فجر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في التعداد السكاني لعام 2017، مفاجأة من العيار الثقيل بكشفه عن أن 20% من المتزوجات في مصر في عمر أقل من 18 ربيعا، ما طرح بقوة ملف زواج القاصرات علي طاولة البحث حول مخاطر هذه الظاهرة المستشرية في المجتمع خصوصا في القري، ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي للبحث عن حلول لهذه الظاهرة الخطيرة التي تولد الكثير من الضحايا في مقدمتهن الفتيات اللاتي تذبح براءتهن كفراشات دُهست أحلامهن في مهدها. يستغل بعض ضعاف النفوس البعد عن رقابة القانون والعادات والتقاليد التي لا تتوافق مع صحيح الدين لترويج أن زواج القاصرات شائع ولا اعتراض دينيا عليه، لكن هذه الحجج الفارغة أدت إلي نتائج كارثية في المجتمع، فمن ناحية ضاعت حقوق الكثير من الفتيات اللاتي تم إجبارهن علي الزواج العرفي، فيما الأبناء لا يتم تسجيلهم رسميا إلا بعد بلوغ الأم السن القانونية، وهي قضية شائكة كان للدين كلمة فيها. بداية قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر عضو مجلس النواب، ل "آخر ساعة": "موضوع زواج القاصرات ليس جديدا علي المجتمع المصري، لأن البنت لدي كثير من الأسر في مصر وحسب المفهوم الخاطئ هي مولود غير مرغوب فيه، ويجب التخلص منه عندما تتم سن البلوغ، فهذه موروثات قديمة، وبعض ضعاف النفوس يزعمون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم، تزوج السيدة عائشة رضي الله عنها وهي في عمر التاسعة، لكن الصحيح أنه لم يتزوجها إلا وهي في عمر لا يقل عن 18 عاما". وتابعت: "وهذه الموروثات ضيقة الأفق وجدت لها أسانيد عند بعض أئمة المساجد في القري والكفور والنجوع، الذين يتعاطفون مع الأسر في تزويج بناتهن في سن صغير جدًا، وعليه أري أنه يجب أن يرتقي الخطاب الديني في المساجد من خلال لغة واضحة وليست مجازية، ولدينا 120 ألف مسجد، وهذا العدد من المساجد يجب أن يؤدي دورا فعالا في القضاء علي هذه الظاهرة التي ترهق المجتمع المصري ومؤسسات الدولة، وأطلب من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، أن تقف هذه المؤسسات أمام هذه الظاهرة". وشدّدت نصير علي أنه لابد أن يعرف أهل العصر أن البنت المصرية في هذا الزمان ليست هي البنت التي كانت تتزوج في الماضي، وأن ظروف ومناخ البيئة اختلف وتطور العصر وظهرت التكنولوجيا لكن العقول لم تتغير، وقالت: "لذا سأطلب في مجلس النواب أن يتم تجريم زواج البنت أقل من 18 عاما، وأن يقع تحت طائلة القانون الأب وسمساره في هذا الزواج وشيخ المسجد والمأذون وكل من يشارك في هذه الجريمة". وأضافت: "في كثير من الأحيان تتزوج الفتيات الصغيرات أمام مأذون متواطئ علي سنة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، ويتم كتابة شيك بدون رصيد علي الزوج، حتي تصل الزوجة إلي عمر 18 عامًا، ثم يتوجه الزوج والزوجة لتوثيق الزواج أمام المحكمة التي يتم أمامها إثبات نسب الأبناء، وهي مهزلة يجب أن تتوقف". بدوره، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ل "آخر ساعة"، إن البلوغ شرط في صحة العقيدة والعبادة وأن سن الرشد بعد البلوغ وسن الرشد عند الفتاة 18 عاما وعند الشاب 21 عاما، والشريعة الإسلامية جعلت ركن عقد الزواج في الإيجاب والقبول، وهذا الركن لا يصح إلا عند بلوغ سن الرشد عند الفتاة وأن زواج القاصرات مرفوض بأي حال من الأحوال". وأشار كريمة إلي أن سن الرشد ينبئ عن الإرادة لدي الفتاة في الرضا والقبول، كما أن البعض يفتري علي سن زواج السيدة عائشة من رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهذا افتراء لأن الرسول صلي الله عليه وسلم حسب المحللين والمتخصصين تزوجها وكان عمر السيدة عائشة 18 عاما، لكن السلفيين المغرضين هم الذين يروِّجون لهذا الحديث ويتخذون من الواقعة المغلوطة لعُمر السيدة عائشة سندا لهم، والسلفيون هم من يروِّجون لهذا الهوس الجنسي والمرضي لديهم وهذا افتراء علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، والإسلام الدين المستنير بريء من هذه الأفكار". أما علي الجانب النفسي، قال الدكتور محمود أحمد فرج، استشاري الأمراض النفسية، إن هناك العديد من الآثار النفسية السيئة تحدث نتيجة زواج الفتيات الصغيرات، لأنها تدخل في تجربة تكون غير مؤهلة لها، فتصاب بحالة الهلع والرعب، ويترتب عليه أنها تصاب بمرض كراهية الرجال والخوف المرضي منهم، وتجد الطفلة نفسها إما مسؤولة عن طفل، في الحقيقة هي طفلة نحمِّلها مسؤولية طفل آخر، وهنا تصاب الفتاة بحالة اكتئاب مزمنة، ذلك لأن الفتاة الصغيرة لا تكون قد وصلت إلي مرحلة النضج النفسي بعد، ولا تعرف أي شيء عن العملية الجنسية، ولا تعرف كيف تتعامل في مثل هذه الأمور الحساسة. وتابع فرج: " بعض بل كثير من هذه الزيجات تفشل فشلا ذريعا، ومنهن من تطلب الطلاق عندما تنضج نفسيًا واجتماعيا فتفضل الخلاص من حالة الرق والعبودية التي عاشتها، أصارحك أن الصعيد هو منبع زواج البنات الصغيرات في السن، لكن الآن قلت حدة الظاهرة إلي حد ما، لكنها لا تزال حاضرة بقوة في الريف المصري عموما والمناطق العشوائية التي تقع علي هامش المدن، وعلي الدولة أن تضع نصب أعينها وضع منظومة تشريعية للقضاء علي هذه الظاهرة، التي تشكل خطرا علي الأمن القومي عبر تدمير نسيج المجتمع".