فكل الشواهد الآن تؤكد أن مخطط مبارك يسير وفق الخطة الموضوعة والتي قد تنتهي بعودة مبارك نفسه إلي الحكم بعد ستة أشهر من الآن، وقد تكون عودته تحت عنوان الحل الوحيد للقضاء علي الفلول الذين غادروا شرنقة الخوف التي أحاطت بهم في الأيام الأولي للثورة وجعلتهم ينكمشون في جحورهم وهم يتحسسون رقابهم خوفا من محاسبتهم والقبض عليهم بحكم الثورة كما كان معتقداً بعد تنحي المخلوع، فحتي هم صدقوا أن هناك ثورة حررت المصريين من ظلام حكم مبارك، كانوا خائفين، مرتعشين، يبحثون عن سراديب عميقة تبتلعهم، ولكن ما هي إلا أيام قليلة حتي اكتشفوا بخبراتهم الطويلة في فن التحايل علي الشعب أن الأمور كلها تسير في صالحهم وأنه لا داعي لاختبائهم داخل السراديب بل أن من حقهم الخروج والمطالبة بحقوق في الدولة الجديدة لم يحصل عليها الثوار الذين بدأت اتهامات الخيانة والعمالة تحاصرهم، ليتطور الأمر إلي تغييبهم داخل سجون عصية يقف علي أبوابها عسكر تحاصرهم اتهامات هي نفس ما كان يوجه إلي نظام مبارك من تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان، ولا مانع لدي الفلول من سب مبارك ولعن أيامه وادعاء البطولات ال"دون كيشوتية" من أجل التمسك بمناصبهم التي أصبحوا يبذلون جهدا أقل للحفاظ عليها فالنظام القائم الآن يساندهم في الحفاظ عليها فبعد تسعة شهور من قيام الثورة صدر حكم بالتحفظ علي أموال جمال وعلاء مبارك! ولا أحد يعلم ماذا تبقي منها ليتحفظوا عليه، ولا أحد يعلم علي وجه التحديد ما إذا كانت سوزان ثابت داخل مصر أو خارجها وما مصير التحقيق معها وهي راعية التوريث وحاميته الأولي أو لماذا اختفي الأمن من مصر وانتشر البلطجية الذين يهاجمون المنازل في عز الظهر يسرقون ويقتلون أو لماذا لا تتواجد أكمنة للأمن علي طرق السفر والطرق الدائرية التي يتحرك عليها البلطجية وقطاع الطرق بأمان كامل ولا يوجد عليها كمين واحد رغم عشرات الحوادث التي تقع يوميا، حتي أن سيارة إحدي شركات الشاي المعروفة تعرضت للسرقة أربع مرات في نفس المكان علي الطريق الدائري فلا البلطجية اكتفوا ولا الشرطة أمنت الطريق، وقد يكون الطريق المنهوب أفضل حالا من الطريق المقطوع فيكفي أن يعترض أبناء أي محافظة علي أمر ما فما يكون منهم سوي الخروج وقطع الطريق وإيقاف القطارات وتحطيم السيارات وإطلاق النيران لافرق بين الوجه القبلي والوجه البحري فالكل في العنف سواء والكل يغوص في فوضي مبارك التي بشر بها، فالسلاح في أيدي الجميع يتسرب من منافذ الصحراء والأسعار تواصل تحركها في معدلات غير مسبوقة ليكتوي بنارها الفقراء والبسطاء والمحتاجون ولا تمس النيران أثرياء مصر الذين يمتلك بضعة آلاف منهم نصف تريليون جنيه ليحتلوا المرتبة الثانية في قائمة الأثرياء في العالم العربي فمازال الثري يزداد ثراء والفقير يزداد فقرا لم تقترب منه الثورة ولم يعرف منها سوي الفوضي التي بشر بها مبارك، والتي تباركها حكومة مرتعشة وساكنة كالموت الأسود فشلت في إعادة الأموال المنهوبة خارج مصر وفشلت في تحقيق الأمن وحل مشاكل المصريين حتي ولو بوضع جدول زمني تلتزم به وبتنفيذه حتي يشعر المصريون أن هناك ثورة قد قامت لتقضي علي الظلم وليس مجرد فترة غيبوبة تنتقل فيها مصر من مرحلة انتقالية إلي مرحلة انتقامية علي حد قول الدكتور عمار علي حسن أستاذ علم الاجتماع السياسي الذي يري أن الثورة مستهدفة وبدأت إجراءات انتقامية من سب وتشويه الثوار والادعاء بأنهم خونة وعملاء ثم تطور الأمر إلي سب الثورة نفسها ثم التهاون في استعادة الأموال المنهوبة ثم عودة الفلول. حالة الفوضي التي بشر بها مبارك لا يقتصر الحديث عنها في مجالس العلماء والمتخصصين في أمور السياسة ولكن أكثر من يشعر بها هم بسطاء الوطن الذين كانوا يعانون ومازالوا حتي الآن يعانون فلا يوجد أكثر أهمية من كلمات "أم أحمد" بائعة الخضراوات الشهيرة في ميدان الجامع التي قالت أيام مبارك كانت الشرطة تطاردنا وتصادر بضائعنا والآن البلطجية يسرقون قوت يومنا أثناء عودتنا لمنازلنا كل يوم وأكوام القمامة التي كانت تحاصرنا الآن أصبحت تغرقنا، والمياه مازالت مقطوعة وأنابيب البوتاجاز شحيحة وأنهت حديثها بتساؤل نشاركها فيه جميعا "أين الثورة". هل الحل في عودة مبارك مرة أخري؟ هكذا بدأ سعيد أحمد تاجر حديثه واستكمل بأنه لاتوجد إنجازات حقيقية شعر بها الشعب، حتي الشهداء يريدون أن يصوروا لنا أن من قتلهم كائنات فضائية هبطت علي ميدان التحرير بعد أن أوقفت الزمن ولم يشاهدهم أحد، ومبارك نفسه يكرم ويعامل وكأنه بطل قومي وليس من جعل الفساد منهجا وأفقر الشعب وتهكم عليه وفي نهاية الأمر تعود الشرطة لممارستها القديمة في ميدان التحرير ويسقط شهداء جدد ومصابون جدد فمن المسئول الآن؟ الناشط السياسي والحقوقي نجاد البرعي يري أن ما يحدث في مصر الآن لا علاقة له بمبارك أو الفلول وإنما المشكلة كلها تتلخص في خطأ إدارة المرحلة الانتقالية والقائمين علي الأمور الآن هم من قاموا بالقبض علي 12 ألف شخص وهم الذين وعدوا بالتحقيقات في أمور أثارت ضجة مثل كشف العذرية وزيادات المرتبات وتقنين الحد الأقصي للأجور ولم يحدث شيء ويأتي أخيرا الاستخدام المفرط للقوة مع المتظاهرين مثلما كان يحدث في أيام مبارك فالمشكلة أن الحكام الآن يتبعون نفس سياسة مبارك. المهندس أسامة البحر عضو الجمعية الوطنية للتغيير يري أن مبارك ليس وحده المسؤول عن سيناريو الفوضي الذي تشهده مصر حاليا، فثمة منظومة كبيرة مازالت موجودة ولا علاقة لهذه المنظومة بأصابع داخلية أو خارجية، ولايخفي علي أحد أن القوي الإقليمية كلها كانت تدعم قوي الاستبداد في مصر ولا تريد عودة مصر إلي قوتها مجدداً، ولذا من مصلحتهم أن تبقي منظومة مبارك موجودة، فالنظام سقط لكن المنظومة لاتزال قائمة وكان مبارك هو أحد أطراف هذه المنظومة، بدليل أن كل مظاهر الفوضي نتاج طبيعي للرسالة التي أوصلها مبارك للشعب في بداية الثورة "أنا أو الفوضي". لا أقصد بذلك أن الشرفاء في هذا البلد فقدوا الأمل من اكتمال الثورة وتحقيقها لأهدافها، لأن أي ثورة تحتاج إلي سياسة النفس الطويل، وفي رأيي أن الثوار وضعوا سقف توقعات عال ومثالي وغير واقعي فكل القوي الداخلية لم تحسب لما يحدث من أمور الآن ولكن الأكيد أن عصر مبارك لن يعود وعقارب الساعة لن تعود للوراء.. الشعب استيقظ وإذا كان الإصلاح سيأخذ وقتا فلابد أن نصبر فأنا شخصيا متفائل حتي رغم ظهور أطياف وتجمعات ظلامية ظهرت فجأة ولكن يبقي في النهاية إصرار المصريين علي إنجاح الثورة. د.عبدالجليل مصطفي المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير يفسر ما تشهده الساحة الآن من فوضي بقوله إن الوضع في غاية الوضوح فالنظام مايزال قائما ومايزال يعمل وما يحدث الآن هو منجزات النظام البائد ولذا فمن الضروري استبعاد ما تبقي من هذا النظام حتي تستقيم الأمور. وحول مستقبل الثورة في ظل هذه الأجواء يري المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير أنه لابد للثورة من أن تستكمل مسارها لإزالة نظام مبارك من جذوره، لافتاً إلي أن ما نراه الآن في ميدان التحرير هو صدام ما بين رغبة الشعب في استكمال الثورة من جهة ومن جهة أخري رغبة مضادة في إعادة النظام السابق، مؤكداً أن الشعب لابد أن يتمسك بتطلعاته وأهدافه وأن شباب ميدان التحرير هم طليعة القوي الشعبية، ولا بد أن يدرك الشعب أن الثورة الآن لا تحكم وإنما بقايا النظام السابق، ولا يصح أن نتهم الضحية ونترك الجاني. ورغم الاختلاف الفكري ما بين الجمعية الوطنية للتغيير وحزب الوسط إلا أن عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط يتفق في كثير من النقاط مع القوي السياسية الأخري فيري أن سر الفوضي في مصر يكمن في أنه مازالت مدرسة مبارك هي التي تحكم وبالتالي سنصل إلي ثورة جديدة والحل الوحيد أن يعلن المجلس العسكري في بيان واضح أن إجراء انتخابات الرئاسة ستتم يوم 29 أبريل، وسوف نحتمل الحكومة القائمة الآن حتي موعد تسليم السلطة؟، فأنا ضد الرأي القائل بتشكيل حكومة إنقاذ إذ لن تأتي بجديد.