يستهلك إبراهيم لطفي نحو 55 لتراً من البنزين يومياً، خلال رحلة عمله اليومية من محافظة المنوفية إلي القاهرة (ذهاباً وإياباً) بخلاف تحركاته طوال اليوم داخل العاصمة. الصدفة البحتة قادته إلي التعرف علي الباحث محمد صالح، الذي نجح في ابتكار شكمان موفر للطاقة بنسبة تصل إلي 50% ليستهلك المشوار الطويل الذي يقطعه إبراهيم يومياً بعد تركيب الشكمان الجديد نحو 30 لتراً فقط. في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المصريون نتيجة الإجراءات الحكومية التي اتخذتها الحكومة قبل نحو شهرين وأبرزها خفض قيمة الجنيه أمام الدولار، ورفع الدعم عن المحروقات، تبدو الفكرة العبقرية التي صممها ونفذها المهندس والباحث في مجال الميكانيكا محمد صالح (50 عاماً) في غاية الأهمية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار البنزين والسولار، وتوقف شركة »أرامكو» السعودية عن إمداد مصر بجزء من احتياجاتها البترولية، في إطار ما يفسره البعض ب»توتر العلاقات بين القاهرة والرياض» علي خلفية موقف البلدين المتنافر بشأن القضية السورية. وفيما كانت »آخرساعة» تبحث عن أصحاب الاختراعات والابتكارات التي أثبتت جدوي كبيرة في خفض استهلاك المواد البترولية، نجحنا في الوصول إلي »صالح» المشهور في منطقة عين شمس بالقاهرة بلقب »المهندس»، حيث يتواجد الرجل في مكتب متواضع في منطقة شعبية، بعيداً عن أنظار الحكومة التي يبدو أنها لا تريد الالتفات إليه. المهندس الذي يقول إنه »داخ السبع دوخات» لتوصيل فكرته إلي المسئولين بغرض تعميمها علي جميع السيارات في مصر، أكد ل»آخرساعة» أن هدفه الرئيس كان العمل علي تحقيق إنجاز يسهم في خفض استهلاك المواد البترولية إلي النصف والاستفادة من الميزانية الضخمة التي تُنفق سنوياً لتوفير المحروقات، وتوجيهها إلي الموازنة العامة للدولة للاستفادة منها في إنجاز مشروعات خدمية في مجالات أخري مهمة مثل التعليم والصحة والإسكان. وحين فشل صالح في الوصول إلي الرئيس عبدالفتاح السيسي أو رئيس الحكومة شريف إسماعيل، لعرض فكرته التي يمكن تحويلها إلي مشروع قومي ضخم يوفر مليارات الدولارات لخزانة الدولة، قرر تنفيذ »الشكمان الموفّر» علي نفقته الخاصة، وسجل الفكرة كعلامة تجارية في وزارة التموين والتجارة الداخلية، تحمل اسم »UF»» وهي اختصار »الشركة العالمية للشكمانات والفلاتر الحديثة»، وبدأ تصنيع أعداد محدودة من الشكمانات لبيعها حسب الطلب. لكن خلال الأيام الماضية اتفق المهندس صالح مع الهيئة العربية للتصنيع علي إنتاج الشكمان الموفر بعد إجراء الأبحاث اللازمة عليه وثبوت كفاءته، بحيث يتم إنتاج هذا الشكمان بالشراكة بين الهيئة العربية والتصنيع والشركة العالمية للشكمانات والفلاتر الحديثة، متوقعاً أن يُطرح الإنتاج في الأسواق بعد شهرين، بسعر يبدأ من 700 جنيه للسيارة الملاكي الصغيرة ويتضاعف حسب حجم السيارة سواء كانت نصف نقل أو أتوبيس أو غيره، لافتاً إلي أن الهيئة نفسها بدأت تنفيذ الفكرة في أسطول سياراتها الضخم. قصة محمد صالح بدأت في العام 1984 حين حصل علي دبلوم الصنايع قسم »تركيبات ميكانيكية»، ثم تخرجه في الجامعة العمالية قسم »ميكانيكا الجودة» عام 1990? ويتذكر كيف كانت لديه العديد من الأفكار التي لم يتمكن من تطبيقها عملياً بسبب ضعف إمكانيات البحث العلمي في مصر، وعدم الاهتمام بذوي العقول الابتكارية حسب قوله. يتابع: كانت لديّ أفكار لم تُطبق، مثل مولد كهرباء يعمل بكمية محدودة من الطاقة، كما نجحت في استخراج مادة من قش الأرز بديلة للأسمنت لتصنيع قالب طوب، وفي فترة لاحقة وتحديداً عام 2007 كنت أعمل علي فكرة بيئية، وكان هدفي الأساسي هو كيفية التخلص من العوادم والاستفادة الكاملة منها، وسجلت الفكرة في وزارة البحث العلمي، كما حصلت علي حق الملكية الفكرية من وزارة التجارة.. أما