»الربيع العربي« الاسم الشائع الذي أطلق علي الثورات العربية، تيمنا بأن تكون بداية لتغيير جذري في المنطقة. ولكن ربما جاءت تلك التسمية سابقة لأوانها، فهي بدأت ربيعا لكن يبدو أنها تتحول إلي شتاء قارص تسللت برودته إلي اقتصادات تلك الدول العربية. حيث عانت مجموعة من الدول، التي تأثرت بشكل مباشر، من انخفاضات حادة في صافي احتياطياتها من العملة الأجنبية، خلال الأشهر الأولي من اندلاع الثورات، لترصد إجمالي الخسائر التي تكبدتها الدول التي شهدت اضطرابات وهي: تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا ، وفق البيانات التي خرجت من البنوك المركزية لتلك الدول، بالإضافة إلي صندوق النقد الدولي، وتوقعات محللين استراتيجيين.. أنها فقدت ما يبلغ32 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية منذ بداية الثورات وسقوط بعض الأنظمة. ولا يشمل احتياطي النقد الأجنبي الودائع والسندات من العملة الأجنبية فقط التي تحتفظ بها المصارف المركزية والسلطات النقدية، لكن يشمل المصطلح الشائع أيضا صرف العملات الأجنبية والذهب، والاحتياطي من حقوق السحب الخاصة، أو حصة الدولة في رأسمال صندوق النقد الدولي. بينما كانت الدول المصدرة للنفط في الخليج، مثل الإمارات والسعودية والكويت، تلقي تأثيرا إيجابيا علي احتياطيها من العملة الأجنبية في بنوكها المركزية وارتفاع إجمالي الناتج المحلي لاقتصادياتها، دفعت ليبيا ومصر وسوريا الثمن الأكبر. وكان المركزي الليبي يقدر الاحتياطيات الأجنبية في مارس (الماضي بما يقرب من 130 مليار دولار، بينما أشارت تقارير في ذلك الوقت إلي أن نظام القذافي لديه ما قد يصل إلي 110 مليارات دولار، تمكنه من التواصل في القتال دون الاعتماد علي الطلب المتناقص علي النفط الليبي لعدة أشهر؛ نظرا للعقوبات المفروضة من الولاياتالمتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة، لكن نظام القذافي لجأ إلي بيع احتياطيات الدولة من الذهب ليتمكن من الإنفاق علي الحرب للبقاء في الحكم مواصلا المسيرة 40 عاما. واستطاع نظام القذافي بيع ما يقرب من خمس احتياطي الذهب للإنفاق علي محاولاته للبقاء في حكم ليبيا، وفقا لما ذكره تجار ذهب محليون. ونظام القذافي كان لديه ما يزيد علي 120 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي، بغض النظر عما تم تجميده في دول أوروبية وأمريكا، ولكنه أكد علي أن الوضع سيختلف بشكل جذري مع الحكومة الليبية الجديدة، فسيكون بمقدرتهم التحكم في الإنفاق بشكل كبير، مقارنة بالنموذج الذي كانت تعمل به الحكومة السابقة. ووفقا لتصريحات محافظ البنك المركزي الليبي الجديد، بأن نظام القذافي جمع أكثر من مليار دولار لدفع رواتب من خلال بيع نحو 29 طنا من الذهب لتجار محليين في أبريل الماضي، بينما كان من المحتمل أن المعدن الثمين كان يؤخذ خارج البلاد لإعادة البيع. بينما أشارت تقارير دولية إلي أن حجم الخسائر الليبية حتي نهاية سبتمبر قارب علي ال 14.2 مليار دولار، وكان الانخفاض في إجمالي الاحتياطي الأجنبي من خلال بيع احتياطي الذهب بكثافة. مصر.. ثاني أكبر المتضررين ثم تأتي مصر ثاني