هي نفس العقلية الحلزونية لم تتغير تكتفي بالقشور والمسميات بشكل لايجعلنا نعلق آمالا كثيرا علي تغيير الأداء في حكومة من المفترض أنها تتولي البلاد في ظرف بالغ الخطورة وعليها مهام جسام أخطرها أن تمحو خطايا سابقتها وأن تكون معبرة بحق عن الثورة والميدان. لا أتفاءل كثيرا بحكومة الدكتور الجنزوري.. كثيرة هي الأسباب التي تدفعني للتخوف والقلق والتحفظ علي تلك الحكومة أولها أن الرجل محسوب علي النظام السابق مهما قيل عن أسباب خروجه أو اضطهاده أو غضب الرئيس المخلوع عليه.. فالرجل وكذلك المسئول يقاس بمواقفه.. ولا أظن أن الجنزوري كان من الشجاعة بمكان كي يواجه فسادا وتجاوزات ومطامع النظام السابق.. التزم الرجل الصمت ويمكننا أن نتجاوز عن ذلك فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. ولكن ما لايمكن أن تتحمله الثورة أن يفرض عليها رجل لم يكن علي نفس القدر من الشجاعة التي تحلي بها المؤمنون بها والمشاركون فيها والمفجرون لها.. ليس من المنطق أن تقوم ثورة ويدفع ثمنها دم وعيون وآلام جرحي ثم ينتهي الأمر لفرض رجل لم يحظ بتأييد الثوار ولم ينل ترحيبا ولاقبولا من أغلبية القوي الثورية. بعض العقلاء ومطالبو التهدئة بدعوي الاستقرار لم تفلح محاولاتهم تلك ونحن نري تحرك الجنزوري في تشكيل حكومته.. بدأ التحرك بتسريب الأخبار عن الإبقاء علي أربعة وزراء ينتمون لحكومة شرف وكانت الصدمة الأولي.. والتي انتهت بصدمة أكبر بعدما تبين أنهم ليسوا أربعة فقط بل وصل عددهم إلي ثلاثة عشر وزيراً.. لم يحقق منهم أي نجاح يذكر بل علي العكس جاء الإصرار عليهم خاصة الابقاء علي وزرير الإعلام ووزارته لينسف تصرحات الجنزوري بأنه مطلق الصلاحية في اختيار وزارئه!! فالحكومة كلها اتهمت بالإخفاق والفشل ويكفي الخروج غير المشرف والذي لم يجرؤ فيه وزير باستثناء الثقافة علي الانسحاب احتجاجا علي مذابح دم شهداء الثورة في شارع محمد محمود. بدأ تحرك الجنزوري في البحث عن تشكيل حكومته أقرب لمن توقفت به آلة الزمن ثم تنبه فجأة ليخرج علينا بما تجاوزته الأحداث والشخصيات والأداء. انعكس ذلك واضحا في التسريبات التي كشفت عن لقاءات الدكتور الجنزوري بوزراء قدامي شاركوه العمل أثناء توليه رئاسة الوزراء.. تحرك يكشف عن أنه لايبحث سوي في دفاتره القديمة وأنه لم يكلف نفسه عناء طرح أسماء جديدة تكون مقبولة لاخلاف عليها شعبيا وثوريا. وحتي الأسماءالجديدة المطروحة لم تنأ عن الشبهات فالاتهامات تطول أحدهم بقيامه بتزوير انتخابات إحدي النقابات وآخر تدينه علي موقفه من اضطرابات الأطباء بقيامه بتحويل عدد منهم إلي التحقيق وثالث له دور واضح في مذبحة السودانيين التي دارت بالمهندسين. ربما يكون الرجل معذورا في ظل قبضته ربما لا تزال مسيطرة علي الاختيارات ومهما برر أو حاول تسويق إطلاق يده في تشكيل الحكومة واختيار رموزها وصلاحياته الكاملة فكلها تصريحات لاتخرج عن إطار الاستهلاك الإعلامي فالكل يعرف أن قبضة المجلس العسكري مازالت لها الكلمة العليا وإلا لتمت الاستجابة لمطالب الثوار واختيار أحد الأسماء التي طرحوها