في أبريل من كل عام تخلع واشنطن عن نفسها رداء الشتاء الثقيل، وتستعد لاستقبال الربيع، وضيوفها الكبار، تتفتح أزهارها ذات الألوان المبهجة، كما يفتح البيت الأبيض أبوابه لاستقبال أبرز قادة العالم. الربيع في واشنطن هذا العام يبدو مختلفا كثيرا، فهو يستقبل أيضا إدارة أمريكية جديدة يقودها الرئيس دونالد ترامب، الذي يبدو نموذجا مختلفا لم تعهده الولاياتالمتحدة من قبل، فأسلوبه في قيادة أقوي دول العالم لا يشبه ال 44 رئيسا الذين سبقوه، والرئيس الخامس والأربعون يأتي برؤية مختلفة لبلاده وللعالم. لذلك فالقمة المصرية الأمريكية بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب، هي قمة تاريخية بكل معني الكلمة، فهي تأتي في ظل مرحلة فارقة في العلاقات بين البلدين بعد صعود وهبوط شهدته خلال العقدين الماضيين، وفي ظل أزمات مشتعلة تعانيها المنطقة، ولا يقتصر لهيبها علي الحدود العربية، بل يمتد إلي العالم كله. والقمة التي استضافها المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، تتجاوز في أهميتها ومضمونها كونها قمة مصرية أمريكية، بل هي قمة عربية أمريكية، فالرئيس السيسي يأتي إلي تلك القمة محملا بالكثير من الآمال العربية في تعاون أكثر قوة مع واشنطن، وتفهم أكثر واقعية لأزمات المنطقة، بعدما أسهمت سياسات الإدارة الأمريكية السابقة في تأزيم الكثير من قضايا المنطقة، وإشعال العديد من الحرائق، التي لايزال دخانها يحجب الرؤية في أفق الشرق الأوسط، ويصيب سكانه وجيرانه بالاختناق الشديد، ولعل الأزمات السورية والليبية أبرز دليل علي ذلك. لكل هذه الأسباب، فإن الإدارة الأمريكية تدرك بواقعيتها المشهودة، مدي احتياجها للتعاون مع القاهرة لانتشال المنطقة من أزماتها، وتحقيق حد أدني من الاستقرار يحقق المصلحة المشتركة للجميع فالمصالح الأمريكية في خطر حقيقي والعرب يجلسون فوق فوهة بركان متفجر من الأزمات السياسية والاقتصادرية، فضلا عن تنامي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، التي تجد لنفسها ملاذا آمنا في العديد من الدول الحليفة لواشنطن، في مفارقة غريبة تستوجب التوقف أمامها. مظاهر الاحتفاء هنا في واشنطن مجرد تعبير عن إدراك واشنطن لأهمية الزيارة الرسمية الأولي للرئيس السيسي إلي البيت الأبيض، فالإدارة الأمريكية الجديدة تدرك جيدا قيمة مصر ورئيسها، وتحتاج إليها كي تعود إلي الشرق الأوسط، بعدما أدركت أنه لا شرق بغير مصر، ولا حلول دون المرور بالقاهرة، فزيارة الرئيس السيسي ليست مجرد زيارة رسمية تقتصر علي لقاءات أركان الإدارة الأمريكية، لكنها انفتاح علي كافة الأطراف الفاعلة في صناعة القرار الأمريكي سياسيا واقتصاديا وفكريا، فالزيارة تضمنت لقاءات مع كبار مسئولي الإدارة والكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ورؤساء عدد من اللجان بمجلسي النواب والشيوخ، بالإضافة إلي مراكز الفكر والأبحاث الأمريكية، ولقاءات مع العديد من الشخصيات الدولية المؤثرة في صناعة القرار الاقتصادي العالمي، مثل رئيس البنك الدولي، ومديرة صندوق النقد ورؤساء كبريات الشركات الاستثمارية الأمريكية.. وهو ما يعكس أهمية الزيارة وتنوع ملفاتها الحيوية، فضلا عن كونها الأطول بين كل زيارات الرئيس السيسي الخارجية منذ توليه المسئولية عام 2014، فالزيارة تستهدف إعادة تأسيس وبناء علاقات متوازنة بين القاهرةوواشنطن، عمادها الاحترام المتبادل، ولغتها المصلحة المشتركة، وهدفها تحقيق الاستقرار الشامل في المنطقة بكافة أبعادها. ترحيب أمريكي كان الرئيس السيسي أحد أوائل الزعماء في العالم الذين اتصل بهم ترامب فور دخوله إلي البيت الأبيض، ووجه الدعوة إليه رسميا لزيارة واشنطن، كما أعرب المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، في أكثر من مناسبة عن الترحيب الأمريكي الكبير بالزيارة، وقال في مؤتمر صحفي قبل ساعات من انطلاق الزيارة »إن ترامب متحمس لاستقبال السيسي في البيت الأبيض، وأنه يريد استغلال الزيارة لإعادة إطلاق العلاقات الثنائية والبناء علي الروابط القوية التي أسسها الرئيسان عندما التقيا للمرة الأولي في نيويورك في سبتمبر الماضي». وأضاف أن »مصر واحدة من الركائز الأساسية للاستقرار في الشرق الأوسط وشريك