آية الثورة كما قلت مرارا كانت دائما مقلوبة.. تدليل للمفسدين وأنياب مكشرة يتم بها مواجهة مطالب الثوار.. تصالح مع رجال الأعمال ممن نهبوا ثروات البلاد وغلظة وجفاء وخصام مع كل ما ينشده الميدان.. حرية للفلول والسجن لأصحاب الرأي والعقل الثائر أكثر من تسعة أشهر من المناورة والمراوغة والعجز.. نفد رصيد المجلس العسكري لدي الثوار.. فكانت العودة للميدان.. بنفس الحماس كانت الموجة الثانية من الثورة.. وبنفس العنف قوبلت.. رصاص حي.. خرطوش.. مطاطي وفوق كل ذلك كم هائل من القنابل المسيلة للدموع وكم هائل من الغازات السامة التي أطلقت بوحشية لتصيب المعتصمين بالاختناق. إلا أن حرب الغازات لم تزد الثوار إلا تحديا ولم تزد النفوس الثائرة إلا تأججا وغضبا عكس ما أرادوا وتحايلوا ودبروا وتآمروا.. علا صوت الثورة فكان أقوي من ضرب الرصاص بدون حاجة لبندقية ولاقناص.. كما أعلنها المعتصمون في التحرير هي غضبة قوية.. صدي لزلزال يناير.. إرهاصاتها كانت واضحة المعالم تنبئ بقرب لحظة الانفجار إلا أن الغفلة أغشت عقول أولي الأمر فظنوا أو توهموا أنهم نجحوا في قمع الثوار.. نسوا أن الثائر لايمكن أن يلدغ مرتين.. ولايخدع مرتين.. ولايمنح الفرصة أيضا مرتين. شهور من الصبر والغيظ ورصد الإخفاق والفشل وتحمل قرارات وقوانين لاتصب إلا في صالح الثورة المضادة.. تعطشنا لقانون واحد يطمئننا علي مسار الثورة وأن المجلس العسكري بالفعل هو حامي الثورة الضارب بيد من حديد علي أعدائها المتصدي للسارقين لحلم الثوار والمفسدين والموالين للنظام الفاسد السابق. حلم الثوار كثيرا لكن القوانين الصادمة كانت تأتي تباعا.. قانون لتجريم الاعتصامات .. وآخر للطوارئ وثالث لتشكيل أحزاب يفتح الطريق أمام الفلول ويضع العراقيل أمام الشباب يدعمه قانون انتخابات يصب في نفس الاتجاه .. وأخيرا وثيقة يعطي فيها من لا يملك لمن لايستحق كشفت عن نوايا خبيثة لإعطاء المؤسسة العسكرية سلطات لتجعلها فوق الدولة. آية الثورة كما قلت مرارا كانت دائما مقلوبة.. تدليل للمفسدين وأنياب مكشرة يتم بها مواجهة مطالب الثوار.. تصالح مع رجال الأعمال ممن نهبوا ثروات البلاد وغلظة وجفاء وخصام مع كل ما ينشده الميدان.. حرية للفلول والسجن لأصحاب الرأي والعقل الثائر.. محاكمة علاء مبارك وأمثاله مدنيا بينما يحاكم علاء عبد الفتاح وزملاؤه عسكريا واستجابة دائما تأتي متأخرة وبعد ضغوط وثمن باهظ يدفعه النشطاء. الإسراع في إصدار قانون تجريم الاعتصام والتباطؤ في صدور قانون الإفساد السياسي.. تحية للعادلي من ضباط الداخلية أثناء محاكمته بينما يتلقي الثوار منهم السحل والدهس والضرب والقنص .. مبارك يعالج ويتلقي كافة الرعاية والاهتمام ومصابو الثورة تغلق في وجوههم المستشفيات ولا يجدون ثمن العلاج. يتواري شباب الثورة عن المشهد بينما يستنسخ الحزب الوطني عشرة أحزاب علي شاكلته ليخرجوا بها ألسنتهم للجميع وليتحول علي أيديهم