والتي تحظي بقبول وترحيب وتأييد الثوار. مازالت علامات الاستفهام تؤرقنا حول رفض المجلس لاختيار البرادعي وإن كانت حملة تشويه الرجل قد كشفت عن نية واضحة لاستبعاده.. فلا يمكن إغفال التزامن غير البرئ بين إعلان البرادعي عن استعداده لقبول رئاسة الوزراء وتخليه عن ترشحه للرئاسة لتخرج بعدها ألسنة النيران مستهدفة الرجل بشكل فاضح لتحكم خطة موضوعة بإحكام لخلق رأي عام رافض لترشحه مغذية ذلك الرفض بشتي الأساليب المشروعة وغير المشروعة ابتداء من استباحة حرمة بيته وخصوصياته وحتي اتهامه بالخيانة وتسهيل دخول أمريكا للعراق وانضمامه لمنظمة أمريكية يرأسها يهودي لتجعل البرادعي دائما في موضع الشك والشبهات. الربط بين حملة تشوية البرادعي واستبعاده عن رئاسة الوزارة لايدخل في إطار التفكير التآمري.. فاستهدافه المكثف من شأنه أن يضرب عصفورين بحجر واحد هو إستبعاد البرادعي من تشكيل الحكومة وكذلك من انتخابات الرئاسة في نفس الوقت. الغريب أن الرفض لم يطل البرادعي فقط بل طال أيضا شخصيات مقبولة ثوريا ولها ثقلها وهي الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح المرشح المحتمل للرئاسة وأحد الشخصيات التي تحظي باحترام وتأييد وقبول كافة القوي الثورية باختلاف أيديولوجياتها وتوجهاتها الفكرية أيضا تم استبعاد الدكتور حسام عيسي أستاذ القانون وأحد الشخصيات التي تحظي أيضا بالاحترام والقبول. بالطبع كان اختيار واحد من تلك الشخصيات كفيلا بألا يوقعنا في متابعة السيناريو الممجوج في اختيار الوزراء المشاركين في حكومة الجنزوري والذي جاء مطابقا بحذافيره لتلك الحقبة البالية التي كنا نود أن تذهب لغير رجعة.. تكرر نفس المشهد الذي مللنا منه عند الإعلان الصوري عن تغيير الحكومة أيام مبارك.. عادت لعبة الكراسي الموسيقية في ضم وحل وزارات والإعلان عن وزارات جديدة فنسمع عن وزارة منفصلة للرياضة بعدما كانت ملتصقة بالشباب وأخري للتموين والشئون الاجتماعية بدلاً من التضامن الاجتماعي وكأن التغيير في الأسماء كاف لبث الطمأنينة في التغيير في الأداء والمضمون وذرأ للرماد في العيون تفتكس وزارة خاصة بمصابي الثورة وكأن الأمر يحتاج لوزارة خاصة ويصعب علي وزارة الصحة أو الشئون الاجتماعية القيام بهذا الدور.. هي نفس العقلية الحلزونية لم تتغير تكتفي بالقشور والمسميات بشكل لايجعلنا نعلق آمالا كثيرا علي تغيير الأداء في حكومة من المفترض أنها تتولي البلاد في ظرف بالغ الخطورة وعليها مهام جسام أخطرها أن تمحو خطايا سابقتها وأن تكون معبرة بحق عن الثورة والميدان. الأغرب من كل هذا هي الدعوة لتشكيل مجلس استشاري يكون همزة وصل بين الشعب والحكومة والمجلس وأظن أننا لم نكن في حاجة لهذا المجلس لو أننا من البداية أحسنا اختيار حكومة تحظي بثقة الثوار وتأييد الشعب. لكن يبدو أن طريقة »الحلزونية« تعجب كثيرا المجلس العسكري وأدائهم لأمور البلاد الذي لايؤمن بأن الطريق المستقيم هو أقرب الطرق للوصول للهدف وإنما للطرق الحلزونية الملتوية الوعرة هي أفضل الطرق لإجهاض أحلام الثورة والالتفاف علي مطالب الثوار.