يعتمد عليه للولايات المتحدة منذ عقود، وأن ترامب يسعي إلي التأكيد مجددا علي التزام الولاياتالمتحدة العميق والمتزايد بأمن واستقرار ورخاء مصر. مشيرا إلي أن الرئيس السيسي اتخذ عدة خطوات جريئة تجاه قضايا حساسة جدا منذ أن أصبح رئيسا في عام 2014، ودعا إلي إصلاح الخطاب الديني وأطلق إصلاحات اقتصادية تاريخية ويسعي إلي إعادة الدور القيادي لمصر في المنطقة، كما قاد حملة لهزيمة التهديد الإرهابي في سيناء». وأضاف: »نحن ندرك جيدا أن اللقاء بين ترامب والسيسي سيكون مجرد بداية لعملية طويلة لتطوير العلاقات التاريخية. ونشعر بالتفاؤل لأننا نسير في الاتجاه الصحيح والرئيس ترامب يتطلع لهذه الزيارة». استقبال غير مسبوق امتد كذلك إلي إجراءات الاستقبال غير المسبوقة في مثل هذه المناسبات، والتي أكد السفير المصري لدي واشنطن »ياسر رضا» وأن زيارة الرئيس السيسي إلي الولاياتالمتحدة تمثل مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الأمريكية وأن التاريخ سيسجلها نظرا لأهميتها البالغة في مسيرة العلاقات بين البلدين. وأضاف أن أهمية هذه الزيارة تتجسد في كونها زيارة رسمية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني من حيث مراسم الاستقبال الرسمي في البيت الأبيض ومأدبة الغداء التي أقامها الرئيس دونالد ترامب علي شرف الرئيس عبدالفتاح السيسي، فضلا عن المباحثات المطولة التي أجراها الزعيمان والتي تناولت العلاقات المصرية الأمريكية علي جميع المستويات إضافة إلي الأوضاع في الشرق الأوسط وعلي رأسها القضية الفلسطينية. وأوضح أن أحد جوانب أهمية هذه الزيارة كونها الأولي لرئيس مصري منذ عام 2009، وأن هناك توافقا واضحا في رؤية الزعيمين السيسي وترامب لأولويات العمل في المرحلة المقبلة، وبخاصة في مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الثنائي الاقتصادي. الزيارة ركزت كذلك، إلي جانب العلاقات الثنائية والتعاون المشترك، علي العديد من الملفات الإقليمية التي أشار السفير علاء يوسف المتحدث باسم رئاسة إلي أنها تضمنت أبرز التحديات في منطقة الشرق الأوسط، وهناك تحديات مشتركة تواجهها مصر مع الولاياتالمتحدة وعلي رأسها تحدي الإرهاب، حيث كانت الزيارة فرصة لإطلاع الجانب الأمريكي علي مواقف الجانب المصري ورؤية مصر لسبل حل هذه المشكلة التي أصبحت آفة يجب العمل علي القضاء عليها من خلال جهد دولي واستراتيجية شاملة، لا تقتصر فقط علي الجوانب الأمنية والعسكرية وإنما تغطي أيضا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية. كما ركزت الزيارة والحديث لايزال للسفير علاء يوسف علي إبراز أن القضية الفلسطينية ستظل القضية الرئيسية لمصر وتحتل مرتبة متقدمة في السياسة الخارجية المصرية، وقد ركز الرئيس السيسي في كافة لقاءاته مع الشخصيات السياسية في الإدارة أو في الكونجرس علي تلك القضية وأشار إلي أن مصر لم تدخر جهدا علي مدي سنوات طويلة من أجل العمل علي التوصل إلي تسوية شاملة وعادلة تقوم علي قيام دولة فلسطينية علي حدود الرابع من يونيو 1967 . وأضاف المتحدث أن القضايا الإقليمية مثلت كذلك عنصرا رئيسيا في مباحثات السيسي في الولاياتالمتحدة لإطلاع المسئولين الأمريكيين علي موقف مصر الداعم للتوصل إلي تسوية سياسية للأزمات في المنطقة باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء العنف ووقف إراقة الدماء، فضلاً عن التأكيد علي موقف مصر بضرورة اعتبار كل التنظيمات المتطرفة في المنطقة وجه واحد بمسميات مختلفة. مكافحة الإرهاب الحرب علي الإرهاب كانت واحدة من أهم القضايا التي شهدت اتفاقا بين الرئيسين السيسي وترامب، فمصر لا تحتاج إلي دليل يثبت جديتها في مواجهة تلك الآفة العالمية الخطيرة، فقد كانت مصر ولا تزال واحدة من أكثر دول العالم التي عانت من الإرهاب، وتواجه حاليا حربا حقيقية في سيناء. وكانت واحدة من أهم الأولويات التي أعلنها الرئيس الأمريكي منذ الحملة الانتخابية، هي مكافحة الإرهاب، والتصدي لكل تنظيمات التطرف والعنف، وإذا ما استجابت الإدارة الأمريكية للرؤية المصرية في هذا الشأن يمكن أن تكون الحرب علي الإرهاب أكثر فاعلية وقدرة علي اجتثاث تلك التنظيمات من الأرض العربية، ومحاصرتها علي المستوي الدولي.