لقطة من الفىلم العراقى »وداعا بابل« للمخرج العراقى عامر علوان دموع ألم وحسرة في العين .. علي شباب وطني.. غصة في القلب وحزن.. علي أرواح شهداء.. غضب وثورة في العقل.. علي كل من يتجرأ في محاولة تمزيق نسيج شعب.. ووحدة وتآخي بلد.. لأن مصرنا هي بلدنا كلنا.. ووطن كل المصريين مسلمين ومسيحيين.. ولنا عبرة في بلدان أخري نشبت فيها حروب طائفية استمرت سنوات طويلة.. انقسم فيها البيت الواحد.. والشارع إلي نصفين .. والحمد لله أن هذه البلدان وعلي رأسها بالتحديد لبنان استطاعت أن تلملم جراح الفتنة الطائفية التي كلفتها حربا أهلية.. ولذلك كان الذعر شديدا بين كل اللبنانيين الذين التقيت بهم في بيروت أو »ست الدنيا« بحق. أعرف »كوليت نوفل« منذ سنوات طويلة.. سيدة لبنانية جميلة.. مثقفة شديدة الأناقة.. سلوكا.. ومظهرا .. رغم الرقة الشديدة التي تبدو عليها، إلا أنها تتمتع بصمود وروح مقاتلة.. وقدرة هائلة علي التحدي من العزم والإصرار.. وحب لبنان.. ومن بعده السينما.. أشياء تكسبها مزيدا من القوة تجعلها قادرة في أحلك الظروف علي تخطي كل العقبات والصعوبات لتفعل ماتريد وماتريده هو أن »يعلو« اسم لبنان »عاليا«.. ولذلك كان إصرار »كوليت« الدائم علي نجاح مهرجان بيروت السينمائي الدولي الذي تحتفل بدورته الحادية عشرة هذا العام. لقد تابعت عبر سنوات طويلة ومنذ بداية المهرجان تقريبا مدي الصعوبات والمعوقات ولن أقول أيضا الحروب الصغيرة التي تعرضت لها »كوليت« لكنها كانت دائما قوية .. وصامدة.. تعرف ماتريد. واليوم في هذه الدورة الحادية عشرة لمهرجان بيروت نجحت »كوليت« في عرض مجموعة كبيرة من أفضل وأجمل الأفلام العالمية.. كما أنها خصصت برامج خاصة تحية للسينما الإيرانية والكردية.. وللأسف الشديد طغت السياسة علي الفن فقد منع أكثر من فيلم من الوصول إليها بالإضافة لعدم السماح لأكثر من مخرج إيراني الحضور لبيروت.. لكن يبقي الحدث مثيرا للاهتمام والجدل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.. لتكون إيران والسينما الإيرانية هي المحور، وليكون عبر هذا المهرجان مساندة قوية لها ولفنانيها. كانت كوليت تريد الاحتفال بالثورة المصرية وطلبت فيلم (81 يوما) وأرسلت دعوات لسبعة من مخرجيها وبعد أن قبلوا الدعوة أرسلت إليها الشركة المنتجة اعتذارا .. والحقيقة أن الفيلم سوف يعرض في مهرجان »أبو ظبي«!! كعرض أول.. وإن كانت المشاركة المصرية انحصرت بعد ذلك في فيلم »حاوي« لإبراهيم البطوط والذي حصل علي جائزة أحسن فيلم بالإضافة لأفضل سيناريو والحديث عن الفيلم سيكون في العدد المقبل. بالإضافة لفيلم »خارج القاهرة« للمخرج (هشام عيسوي) إنتاج شريف مندور وقد حضرا في آخر أيام المهرجان وخارج القاهرة عرض وحصد العديد من الجوائز في مهرجانات عالمية عديدة. كما شارك في مسابقة الأفلام القصيرة فيلم (حواس) للمخرج الشاب محمد رمضان وحصل علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة. وهو بالمناسبة فيلم شديد الجمال عن فتاة تعمل بالتمريض تقع في حب مريض في غيبوبة في العناية المركزة هي التي تعتني به وتعتبر حلقة الوصل بينه وبين العالم. لجنة التحكيم الدولية كانت برئاسة المخرج والمنتج الكاتب السينمائي الإيطالي لوقا جوادادنينيو وعضوية كل من المخرجة الفرنسية كارين البو .. والمخرجة العراقية ميسون باشاش.. والناقدة السينمائية الكبيرة كريستينابينشينو في إيطاليا.. بالإضافة للكاتبة السعودية رجاء الصانع التي قدمت رواية بنات الرياض .. والتي ترجمت إلي أكثر من 03 لغة.. وقد عكست الرواية صورة صادقة جريئة للمشاكل الاجتماعية في السعودية.. والتي طالما اعتبر الحديث عنها من المحرمات. وعندما نشرت الرواية في بيروت تلقت رجاء