أثارت التصريحات التي أطلقها عدد من قيادات وزارة التربية والتعليم بشأن حذف مناهج ثورتي 25 يناير و30 يونيو من مناهج التاريخ، جدلا مجتمعيا متصاعدا، في وقت قامت فيه الوزارة بإدخال تعديلات متتالية علي مناهج التاريخ علي مدار الست سنوات الماضية، وهو ما فتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول ما إذا كان هناك أسس واضحة يتم من خلالها وضع هذه المناهج أم لا؟. وقالت مصادر مطلعة بوزارة التربية والتعليم ل"آخر ساعة"، إن الحديث عن إدخال تعديلات علي مناهج التاريخ لم يتم إقراره بشكل نهائي وأن ما تم الحديث عنه هو مجرد مقترحات قد تلاقي قبولا سياسيا ومجتمعيا أو لا تلاقي وبالتالي فمن الوارد أن يتم التراجع عنها. وأضافت المصادر، أن الأجزاء المقرر حذفها حال تم التوافق علي ذلك تتعلق بالوحدة الثامنة من كتاب التاريخ للصف الثالث الثانوي والذي يحمل عنوان "ثورتا 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013" وهو الفصل الذي يتضمن سردا للوقائع السياسية التي جرت منذ قيام ثورة يناير وحتي تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، وتضمن الحديث عن اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. وتناول الفصل مقدمات ثورة 30 يونيو وظهور حركة تمرد علي الساحة السياسية لسحب الثقة من »مرسي» والاحتجاجات الشعبية علي سياساته، فضلًا عن بيان الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك يوم 23 يونيو 2013، الذي دعا للحوار الوطني بين القوي السياسية، مرورًا علي بيان القوات المسلحة وعزل محمد مرسي يوم 3 يوليو، وتولي الرئيس عدلي منصور السلطة، وانتهاءً بانتخاب الرئيس السيسي، ووضع مصر علي طريق تطبيق الديمقراطية. وقال ممدوح قدري، مستشار مادة الدراسات الاجتماعية، إن قرار الحذف جاء بعد أن أثار سؤال مادة التاريخ في امتحانات الثانوية العامة والمتعلق بثورة 30 يونيو جدلا بين الطلاب، كما أن الوزارة رأت أن التاريخ بحاجة لأن يري عن بعد حتي يمكن الحكم عليه بموضوعية، كما أن وجود بعض الأحداث الساخنة داخل مناهج التاريخ والتي من المفترض أن توثق لأحداث بعينها ينبغي أن يتم بدقة شديدة حتي لا يتسبب ذلك في تشويه تلك الأحداث. ومنذ اندلاع ثورة يناير تم إدخال خمسة تعديلات علي مناهج التاريخ والتربية والوطنية واللغة العربية، ففي البداية تم حذف بعض الدروس المتعلقة بالرئيس الأسبق حسني مبارك من المناهج الدراسية، ففي مارس 2011، قامت وزارة التعليم بحذف فصل كامل من محتوي النصف الدراسي الأول في كتاب مادة التربية الوطنية لطلاب المرحلة الثانية من الثانوية العامة، وقالت الوزارة في حينها أن هذا الفصل يعرض لعهد الرئيس السابق حسني مبارك بشكل دعائي وليس علمياً، كما تم إلغاء بعض النصوص التي تناولت إنجازات زوجة الرئيس الأسبق سوزان مبارك. ومع قدوم جماعة الإخوان المسلمين إلي الحكم، وتقلد محمد مرسي رئاسة الجمهورية، تم تغيير المناهج مجددًا، وأضيفت عبارة "الإخوان بناة الإنسانية.. الإخوان السبيل للتقدم" علي كتاب اللغة العربية للصف الأول الابتدائي، وبعد الإطاحة بمرسي، عقب ثورة 30 يونيو، تم تعديل كتاب التاريخ للصف الثالث الثانوي ليذكر فترة حكم الإخوان قائلًا: "الجمهورية الجديدة، التي وقعت في يد الإخوان المسلمين بدأت تمارس السلطة بنفس الأسلوب، الذي كانت تمارس به الحكومات السابقة سلطاتها ألا وهو حماية المصالح، التي تعبر عنها بمختلف الوسائل القانونية والاستثنائية وتريد من الجميع الانصياع لها والإيمان بقدرتها علي إنجاز الأمور، وبالتالي فإن الذين يعارضون يدخلون في دائرة التمرد والعصيان ويحق عليهم العقاب". وفي عام 2015 أيضا تم إدخال تعديلات علي مادة التربية الوطنية للصف الثالث الثانوي، حيث تم تعديل الدروس الخاصة بثورة 25 يناير فتم حذف الإضافات التي وضعتها جماعة الإخوان، والتي كانت تهدف إلي تقديم ثورة يناير من وجهة نظرهم، وتحولت تلك الدروس إلي الحديث عن الثورات المصرية بشكل عام منذ عهد الفراعنة وحتي 30 يونيه، وشمل التعديل الإشارة إلي أن مصر شهدت في الأعوام الأخيرة ثورتين الأولي 25 يناير ووصل بعدها الرئيس المعزول محمد مرسي إلي الحكم ثم انحرف مسار ثورة يناير عن المسار الصحيح، فثار