أكبر المتضررين في الترتيب الثاني.. حيث انخفض الاحتياطي الأجنبي، وفقا بيانات البنك المركزي، 12 مليار دولار من أعلي مبلغ سجله في شهر ديسمبر الماضي عند 36 مليار دولار. وواصل احتياطي النقد الأجنبي تراجعه ووصل بنهاية الشهر الماضي، سبتمبر، إلي 24 مليار دولار، ليدخل منطقة الخطر؛ إذ إنه لا يكفي واردات مصر السلعية إلا لمدة 6 أشهر فقط . ويري المركزي المصري أن تلك الاحتياطيات لا تزال في الحدود الآمنة، حسب تصريحات هشام رامز نائب رئيس البنك المركزي المصري، بأن مرحلة الخطر الحقيقية للاحتياطيات الدولية تحدث عندما تكون الاحتياطيات تغطي أقل من 3 أشهر من الواردات السلعية، والتي تعادل 12.5 مليار دولار بالنسبة لمصر، طبقا لأسعار السلع الأساسية والإستراتيجية التي تستوردها البلاد طبقا لمتوسطات أسعارها خلال العام المالي الماضي 2010 / 2011 ولكن الحقيقة المؤكدة بأن الاقتصاد المصري علي المدي الطويل يواجه مشكلات حقيقية، خاصة أن 4 مصادر أساسية للدخل كلها تعتمد علي عوامل خارجية، وهي الغاز والسياحة وقناة السويس ومعدلات الاستثمار من دول الخليج بشكل كبير، ثم الاستثمارات الأوروبية والأمريكية والتي تأثرت بشكل كبير بينما أرجع محللون هذا التراجع إلي خروج الأجانب الحاد من الاستثمار في أذون وسندات الخزانة المصرية، فضلا عن الخروج السريع للأموال الساخنة المستثمرة بالبورصة، وزيادة الإيداعات لدي البنوك المصرية في الخارج. كما قامت مصر باستخدام جزء من هذا الاحتياطي لسداد جزء من ديون مصر لنادي باريس، واستخدمت جزءا ضئيلا منه (لا يتجاوز 300 مليون دولار) للحفاظ علي سعر صرف الجنيه أمام الدولار. الاحتياطي الأجنبي لسوريا وعلي الجانب السوري، فكانت البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة غاية في الضبابية، لكن تصريحات المسئولين السوريين والقرارات التي أخذت علي مدار الأسابيع الأخيرة أشارت إلي أن الوضع الاقتصادي في سوريا في حالة ترد.. وربما زادت العقوبات الدولية من الضغط علي الاقتصاد السوري؛ لذا أعلنت وكالة الأنباء السورية أنه بنهاية سبتمبر الماضي أصدرت الحكومة قرارات بمنع استيراد المنتجات بتعريفة تزيد علي 5٪ حفاظا علي الاحتياطي الأجنبي .. وعلق وزير الاقتصاد والتجارة السوري علي القرار في حينه قائلا: إنه مطبق بشكل مؤقت. وعلق أوليفر جاكوب، الخبير النفطي في سويسرا أن سوريا تواجه سلسلة من المشكلات تؤدي إلي إنفاق الاحتياطي الأجنبي لديها. خاصة أن خام البترول السوري، مقارنة بخامات المنطقة، ليس جذابا علي الإطلاق، وعليها أن تبيع بأسعار مخفضة جدا حتي تجد من يشتري، أضف لذلك أن تجربة الخام علي المصافي التي ستشتري الخام السوري قد تأخذ عدة شهور علي أقل تقدير. وتنتج سوريا نحو 385 ألف برميل يوميا، وكانت أوروبا تستورد ما يصل إلي 150 ألف برميل يوميا من النفط السوري. ويصعب تقييم ما لدي المركزي السوري من احتياطيات من العملة الأجنبية؛ نظرا للنقص الشديد في الإعلان من قبل المركزي السوري. ونفي وزير المالية السوري، مؤخرا، أن يكون للعقوبات المفروضة علي سوريا تأثير يذكر؛ إذ أكد أن لديها 18 