عندما قامت الشرطة بحلق شاربه، اضطر محمد أبو سويلم أن يضع كوفية علي فمه ليخفي عن الأنظار ما لحق به من عار.. في فيلم الأرض وثّق يوسف شاهين لمكانة الشارب في حياة المصريين في فترة زمنية كان فيها الشارب دليلا علي الرجولة ورمزا للشجاعة والفتونة. وإذا كانت مصر الفرعونية قد عرفت طريقها إلي الشارب وهو ما ظهر واضحا علي تماثيل بعض الملوك فإن أشعار العرب (قديما) لم ترصد شاعرا يتغني به أو يذكره في قصيدة واحدة. قصات الشارب المتنوعة صنعت منه صورا سيريالية يختلف مفهومها من شخص إلي آخر، ومن زمن إلي آخر، ومن دولة إلي أخري، بينما نفس الشارب قد يتم تفسيره إلي معانٍ مختلفة وفق من يحمله، فشارب هتلر الذي يشير إلي الجبروت والقسوة والموت الجماعي هو نفس شارب شارلي شابلن الذي يحمل السرور إلي القلوب ويرسم البسمة علي الوجوه، وهو أيضا نفس شارب »محمد التابعي» مؤسس »آخر ساعة» الذي يكشف عن الوسامة والنبوغ. علي مدار قرنين من الزمن لم يتخل الشارب عن موقعه فوق فم الرجل وكأنه حارس علي كلامه إلا أنه مع بداية الثمانينيات ظل يتواري عن الأنظار واختفي شيئا فشيئا ليصبح مجرد ظهوره تحت أنف أحدهم مثيرا للانتباه. موضة الشارب تطل علينا من جديد من خلال نجوم الكرة والفنانين في المسلسلات الدرامية المختلفة التي عرضت في الفترة الأخيرة وهو ما حرض الشباب علي تقليدهم ليعود إلينا الشارب في نسخته الجديدة حاملا توقيع حسام غالي وأمير كرارة وباسم مرسي. كان للشارب المبروم سطوته مع بداية القرن العشرين وحتي عام 1930، وما جعل الناس يقبلون عليه هو تفضيل رأس الدولة (الملك فاروق) له إضافة إلي أصحاب المناصب والشخصيات العامة والأثرياء أمثال الزعيمين مصطفي كامل ومحمد فريد، في حين يحاول بعض الشباب في الوقت الراهن العودة إلي »المبروم» ونشر صورهم علي مواقع التواصل الاجتماعي. من 1930 وحتي 1940 تفوق شارب هتلر القصير علي غيره من الشوارب وأصبح سائدا بين الناس وانتشر شرقا وغربا ليشمل الكرة الأرضية، ليحل بدلا منه في بداية الأربعينيات »الشارب الخط» الذي جذب إليه الشباب ليتجهوا إلي صالونات الحلاقة من أجل تهذيبه وتحديده خاصة حينما شاهدوا نجوم السينما يظهرون به في الأفلام مثل عماد حمدي، وكمال الشناوي، وأنور وجدي. ومع بداية الستينيات انقلب رشدي أباظة وعمر الشريف علي الشارب الخط لتزداد كثافته وتبدأ النظرة تختلف إلي الكثافة باعتبارها نوعا من الوسامة. وفي السبعينيات تضاعفت كثافة الشارب ليغطي الفم بأكمله كما فعل الفنان اللبناني »شوشو» ومثله في مصر يوسف فخر الدين، وسيطر الشارب علي تلك الفترة بجانب السوالف العريضة. مع بداية الألفية الثالثة بدأ الشارب يختفي شيئا فشيئا أو يظهر علي استحياء بجانب لحية صغيرة وهو ما يطلق عليه »دوجلاس»، وقضي عمرو دياب علي الشارب نهائيا حين ظهر ب »سكسوكة» في أغنيته »تملي معاك» ليقلده شباب الوطن العربي.