الشعب في 30 يونيه لتعديل مسار الثورة. وتضمن كتاب الدراسات الاجتماعية للصف السادس الابتدائي، والذي تم تعديله العام الماضي، وكان الكتاب يتضمن دروسا تمجد في مبارك باعتباره قائد الضربة الجوية والسبب الرئيسي في انتصارات أكتوبر، حيث نصت التعديلات أن الرئيس الأسبق حسني مبارك كان قائدا للضربة الجوية، في حين كان انتصار حرب أكتوبر عام 1973 نتيجة لجهود الجيش المصري ككل، وأشار الكتاب في التعديلات إلي أن ثورة 25 يناير قامت ضد نظام مبارك. ومن جانبه قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب جامعة عين شمس، إن الأزمة الحالية تتمثل في عدم وجود تفرقة علمية بين المادة العلمية التي يجب أن تدرس في مادة التاريخ باعتبارها مادة تاريخية موثقة وبين تدريس مادة التربية الوطنية التي قد يكون جائزا من خلالها سرد الأحداث السياسية لتوعية الطلاب بها. وأضاف شقرة، والذي يعد أحد أعضاء لجان مراجعة كتب التاريخ، إن وزارة التربية والتعليم تضع معايير محددة يتم علي أساسها وضع المناهج، وهذه المعايير تتضمن الأهداف التي ترغب الوزارة في إيصالها من خلال المنهج، وهي معايير تضاهي نظيرتها العالمية، وكذلك فإن الوزارة تعتمد علي تأليف المناهج بنظام المسابقة، وبالتالي فإنها تقيم ما تم وضعه من أحداث. وأشار إلي أن الحديث عن ثورتي يناير ويونيو يعد حديثا تقريريا سرديا للأحداث الجارية دون أن ينحاز إلي طرف علي حساب الآخر لكنه لا يجب أن يكون ضمن مناهج التاريخ التي من المفترض أن يتم وضعها طبقا للوثائق والشهادات التاريخية، وهي وثائق لم تخرج للعلن بالنسبة لأحداث الثورتين، مشددا علي أنه يرفض أن يتم الوصول بمناهج التاريخ بالمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية إلي الأحداث الساخنة التي تشهدها الساحة السياسية. ومن جانبه قال الدكتور علي الشطيبي، أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس، أن أزمة وضع المناهج في مصر بصفة عامة ترتبط بعدم وجود معايير واضحة يتم الاستناد إليها لوضع المناهج، كما أنه حال تواجد هذه المعايير لا يتم الالتزام بها من قبل واضعي المناهج، إذ إن هناك تدخلات كثيرة تجري في مسألة اختيار الكتاب المدرسي منها ما هو سياسي بالدرجة الأولي ومنها ما يرتبط بوجود شبهات فساد حول اختياراتها. وأضاف أن الخطأ الذي وقعت به وزارة التربية والتعليم خلال السنوات الماضية والتي أدت إلي الأزمة الحالية يتعلق باتباعها سياسة "الترقيع" وهو عبارة عن حذف أجزاء من المناهج وإضافة غيرها، دون أن يكون ذلك مرتبطا بإدخال تعديلات جوهرية علي معايير وضع المناهج أو تطويرها، وهو الأمر الذي نتج عنه العديد من الأخطاء التاريخية في بعض المناهج. وأوضح أن سرد الأحداث التاريخية لا ينبغي أن يكون عقب حدوثها بحوالي 25 عاما علي الأقل أو لحين توافر الوثائق التاريخية الخاصة بها، علي أن يكون هناك لجان متخصصة ومستقلة لمراجعتها ووضع الأحداث التاريخية من وجهة نظر توثيقية وليست سياسية. فيما أرجع الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بجامعة عين شمس، الأزمة الحالية إلي ما أسماه محاولة تسييس التعليم من قبل بعض القائمين علي وضع المناهج لمحاباة النظام السياسي الحاكم علي مر العصور، وبالتالي فإن التعامل مع تلك الظاهرة ينبغي أن يكون من خلال عدم التطرق للأحداث التاريخية القريبة والتي مازالت آثارها مستمرة حتي الآن. وأضاف أنه يرحب بوجود أسئلة تقيس قدرات الطالب المعرفية والسياسية داخل امتحانات الثانوية العامة، وإذا كان الحذف بسبب وجود سؤال من هذا النوع فهذا يعني أننا أمام محاولات لتغييب عقول الطلاب، إذ إن المناهج ينبغي أن تقيس مهارات الطلاب علي الإبداع وإبداء الرأي والتفسير، وأن تتحول أهداف المناهج الدراسية من الوصول إلي الامتحان إلي تعلم المهارات الحياتية المختلفة. وأشار إلي أن وضع المناهج التاريخية تحديداً، ينبغي أن يرتبط بأسس ومعايير ومؤشرات لاختيار الموضوعات واختيار المادة العلمية ومعايير التدريس ومعايير الأنشطة والمشكلة أنه في كثير من الأحيان يتجاوز واضعو المناهج هذه المعايير والتي تحدد الابتعاد عن القضايا الشائكة والتركيز علي المهارات الحياتية والتركيز علي إنجازات الماضي وربطها بالحاضر.