء عندنا.. باختصار الموضوع عقدة الخواجة. ❊❊ ما هي مميزات البناء بأسلوب حسن فتحي؟ البناء بأسلوب القباب وباستعمال المواد الطبيعية دون استخدام الخرسانة المسلحة فكرة مطبقة بنجاح كبير في القري السياحية في شرم الشيخ والغردقة والجونة ودهب، لدرجة أن هناك فنادق خمس نجوم تمت إقامتها بهذه الطريقة مثل الهيلتون والشيراتون نزولا إلي فنادق صغيرة (نصف نجمة). كما أن تشييد المباني بهذا الأسلوب يساعد في التهوية الطبيعية.. فقد نجح حسن فتحي في تخفيض درجات الحرارة بمقدار 15 درجة مئوية داخل المبني عن خارجه، وقد ثبت ذلك في سوق قرية باريس الذي أقيم قبل عام 1967 وبعد الهزيمة توقف العمل في بناء باقي القرية بسبب عدم توفر الاعتمادات المالية كما يشاع، لكن القصة كما وردت علي لسان حسن فتحي أنه بني سوقا ضخما جدا بتكلفة أقل من فيلا المحافظ (بالوادي الجديد) مما اضطرهم إلي وقف المشروع فورا متعللين بما سبق! ❊❊ ما عدد المشروعات التي قام بتنفيذها هذا المعماري العبقري؟ نفذ تقريبا 160 مشروعا في مصر والخارج منها 3 قري مصرية هي القرنة التي لفتت انظار العالم إليه وقد تم بناء بعض المباني الخدمية بها و130 منزلا من أصل 900 منزل كان من المخطط بناؤها وباريس التي أوقفتها الحكومة بعد بنائه لسوقها الكبير وعزبة لمالك خاص في المنيا ولاتزال تعمل حتي الآن وقرية في دار السلام بأمريكا وعدد كبير من الفيلات والقصور والاستراحات حتي المدافن والمساجد، وكلها أعمال فاخرة جدا. ❊❊ وهذا يجعلنا نطرح سؤالنا الأخير.. ماذا يمثل حسن فتحي لمصر في السنوات القادمة؟ هو الحل الوحيد لأزمة الإسكان فيها خاصة ونحن يبلغ عددنا 85 مليون نسمة تقريبا، نصفهم يعيش في العشوائيات والنصف الآخر في قري هي في حقيقتها عشوائيات، ولو أخذنا اعتبارات الزيادة السكانية.. فمصر يتضاعف عدد سكانها كل 30 سنة، معني ذلك أنه سيصل عددنا إلي 170 مليون نسمة في عام 2040 وإلي 340 مليون نسمة في 2070 وإذا لم نكن نستطيع أن نحل مشكلة الإسكان ونحن 85مليون نسمة.. فهل نحلها ونحن 170 مليون نسمة أو ونحن 340 مليون نسمة؟ وليس هناك حل سوي الخروج من الوادي والبناء بأسلوب حسن فتحي.