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي، مما يكفي لجميع الواردات المطلوبة لمدة عامين. وأفاد هيوز مرة أخري في هذا الصدد قائلا: ربما تستطيع الحكومة السورية تضييق حجم الإنفاق إلي الحد الأدني واستيراد المنتجات الأساسية فقط، وبذلك قد يكفيها ما تمتلك من احتياطيات أجنبية لمدة عامين؛ نظرا لأنه اقتصاد صغير حتي لم يكن للأزمة المالية تأثير يذكر عليه. السياحة في تونس وتأثر أداء الاقتصاد التونسي بعد ثورة 14 يناير بتراجع دخل القطاع السياحي الذي يعد أهم مصدر من مصادر توفير العملة الأجنبية، كما أثر انخفاض الصادرات التونسية علي الأسواق الأوروبية التقليدية، خاصة في ميدان الصناعات المعملية والخدمات، بفعل تخريب عدد كبير من المؤسسات الإنتاجية علي الميزان التجاري، كما عرفت البلاد تراجعا كبيرا علي مستوي الاستثمار الخارجي المحلي والأجنبي. وسجل حجم الاحتياطي الأجنبي شبه استقرار، مقارنة بشهر أغسطس الماضي، ليبلغ في سبتمبر حوالي (10.850) مليون دينار تونسي (7.61 مليار دولار)، أي ما يعادل 120 يوما من التوريد. وكان حجم الموجودات الصافية من العملة الأجنبية في شهر أغسطس الماضي مقدرا بنحو 11.067 مليون دينار تونسي، أو ما يعادل 123 يوما من التوريد، وذلك مقابل 147 يوما في نهاية سنة 2010 وبلغ في يوليو الماضي ( 10.647) مليون دينار تونسي، أي ما يعادل 118 يوما من التوريد، مقابل 147 يوما في نهاية سنة 2010. وكان الاحتياطي من العملة الأجنبية في حدود 12.259 مليون دينار، أو 139 يوما من التوريد في 24 فبراير الماضي.. وكان حجم السياحة من السوق الأوروبية قد تراجع خلال الصيف الماضي بنسبة تفوق النصف (53٪) مقابل 41٪ للسياح الوافدين من دول المغرب، خصوصا الليبيين والجزائريين. بينما تراجعت نسبة الحجوزات لموسم الصيف في يوليو وأغسطس وسبتمبر إلي النصف (52٪) مقابل 70٪ قبل 3 أشهر، وهو ما أثر بصفة كبيرة علي حجم العملات الأجنبية في البلاد. ويزور تونس سنويا نحو 7 ملايين سائح من بينهم مليونا ليبي ومليون جزائري. ويمثل القطاع السياحي 7٪ من إجمالي الناتج القومي التونسي ويؤمن وظائف لنحو 400 ألف شخص. قفزة أسعار النفط وعلي النقيض تماما وحسبما يقول المثل "مصائب قوم عند قوم فوائد" استفادت الدول المصدرة للنفط من هذه الأحداث وترجم ذلك بزيادة الاحتياطيات الدولية لديها حيث بلغت موجودات المصرف المركزي الإماراتي من الأصول الأجنبية خلال النصف الأول من العام الحالي ما قيمته 44.2 مليار دولار مقابل 22.6 مليار دولار بنهاية مايو 2010 بنمو سنوي بلغت نسبته 95.7٪ وفقا لأحدث إحصاءات المركزي الإماراتي.. في حين كانت موجودات المصرف المركزي من الأصول الأجنبية والذهب قد قفزت إلي 31.6 مليار دولار بنهاية العام الماضي بمعدل نمو سنوي بلغت نسبته نحو 30٪ بينما يعكس هذا النمو الاستثنائي لموجودات المركزي الإماراتي من الأصول الأجنبية خلال النصف الأول المتزامن مع ما بات يعرف بالربيع العربي. كما أن الارتفاع الكبير الذي شهدته أصول ممتلكات المركزي الإماراتي من الأصول الأجنبية خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها لها علاقة مباشرة بالربيع