الأسبوع الماضي، توجه البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إلي مدينة باري الإيطالية علي رأس وفد كنسي في زيارة استغرقت عدة أيام، شارك خلالها البابا، في الصلاة المسكونية المشتركة التي دعا إليها بابا الفاتيكان من أجل مسيحيي الشرق الأوسط بمشاركة رؤساء الكنائس في الشرق الأوسط، وعقد لقاء مغلق لبحث أوضاع المسيحيين. في مايو 2016، استقبل البابا فرنسيس في الفاتيكان، فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، في لقاء تاريخي، بعد 10 سنوات من العلاقات المتوترة بين المؤسستين الدينيتين، و5 سنوات من انقطاع العلاقات الثنائية، حيث اتفقا معًا علي عقد مؤتمر عالمي للسلام. وفي أبريل من العام الماضي، وفي زيارة تاريخية، حضر البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، إلي مصر تلبية لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وهي الزيارة التي أُجريت تحت شعار "بابا السلام في مصر السلام". زيارة البابا الأخيرة تعد الثانية له إلي إيطاليا، شهدت أيضًا زيارة قام بها إلي كنيسة سان بالو، وكنيسة بولس الرسول، وتفقد الكنائس القبطية في إبرشيتي روما وميلانو، ويُعد لقاء البابا تواضروس مع بابا الفاتيكان هو الثالث لهما منذ وصولهما إلي الكرسي البابوي، إذ التقيا في 2013 بالفاتيكان، والتقيا العام الماضي في القاهرة. مشاهد هذه الزيارات، تُجسد بصورة واضحة حجم مصر ودورها المحوري، في نشر السلام ورعايته، وتُثبت للعالم كله أن مصر مهد السلام، وأن الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، هما العنصران الأساسيان لنشر رسائل المحبة والسلام حول العالم، ونبذ العنف والتطرف، وعدم قبول الآخر. وداخل كنيسة القديس مار بولس الرسول، أكبر كنيسة كاثوليكية بروما الإيطالية، ترأس قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قداس الصلاة بمشاركة كثيفة من الأقباط المصريين في روما. كنيسة القديس بولس خارج الأسوار، أو الكنيسة البابوية للقديس بولس خارج الأسوار، التي ترأس قداسة البابا تواضروس الثاني الصلاة فيها، هي إحدي الكنائس البابوية الأربعة في روما، وتعتبر ثاني أكبر كنيسة هناك بعد كاتدرائية القديس بطرس، وبها رفات القديس بولس الملقب ب"رسول الأمم"، والذي قطعت رأسه في روما خلال اضطهاد نيرون للمسيحيين بين عامي 64 و67. جاءت الصلاة بعد مشاركة قداسة البابا تواضروس الثاني، والأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الكاثوليك بمصر، في يوم الصلاة العالمي، الذي ترأسه البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، ضمن فعاليات الصلاة المسكونية المشتركة لأجل الشرق الأوسط، وذلك بمشاركة كافة رؤساء الكنائس في الشرق الأوسط للصلاة من أجل السلام. مشاهد مُبهجة كانت حاضرة داخل الفاتيكان، الشمامسة الأقباط استعدوا للصلاة القبطية، أعدوا ملابس الخدمة البيضاء، راجعوا ما يحفظون من ألحان، ثم اصطحبوا قداسة البابا تواضروس الثاني، في زفة البطريرك المعتادة حتي مذبح الكنيسة.. ارتدي قداسة البابا تواضروس الثاني، ملابس الخدمة الكهنوتية مُمسكًا بعصا الرعاية حتي رتل أناجيل الصلاة بمشاركة سكرتيره القس أنجيلوس إسحق، فتبادلا الصلوات بالعربية والقبطية، بحضور أحد أساقفة الفاتيكان، والمصريين في روما، وحرص بابا الفاتيكان وقداسة البابا تواضروس علي إطلاق حمام السلام عقب انتهاء لقائهما معاً. وفي عظته التي ألقاها من كنيسة بولس الرسول بالفاتيكان، قال البابا تواضروس الثاني: "أشكركم جميعًا علي حسن استقبالكم الممتلئ بالمحبة، وأشكر السفير هشام بدر، سفير مصر بإيطاليا، والسفير محمود سامي، سفير مصر لدي الكرسي الرسولي بالفاتيكان، وكذا المستشار أحمد الشوربجي"، وأشاد البابا بالعلاقات الطيبة