في ثورات الربيع العربي يأتي الصيف ساخنا حاملا أحداثا جساما تهدد مساراتها من تونس إلي مصر ثم إلي اليمن وليبيا وسوريا التي لم تكتمل ثوراتها بعد، المعضلة أنه في اليوم التالي للثورة التي توحدت فيها الصفوف للمطالبة بإسقاط النظام تبدأ مرحلة جني الثمار وكأن الثورة قد حققت أهدافها ويبدأ كل فصيل في مراجعة مواقفه ومصالحه وعرض أيدلوجياته علي الساحة السياسية ومحاولة فرضها علي الجميع، يبدو المشهد أشبه بمن يبني علي أنقاض البناء القديم دون إزالته حتي القاع لوضع أساسات جديدة، الثائر الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا قال في رسالته لثوار مصر وتونس "إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم"!! المشكلة هي سعي أطراف المشهد السياسي لجمع المغانم قبل أن يهدأ غبار المعركة أو تجف دماء الشهداء وتوزيع التركة قبل دفن الميت، من هنا تبدو وقائع ونتائج الثورات العربية غيرمكتملة وغير محققة لهدفها رغم ماقدمته من تضحيات وأثمان باهظة حالات الارتباك وضياع البوصلة في طريق ما بعد إسقاط رأس النظام هي السائدة في الثورات العربية، الحالة التونسية مازال التخبط في الرؤي وترتيب أولويات المرحلة الانتقالية هو السائد كما في الحالة المصرية لكن الأخيرة بصورة أعمق وأكثر تشعبا وتعقدا، التشابه في التجربتين أنهما أسقطتا رأس النظام دون أن تزيلا باقي أركانه فمازال الرجلان داخل المشهد دون أن تطالهما يد العدالة جراء ما ارتكب في عهديهما ومازالت بقايا نظامهما تتحرك من وراء الستار وبمساندة بقايا الفاسدين والذين يأكلون علي كل الموائد !! أما في حالات ثورات ليبيا واليمن وسوريا فلا يبدو في الأفق القريب أنها في طريقها للحسم، عبد الله صالح متمسك بكرسي الحكم في اليمن حتي بعد محاولة اغتياله وعودته للبلاد قريبا ستعيد الأمور للمربع الأول مع اتجاه الثوارلتشكيل مجلس انتقالي، ونفس الحال في ليبيا التي تشكل فيها مبكرا مجلس انتقالي يخوض معارك ضارية للوصول للهدف النهائي باقتحام العاصمة طرابلس وإسقاط نظام القذافي الذي مازال يتمسك بالزحف بالملايين لمطاردة الجرذان والخونة، أما سوريا فصورة صارخة لقمع شعب بلاهوادة ولارحمة من نظام ورثه الابن عن أبيه بدأ المواجهة مع شعبه بلغة الرصاص الحي والإبادة مكفولة للجميع !! لكن بالعودة للحالة المصرية وخصوصياتها نجد أن ثمة أزمة شديدة الوطأة تواجهها البلاد بعد سقوط رأس النظام ، الفكرة الجامعة تراجعت ليحل مكانها انقسامات بين التيارات القومية والإسلامية والفرز السياسي والأيدلوجي والطائفي وتوجه كل فصيل لمحاولة إثبات وجوده وقدرته علي الحشد وتوزع شباب الثورة بين هذه القوي وفتح مزاد إنشاء الأحزاب والائتلافات ومع تلك الفوضي العارمة بدأت حملات التشويه والتخوين والابتزاز والإقصاء بين هذه الأطراف وتصيد كل طرف لهفوات وأخطاء الآخر!! مشكلة العربي أو المصري أنه لايفكر في أبعد من مسافة قدمه أو ظله وأنه ترك للنظام الذي يحكمه مهمة أن يفعل له كل شيء لكنه فعل به مايشاء، وعندما أسقط النظام وقف المواطن تائها ومتسائلا من أين يبدأ وكيف تسير حياته بعد سقوطه؟! نحن نعيش الآن مرحلة مابعد سقوط الاستبداد ومشكلة من يتصدرون الساحة الآن أنهم يعلون مصالحهم وأيدلوجياتهم علي حساب مصالح الوطن إلي درجة الاستبداد والمتاجرة بدماء الشهداء، يتحدثون عن الديمقراطية ولايرضون بما ستؤول إليها من نتائج ويتكلمون عن القانون والدستور عندما يخدم أجنداتهم الخاصة عبر أصوات زاعقة وبألسنة حداد في الفضائيات والصحف التي تخدم توجهاتهم وعبر حملات التمويل والدعم سواء كان من الخارج أو الداخل لايهم. كما لايدركون أن هناك من يتربص ببلدهم وغيره من قوي دولية لاتريد أن تقوم له قائمة ولا استقرار حتي نظل في فلكها مابقيت الحياة بل ويمضي البعض عن قصد أو حتي دون ذلك لتمرير مخططات هذه القوي في أن تظل مصر بلدا هشا في مكانته ودوره خاضعا لها كما كان نظامها كنزا استراتيجيا للدولة العبرية ! لانريد أن نستبدل نظاما مستبدا بآخر أو أن تحكمنا أشباح الماضي ولانريد أن يمارس البعض وصايته علي الآخرين سياسيا وإعلاميا وفكريا نريد خداما للشعب لاحكاما مستبدين به، وهناك قوي وطنية مخلصة وشرفاء أيديهم طاهرة غير ملوثة برائحة الماضي الكريهة لكن أصواتهم لاتسمع وسط هذا الضجيج والصخب حيث الحناجرالتي تسبق العقول، فلنواصل هدم ماتبقي من النظام القديم دون أن يشغلنا ذلك عن بناء كيان جديد قائم علي مباديء الحرية والكرامة والعدالة وكفانا تلك العقود الطويلة من القهر والاستبداد والطغيان !!