هناك من يتسم بشجاعة العقل، وهناك من يتسم بشجاعة القلب، وهناك من يتسم بشجاعة العقل والقلب معا، أي يتدبر الأمور بعقله، ويتخذ القرار متغلبا علي أوجاع قلبه.. من هؤلاء المتسمات بشجاعة العقل والقلب صفية بنت عبدالمطلب، عمة الرسول [، وشقيقة سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، وأم الصحابي الجليل الزبير بن العوام.. وكانت بجانب ذلك شاعرة تتسم بالجرأة والشجاعة.. فقد قتلت أحد جواسيس اليهود في يوم أُحد، فيروي ابن سعد ما ملخصه أنه كان من عادة النبي [ إذا خرج من المدينة لقتال الأعداء رفع أزواجه ونساءه في أطم حسان بن ثابت، وجاء يهودي يتجسس علي الأطم، فماكان من صفية أن أخذت عمودا وضربت به اليهودي حتي قتلته لجرأته علي نساء النبي [ ومحاولة التجسس عليهن. وفي نفس اليوم فقدت شقيقها الحمزة بن عبدالمطلب الذي استشهد في المعركة، ومثّل بجسده، ولاكت كبده هند بنت عتبة، وكان زوجها أبوسفيان أكثر من زوجته قسوة، فقد أخذ يضرب شدق حمزة بكعب رمحه ويقول: ذق عقق، ورآه الحليس سيد الأحباش فعاتبه علي ذلك، فما كان من أبي سفيان أن خجل من فعلته وطلب منه ألا يذيع بين الناس هذه الزلة!.. وعندما شاهد الرسول عليه السلام مافعله الكفار بعمه حمزة بكي وقال: ماوقفت موقفا أغيظ إليّ من هذا الموقف وأخذ يرثي عمه قائلا: »إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله ياعمي، فقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات، فوالله لئن نصرني الله لأمثلن بسبعين منهم«. ولكن نزل قوله تعالي: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} وآثر الرسول العظيم الصبر.. وكره أن تري صفية بنت عبدالمطلب أخاها حمزة مشوها، وطلب من ولدها الزبير أن يردها عن حمزة، ولكنها قالت لولدها: »ولِمَ وقد بلغني أنهم مثَّلوا بأخي وذلك في سبيل الله، فما أرضانا بماكان من ذلك، وبما أراد الله، والله لأصبرن واحتسبتك عند الله«. ورجع الزبير يحدث الرسول عن شجاعة أمه، فأمره أن يتركها. ولما رأت حمزة استغفرت له وترحمت عليه تم مسحت دموعها وقالت: إن يوما أتي عليك ليوم كدّرت شمسه وكان مضيئا. إنها صفية الشجاعة ذات العقل الراجح والقلب الذكي، والتي رثت والدها عبدالمطلب في قصيدة طويلة، وقد تركها وهي شابة، ومما قالته في هذه القصيدة: فلو خلد امرؤ لقديم مجد ولكن لاسبيل إلي الخلود لكان مخلدا أخري الليالي لفضل المجد والحسب التليد