التي تربط مصر والفاتيكان وكذلك إيطاليا، وقال: "إنها ليست علاقات حديثة بل علاقات قديمة، وعلاقات طيبة منذ القدم، وتجمعنا الحضارة والثقافة والعلاقات بيننا وبين إيطاليا، هي علاقات تبادل ثقافي واجتماعي وعلاقات طيبة علي مستوي السياسة أيضًا". البابا تواضروس، وصف الكنيسة ب"الجميلة"، مُشيرًا إلي أن هذا المكان جميل والكنيسة والأشخاص والشمامسة أصواتهم جميلة، وقال: "نحن في مصر نحتفل بعيد الرسل الخميس المقبل 12 يوليو"، مُضيفًا أن السيد المسيح عندما اختار تلاميذه اختار تلاميذه علي 3 دفعات، الأولي كانوا ال12 تلميذًا، والثانية ال70 رسولًا الذين صاموا بعد حلول الروح القدس عليهم استعدادًا للخدمة، ثم الدفعة الثالثة وهو واحد فقط "بولس الرسول" حيث رفع شعارًا كان مأخوذًا من المسيح: "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ"، وتابع: "المحبة تتقدم لكل إنسان بدون تمييز"، وردد قائًلا: "المحبة لا تسقط أبدًا". وأشار تواضروس، إلي أن التلاميذ جمعتهم المحبة، وفي أمثالنا الشعبية بمصر نقول "لاقيني ولا تغديني"، وشرح قائًلا: "لاقيني يعني رحب بي وحبني ولا تطعمني فهذا هو الأهم"، إذًا الشعار اليوم المحبة لكل أحد. وفي حديث نقله راديو الفاتيكان، قال قداسة البابا تواضروس، بعد ترؤسه الصلاة صبيحة اجتماع رؤساء كنائس الشرق الأوسط مع البابا فرنسيس من أجل مسيحيي الشرق، إن الصلاة فيها قوة دافعة ومُغيرة، وإن لقاء الصلاة الذي اجتمع فيه مع أساقفة الشرق الأوسط في باري الإيطالية هو علامة محبة أحدنا للآخر، فلقاء قادة الكنائس لرفع الصلاة بصوت واحد من أجل جميع المتألمين يشكل تشجيعًا كبيرًا لمن فقد الرجاء، وذكر قداسة البابا تواضروس بكلمات المسيح حين قال: "إِذا اتَّفَقَ اثنانِ مِنكم في الأَرضِ علي طَلَبِ أَي حاجةٍ كانت، حَصلا علَيها مِن أَبي الَّذي في السَّمَوات. فحَيثُما اجتَمَعَ اثنانِ أو ثلاثةٌ بِاسمِي، كُنتُ هُناكَ بَينَهم" "متي 18 19-20" وتحدث البابا عن قوة الصلاة مُذكرًا بكلمات بولس الرسول: "افرَحوا دائِمًا، لا تَكُفُّوا عن الصَّلاة، أُشكُروا علي كُلِّ حال فتِلكَ مَشيئَةُ اللهِ لَكم في المسيحِ يسوع" "1 تس 5. 16- 18". وأكد قداسة البابا، أن الإيمان بهذه القوة القادرة علي إخراجنا من أية مشاكل وإنارة مستقبلنا بالسلام والمصالحة، وعن مسيحيي الشرق الأوسط وأوضاعهم قال البابا: "إنهم شهود حقيقيون للمسيح، ظلوا أقوياء رغم كل سنوات الاضطهاد، ولم يخشوا أبدًا الموت من أجل يسوع المسيح، وقد لجئوا دائمًا إلي الصلاة"، مُضيفًا أن الاضطهاد قد عزز بشكل أكبر إيمانهم وحافظ علي قوة ارتباطهم بالكنيسة وبالله. وحول كيفية بلوغ السلام، قال قداسة البابا تواضروس الثاني، إن هذا يتطلب أن يتمتع كل شخص بسلام داخلي، ويستدعي أيضًا حظر التعاليم الخاطئة الداعية إلي الكراهية وعدم قبول الآخر، وقال: "يجب بالتالي تعليم الأجيال الجديدة المحبة المتبادلة وقبول الاختلافات والعيش في مجتمع يتميز بالتنوع".. وخلال زيارته، استقبل قداسة البابا تواضروس الثاني، عقب صلاة القداس ببازيليكا سان بول، بروما، السفير المصري بإيطاليا هشام بدر وأعضاء البعثة الدبلوماسية، والكاردينال جيمس مايكل مارفي، وكلاوديا ديل ري نائبة عن وزير الخارجية الإيطالي، حيث أعرب الحضور عن ترحابهم بزيارة قداسة البابا إلي إيطاليا، فيما أهداهم قداسته أيقونة العائلة المقدسة، وحضر المقابلة نيافة الأنبا برنابا أسقف تورينو وروما، فيما قدم الكاردينال جيمس مايكل مارفي، هدية تذكارية لقداسة البابا عبارة عن صورة للقديس بولس الرسول، وهو الكاردينال الذي فتح أبواب بازليكا سان بول، لتستقبل آلاف الأقباط ليصلوا القداس مع قداسة البابا بها، وشكره قداسة البابا قائلًا: "لقد فتح قلبه لنا قبل كنيسته".