أثار مشروع قانون تنظيم عمل الأطباء الذي تقدم به مؤخراً للبرلمان عضو مجلس النواب بسام فليفل، حالة من الجدل، حيث يمنع القانون المقترح الأطباء من الجمع بين العمل في المستشفيات الحكومية والعيادات أو المستشفيات الخاصة، وتنامي الجدل بين مؤيد ومعارض له، بعد موافقة لجنة الاقتراحات في مجلس النواب علي هذا المشروع، فبعض الأطباء رفض الفكرة من الأساس بينما وافق عليها آخرون بشرط الحصول علي أجر مناسب. حالة الجدل تلك، اندلعت في أوساط أصحاب البالطو الأبيض بعد أن تقدم النائب البرلماني بسام فليفل بمقترح قانون يمنع الأطباء من الجمع في العمل بين المستشفيات الحكومية والمستشفيات الخاصة أو العيادات الخاصة مع منح الطبيب مقابلاً مادياً مناسباً نظير عمله بالمستشفي الحكومي، واستند إلي أن ذلك سينظم العمل داخل المستشفيات الحكومية ويمنع إهمال الخدمة الطبية فيها، كما يلزم القانون المقترح الحكومة بربط جميع المستشفيات بشبكة إلكترونية تنظم الكوادر الطبية وتقوم بتوزيعها حسب احتياجات كل مستشفي حسب التخصصات المختلفة، وسد الفائض في المستشفيات الأخري، مع إلغاء نظام "النوبتجيات" في المستشفيات وتنظيم العمل بها علي 3 ورديات، علي أن يكون التوظيف بها حسب حاجة العمل. علي جانب آخر، لاقي مشروع القانون اعتراضاً من قبل الأطباء، خاصة فيما يتعلق بمسألة أن يعطي الأطباء الأجر المناسب في حال تم تطبيق القانون واكتفائهم بالعمل فقط في المستشفيات الحكومية، وهنا كان السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون الأجر بالفعل مناسباً وعادلاً ويوفر للطبيب حياة كريمة ويغنيه عن العمل الخاص أم سيكون مجرد زيادة بسيطة لا تتناسب مع غلاء المعيشة؟! استطلعنا آراء عدد من الأطباء في تخصصات مختلفة بشأن القانون، حيث قال الدكتور محمد حسن، أستاذ طب الأطفال، إن القانون لا يتناسب مع بعض الأطباء وخاصة الشباب منهم، فالطبيب مثله مثل أي مواطن آخر لديه التزامات، وغالبا يلجأ الأطباء إلي الجمع بين أكثر من عمل لسد هذه الالتزامات وتحقيق عائد مادي، بالإضافة إلي أن الطب رسالة في أي مكان هدفها علاج المرضي والقضاء علي أوجاعهم، كما أن الإهمال الموجود في المستشفيات الحكومية يمكن القضاء عليه وتنظيمه بعدة حلول بسيطة كتنظيم الكوادر الطبية بها، لافتاً إلي أن الأجور التي يتقاضاها الأطباء لا تكفي، مرجحاً ألا يكون الأجر العادل الذي سيتم وضعه في حال تطبيق القانون كافياً، لأن الأجور الحالية حتي إن تمت زيادتها فلن تكون مناسبة في ظل حالة الغلاء التي تشهدها البلاد. وأكد أن تطور المنظومة الصحية يأتي بداية من توفير حياة كريمة للطبيب، لأنه إذا وجد الأطباء اهتماماً وتحققت لهم أجور توفر لهم احتياجاتهم سينعكس ذلك علي العمل والمريض الذي سيتلقي خدمة طبية جيدة، وهو ما يوضح عمل معظم الأطباء بالمستشفيات أو العيادات الخاصة، كما أن هناك أطباء يعملون بالخارج، وأطباء طوال حياتهم لم يعملوا سوي بالعيادات والمستشفيات الخاصة، هرباً من منظومة وزارة الصحة والأجور الضئيلة. وتساءل: من أين ستدفع وزارة الصحة هذه الأجور، حال تم تطبيق هذا القانون؟ مضيفاً: الأطباء لديهم ما يكفي من مشكلات كالدراسات العليا التي لم تسددها وزارة الصحة وغيرها، وفي حال تطبيق القانون دون التأكد من الميزانية وإمكانية زيادة الأجور سيكون ذلك بمثابة عبء جديد علي كاهل الأطباء وليس حلاً من المفترض أن يخدم المريض والطبيب معاً. في حين يري د.