العديد من رسائل تهديد لها بالموت والقتل ورغم منع تداول الرواية في السعودية إلا إنها كانت سببا مباشرا في دفع عديد من الرجال والنساء إلي الكتابة عن ذات الموضوع. والجدير بالذكر أن رجاء الصانع درست طب الأسنان في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. بالإضافة إلي أبحاث حول الخلايا الجذعية.. وهي تعيش حاليا في الرياض تمارس مهنة الطب.. وتستعد لإصدار رواية ثانية. وترأس المهرجان السيدة »أليس إده«.. ومديرته هي كوليت نوفل. عامر علوان مخرج عراقي شد الرحال منذ زمن طويل إلي فرنسا .. لكنه كالشجرة أوراقها وأفرعها امتدت لكنها مازالت ساكنة الجذور بالأرض التي نبتت فيها.. عامر غادر العراق إلي بلاد الحرية والإخاء والمساواة لكن العراق لم يغادره .. يسكن في قلبه.. ويشغل عقله وباله .. قضاياه مهموم بها .. غادر علوان العراق كطائر محلق في السماء بحثا عن الحرية والذات.. ومنذ أول أفلامه الروائية الطويلة »زمان« الذي يعود لسنة 2003 وهو يفتش داخل الإنسان العراقي ويقدم صورة صادقة وواعية للعراق وشعبها والمعاناة الشديدة في شتي مختلف الحياة.. نتيجة للمآسي العديدة التي عاشها هذا الشعب الصامد القوي .. إن العراق يعد من أغني الدول العربية وبدون مبالغة من أكثر دول العالم ثروات .. لكن تكالبت المصائب عليه وتآمر لقوي الغاشمة ظلمه كثيرا.. سواء أكان حكما ظالما أو حروباً عبثية مع إيران.. وغزو منه للكويت.. وأخيرا الاحتلال الأمريكي تحت بند وحجة واهية كاذبة هي وجود أسلحة دمار شامل .. وهو ما ثبت كذبه بالأدلة القاطعة. علوان في فيلمه الأخير »وداعا بابل« التسجيلي الطويل .. يوجه تحية لبلده أرض أجداده التي شهدت بداية حضارات التاريخ.. وعرفت عصورا زاهية.. يكشف الخدعة الكبري .. والزيف الشديد الذي تعرض له الأمريكان شعبا وجيشا من جراء الأكاذيب والادعاءات من رئيسه بوش الصغير ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس وأدركها المجندون الأمريكان بعد ذهابهم إلي العراق .. في »وداعا بابل« يستعرض علوان حكاية الرقيب (فرانك) الذي أمضي ثلاثة أعوام في بابل التي جاء إليها مقتنعا بشرف المهمة التي يقوم بها.. لكنه في النهاية أدرك النية الأمريكية التي تكمن وراء اجتياح العراق وكل الأكاذيب التي لقنوها للجيش.. وبشاعة مافعلوه علي هذه الأرض ومدي التدمير النفسي والبنياني الذي تركوه خلفهم .. ومن أسحلتهم الممنوعة التي استخدموها.. لينتشر من جرائها ولادة الأجنة المشوهة.. وينتشر السرطان اللعين كمرض يعاني منه الصغار والمولودون قبل الكبار. فرانك ارتبط بعلاقة وثيقة مع مترجم عراقي .. ومأساة المترجمين الذين عملوا مع الجنود الأمريكان بالغة.. حيث تم تصفيتهم جميعا علي أنهم (خونة) مع أن الكثير منهم أزاحوا الغمامة من أعين الجنود الأمريكان علي حقيقة الأوضاع في العراق.. وكانوا أحد الأسباب الهامة التي علم الجنود مدي الكذبة التي عاشوا فيها. في عام 2007 عاد فرانك إلي أمريكا.. ليسافر إليه علوان ليسجل اعترافاته وشهادته علي مشاركته في اجتياح أمريكا للعراق ومدي ندمه الشديد علي ذلك.. لأنه اكتشف زيف وكذب ما صاغوه لهم من حجج ومبررات لهذا الغزو.. والذي لم يكن يستهدف سوي خراب العراق.. ونهب ثرواته. إن عامر علوان وآخرين شرفاء مثله أخذوا علي عاتقهم من خلال الفن كشف زيف الادعاء الأمريكي وبطلانه ليبقي فيلم »وداعا بابل«.. وثيقة إدانة مع ما سبق وقدمه المخرج الكبير »مايكل مور« من أدلة دامغة تدين الرئيس الأمريكي وحكومته.. فتحية لعامر علوان وكل الشرفاء أمثاله من أنحاء العالم الذين لم يتخلوا عن أوطانهم أو يبيعوها تحت وهم شعارات كاذبة تعلي من شأنهم الشخصي راكبي الأمواج فوق جثث كل الشهداء والثورات.