العربي، لكن لا نستطيع أن نقدر نسبة هذا التأثير، خاصة أن الوضع الاقتصادي عالميا وإقليميا لا يمكن مقارنته بين العامين 2010 و2011 فالوضع الاقتصادي في العام الحالي كان أفضل من الوضع من عام 2010 بشكل واضح، وهذا عامل تأثير مهم، إضافة إلي الأمر الذي بات يعرفه الجميع، وهو أن الإمارات تستفيد من الوضع إجمالا بحكم المناخ الاقتصادي والسياسي الآمن، علي اعتبار أن معظم الدول العربية متأثرة بما يعرف بالربيع العربي، واليوم هناك ثقة أكبر بالاقتصاد ولكن مدي تأثير الربيع العربي لا يمكن تقدير نسبة لذلك. هبوط احتياطيات المغرب ومن ناحية أخري فقد انخفض احتياطي البنك المركزي المغربي من العملات الأجنبية إلي 21 مليار دولار الشهر الماضي، بينما هبط مستوي احتياطي المصارف المغربية من العملات الأجنبية إلي أقل من 50 مليون دولار بعد أن كان يتجاوز 2.5 مليار دولار قبل 3 سنوات. ولم يعد الاحتياطي المغربي من العملات الأجنبية يغطي سوي 5 أشهر من الواردات، بعد أن كانت قيمته تعادل 10 أشهر من الواردات في 2007. وعرف احتياطي المغرب من العملات الأجنبية تدهورا متواصلا خلال ال3 أعوام الماضية، بسبب ارتفاع تكلفة الواردات نتيجة غلاء الطاقة والمنتجات الغذائية وتردي العجز التجاري للبلاد، في الوقت الذي شحت فيه الاستثمارات الخارجية وتراجعت موارد السياحة وتحويلات العمال المهاجرين علي خلفية الأزمة المالية العالمية. فمن 26.5 مليار دولار نهاية 2008 هبط الاحتياطي للمغرب بفعل الأزمة العالمية إلي 23.7 مليار دولار في ظرف سنة، ثم إلي 22.8 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2010 ليهبط دون مستوي 21.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر من السنة الحالية. وتوقعت لجنة تابعة لصندوق النقد الدولي في تقرير لها الشهر الماضي أن يقل مستوي الاحتياطي الأجنبي للمغرب خلال السنة الحالية عمَّا يعادل تغطية قيمة 5 أشهر من الواردات. وأشار التقرير إلي أن عودة النمو للصادرات المغربية، خاصة الطفرة التي تعرفها صادرات الفوسفات ومشتقاته، بالإضافة إلي ارتفاع تحويلات العمال المهاجرين وزيادة الدخل السياحي لن يكون كافيا لموازنة الارتفاع القوي لأسعار النفط والأغذية في الأسواق العالمية. وعبر البنك المركزي، خلال الاجتماع الأخير لمجلسه الإداري في سبتمبر الماضي، عن قلقه من التراجع القوي لمستوي الاحتياطي الأجنبي للمغرب.. غير أنه أشار إلي أن المغرب لا يزال يتوافر علي هامش مهم، خاصة أن حجم مديونيته الخارجية لا يزال في مستويات معقولة وتسمح له بإمكانية اللجوء للسوق المالية الدولية في وضع جيد.وبلغ حجم الدين الخارجي للمغرب 11.9 مليار دولار في منتصف العام الحالي، مقابل 11 مليار دولار في نهاية 2010 و10 مليارات دولار في نهاية 2009. وأصبحت المديونية الخارجية للمغرب تمثل 12.1٪ من حجم الإنتاج الداخلي الخام للبلاد. وتتوزع هذه المديونية حسب المصدر، بين المؤسسات المالية الدولية بنسبة 50٪ والسوق المالية الدولية بنسبة 15.5٪ والاتحاد الأوروبي بنسبة 22.7٪ والدول العربية بنسبة 2.1٪ والحصة الباقية من دول أخري في إطار معاهدات ثنائية.