حسام خليل، استشاري المخ والأعصاب، أن الأجور التي تمنحها وزارة الصحة للأطباء العاملين بالمستشفيات الحكومية ضئيلة وبالتالي فإن المجهود المبذول يكون محدوداً لأنه ليس هناك تشجيع بأي طريقة للأطباء، علي الرغم من أن الأطباء يضطرون للعمل بأكثر من مكان لسد احتياجاتهم، ما يعود علينا بالإرهاق البدني والذهني، وبالتالي فالمشكلة تكمن في الأجور، بينما الوضع مختلف في الدول الأخري حيث يتم إعطاء الأطباء أجورا مرتفعة، وهو ما نتمني تطبيقه لدينا خاصة حتي يمكن أن يتفرغ الطبيب للعمل في المستشفي الحكومي. يتابع: الخوف من أن يحول القانون المستشفيات الحكومية إلي مجرد مبانٍ خالية من الخدمات الطبية والأطباء في حين إذا هرب الأطباء من العمل بها إذا طبق القانون بدون أجر عادي خاصة أن المستشفيات الحكومية يتردد عليها الكثير من المرضي هروباً من ارتفاع أسعار الخدمات الطبية لدي مستشفيات القطاع الخاص، وهو ما يمنح الفرصة للقطاع الخاص في استقطاب المرضي علي الرغم من عجزهم المادي. علي النقيض د.رحب رشوان شعبان الأمين المساعد لنقابة الأطباء، موضحاً أن القانون سيقضي علي التشتت الذي يعاني منه الأطباء بين العمل في المستشفيات الحكومية والخاصة وبين الدراسات العليا للأطباء صغيري السن، وسيجعل الطبيب يعطي كل جهة يعمل بها حقها، لكن يجب التأكيد علي فكرة الأجر العادل، فلابد أن يحقق الأجر الذي يتقاضاه الطبيب عيشة كريمة، وليس مجرد زيادة طفيفة نظير احتكار الطبيب بالعمل في المستشفيات الحكومية، وإلا في هذه الحالة سيهرب الأطباء إلي العمل في المستشفيات الخاصة للحصول علي أجور مرتفعة تناسب حجم مصروفاتهم. يضيف: لم نرفض القانون، كما أننا سبق وقدمنا توصية من مؤتمر النقابات الفرعية وقد اقترحنا فيه تفرغ الأطباء للعمل الحكومي في مقابل إعطائهم أجوراً عادلة من أجل تحسين الخدمات بالمستشفيات الحكومية والاستفادة من مجهود الأطباء، مشيرا إلي تخوفه من عدم تحقيق أجر عادل للأطباء في حال تم التفرغ للعمل الحكومي ذاكراً أنه حتي الآن لم يتم صرف بدل العدوي للأطباء، فكيف سيتم زيادة مرتبات الأطباء وليس أي زيادة بل زيادة عادلة، لافتاً إلي أن الطبيب في هذه الحالة لابد أن يعامل كأي تخصص آخر به تفرغ وترتفع بها الأجور. يتابع: لابد من وضع بنود واضحة لتنفيذ القانون لوضع ميزانية تشمله دون خسائر للأطباء مع وضع أجور عادلة لعدم مخافة القانون بشكل أو بآخر، موضحاً أن ذلك سيعود بالنفع علي الطبيب لأنه سيضمن أجراً عادلاً ويحقق له التوازن في عمله وحياته، وعلي المريض الذي سيقدم له خدمة صحية جيدة، ويتاح له الأطباء بجميع تخصصاتهم بالمستشفيات الحكومية، كما أن ذلك سيحسِّن من خدمة "الطوارئ" داخل المستشفيات حيث سيكون هناك تواجد مستمر للأطباء علي مدار الساعة. في حين قال عصام القاضي عضو لجنة الشئون الصحية بالبرلمان إن المشروع صعب تنفيذه علي أرض الواقع، مشيراً إلي أنه يمكن تحديد عدد ساعات معينة لعمل الأطباء بالمستشفيات الحكومية بالتناوب بين الأطباء للتواجد طوال الوقت بدلاً من التفرغ التام، أو المحافظة علي تفرغ التخصصات الطبية الهامة التي يلزم تواجدها بالاستمرار في المستشفيات والطوارئ، وهذه حلول بديلة أتصور أنها عادلة خاصة في ظل عدم مقدرة رفع وزارة الصحة للمرتبات. مضيفا: إذا كانت وزارة الصحة لم تتكفل حتي الآن بتكاليف الدراسات العليا للأطباء العاملين بوزارة الصحة حسب المادة 20 من قانون 14، فكيف ستقوم بتوفير رواتب للأطباء تكفي احتياجاتهم! مشيراً إلي أنه لابد من توفير رواتب عادلة للأطباء سواء نفذ القانون أو لا. بينما يري د.أحمد شوشة عضو مجلس نقابة الأطباء أن القانون جيد لأنه يوفر علي الطبيب التشتت، موضحاً أن كل ذلك يقع أيضاً علي عاتق المريض والعناية الصحية المقدمة له، فإذا تم التفرغ من قبل الأطباء للعمل بالمستشفيات الحكومية دون غيرها سيعمل بكل طاقته ومجهوده بها وستتحسن الكفاءة الطبية لأنه بجانب ذلك يمكن أن يطلع الطبيب علي كل ما هو جديد بالطب والتشخيص، كما أنه سيكون لديه الوقت للدراسات العليا. يتابع: لا أحد ينكر أن للحصول علي خدمة صحية لابد من تقديم رواتب مستحقة للأطباء، وتوفير المناخ الجيد للعمل وتدريبهم علي النظم الطبية الحديثة، مشيراً إلي أن القانون ينبغي أن يكون لخدمة المرضي قبل أي شيء.