برلمان الثورة إلي برلمان الفلول. أموال مهربة ومليارات في خزانة الفسدة وقرارات بطيئة بالتجميد تأتي دائما بعد فوات الأوان بينما خزانة الدولة تكاد تكون خالية وشبح الانهيار الاقتصادي يهددها بوحشية. مظاهرات فئوية تواجه باللامبالاة بينما قرار واحد بتحديد الحد الأقصي للأجور يمكن أن يطفئ نيران غيظهم وربما يدفعهم للتحمل أملا في قرار لاحق بتحديد الحد الأدني للأجور، لكن لا حياة لمن تنادي. كان طبيعيا أن تنفجر الثورة ثانية ليفاجئ الميدان الجميع بأنه مازال هو المعبر عن نبض الثورة وأن النفوس الثائرة مازالت قادرة علي الحشود والصمود والتحدي والغضب.. لم يفتر عزم الثوار لم يتغيروا وكذلك الحكومة والمجلس العسكري.. نفس ردود الأفعال المخزية.. إنكار من الداخلية لإطلاق الرصاص بينما يتساقط الشهداء.. أنكروا خطورة الغاز المنطلق بكثافة ليصيب المعتصمين بالاختناق والتشنج والموت ومع ذلك لايكفون عن ترديد نفس الأكاذيب.. دائما تأتي جرائمهم لتفوق حدود تصورنا .. لم يراعوا حرمة الموتي فألقوهم في الشوارع بجانب القمامة.. لم يراعوا حق الجرحي في العلاج فلم يتورعوا عن استهداف وتهديد المستشفيات الميدانية.. بدا تحرك ضباط وجنود الداخلية يكشف عن حقد وثأر دفين وعزم علي الاستمرار في سياستهم القمعية والاستبدادية التي لاتعترف أبدا بالكرامة الإنسانية. لم يستوعبوا الدرس لم تفلح الشهور التسعة في تطهيرهم فعادوا أشرس وأقبح وأكثر همجية وتوحشا. لم تستوعب الحكومة الدرس فلم تكلف نفسها جهد الخروج المشرف المنسحب المعترف بأخطائه وخطاياه. ولم يستوعب أيضا المجلس العسكري فاستمر في قراراته التي لاتعكس رغبة الميدان.. جاء طرحه للدكتور كمال الجنزوري رئيسا للوزراء ليثير مرة أخري غضب المعتصمين وكأن مصر نضبت من الكفاءات فلا يخرجون إلينا إلا بنفس الوجوه المرفوضة المحسوبة علي النظام السابق بشكل أو بآخر. لم يستوعب المجلس العسكري الدرس فجاء التركيز علي مالحق من تجريح وتشويه بالرغم من تأكيد الجميع مرارا أن توجيه النقد للمجلس بصفته السياسية وليست العسكرية أمر طبيعي وأن تقديسنا واحترامنا للجيش بعيد تماما عن انتقادنا للمجلس العسكري علي أدائه السياسي، لكن أحدا لم يستوعب الدرس.. تمسك المجلس بالحكم واعتبر أن ترك السلطة خيانة للشعب تجاهل أن المطالبة بتخليه عن الحكم لا تعني تخليه عن البلاد.. ما طالب به الميدان هو أن يقتصر دور المجلس علي حماية المرحلة الانتقالية أما إدارتها فيجب أن تخول لحكومة إنقاذ وطني أو مجلس رئاسي أو أي هيئة يتم الاتفاق علي تشكيلها وتعطي صلاحيات كاملة لإدارة البلاد. أن يستحيب المجلس العسكري لهذا المطلب لايعني تخليه عن حماية البلاد وتأمين المرحلة الانتقالية.. هي ليست خيانة .. لكن الخيانة بعينها أن يتم إجهاض الثورة وإنهاك الثوار وصم الآذان عن مطالب الميدان.. والترويج لأكذوبة أن مصر ليست التحرير متجاهلين أن ثوار الميدان هم أنبل من فيها