عن الفكرة الجديدة فيقول: قسّمت الجهاز إلي ثلاثة أقسام »السيارات ،والمصانع التي تعمل بالحريق، ومصانع الأسمدة والأسمنت»، وتمكنت من استعادة الغبار الناجم عن عملية الاحتراق، من خلال عملية تدوير تتيح إعادة إنتاجه مرة أخري، وهذا في حالة مصنع للأسمدة، وتتجلي أهمية هذه الفكرة بالنظر إلي أن المدخنة الواحدة في المصنع تفرز نحو 6 أطنان من الغبار المتطاير في الساعة. الأمر ذاته ينطبق علي المصانع التي تعمل بالمازوت والسولار، حيث يتم تحويل الكربون المتطاير إلي غاز طبيعي، مشيراً إلي أنه نجح في تحضير كمية كبيرة من غاز الهيدروجين من هذه العوادم ويتم ضغطه مع الكربون في درجة حرارة معينة مع إضافة مادة حفَّازة فيتحوَّل إلي غاز الميثان وهو الغاز الطبيعي، وهي فكرة معروفة عالمياً، لكن الجديد الذي نجحت فيه هو تطبيقها بأقل الإمكانيات. يواصل: أما الشكمان فكانت فكرته مكملة لفكرة فلتر المصانع، وبدأت بابتكار جهاز يوضع داخل السيارة، ثم تم التطوير من جهاز منفصل إلي وضعه داخل الشكمان نفسه في علبة واحدة، وطبقت التجربة عملياً عام 2005 علي 7 سيارات خاصة، وكانت النتيجة توفير استهلاك البنزين بنسبة 25% ومع تطوير الفكرة وصلت النسبة حالياً إلي نحو 50%. كان ضرورياً أن نعرف من المهندس صالح ما إذا كانت فكرته خضعت لاختبارات من جهات ذات حيثية، وهو ما أكد علي حدوثه فعلياً، حيث يقول: بدأت التجارب رسمياً عام 2012 مع مركز البحوث الفنية والمعايرة بالقوات البحرية، إلي أن أصدر تقريراً عام 2015 مفاده أن الشكمان المبتكر يوفر من 17 إلي 20% من الوقود المستخدم في السيارة، وتم عمل تجربة بمولد MTU تمرسيدس كان استهلاكه 4 آلاف لتر يومياً، وبعد تركيب الشكمان الجديد انخفض الاستهلاك إلي 2500 لتر. الفكرة الجديدة لا تخفض معدلات استهلاك الوقود فقط، بل إن لها فوائد علي مستوي البيئة، نظراً لتقليل نسبة العوادم الناتجة عن عملية الحرق، وفي سبيل إثبات ذلك فإن صالح يقول: »ذهبت إلي وزارة البيئة في نوفمبر الماضي بعدما أجرت الوزارة تجاربها علي الشكمان، لكن لم يتم إصدار تقرير رسمي لتوضيح النتائج حتي الآن، لكنهم أبلغوني شفهياً فقط أنه حقق نتائج جيدة، من بينها تقليل نسبة غاز BM10 (أحد الغازات الصدرية العالقة المسببة لأمراض السرطان وثقب الأوزون)». بعض الأفراد والجهات الخاصة والحكومية طبقت الفكرة في سياراتها، من بينهم إبراهيم لطفي، الذي تصادف تواجده في مكتب المهندس صالح وقال لنا: »تأكدت بنفسي عملياً من قدرة علبة الشكمان الجديدة علي توفير استهلاك البنزين، فالمسافة التي كنت أقطعها من المنوفية إلي القاهرة ذهاباً وإياباً يومياً بخلاف تحركاتي داخل القاهرة طوال اليوم كانت تستهلك (تانك) كاملاً أي حوالي 55 لتراً، بينما بعد تركيب الشكمان الجديد أصبحت السيارة تستهلك حوالي 30 لتراً»، في حين قامت مدرسة خاصة في منطقة النزهة بمصر الجديدة بتركيب علبة الشكمان الجديدة في جميع حافلات نقل الطلاب، وكذلك معهد الطلائع الأزهري بجسر السويس، ومؤسسة الأهرام وشركة طنطا للزيوت وتم حتي الآن تركيب الشكمان في 6 أتوبيسات تابعة لشركة النقل العام بمحافظة القاهرة. وفي تجربة أجريت قبل نحو 3 سنوات، يشير المهندس صالح إلي أن أتوبيس النقل العام كان استهلاكه في شهر أبريل 2014 حوالي 3672 لتراً، وبعد تركيب الشكمان الجديد انخفض إلي 2734 لتراً فقط، وأن اللتر الواحد كان يحقق 1.34 كيلومتر، بينما بعد تركيب الشكمان أصبح يحقق 2.71 كيلومتر، وأصدرت هيئة النقل العام إحصائية بهذه النتائج، تنشر »آخرساعة» نسخة منها. ويؤكد المهندس صالح أنه اعتمد علي خامات محلية في تصنيع الشكمان الموفر، حيث يقول: »الخامة الأساسية هي الصاج الذي يخضع لعملية معالجة ليصبح أقوي وأشد صلابة من المستورد إلي جانب مواد أخري أضفتها تعمل عي تخفيض درجة الحرارة، ويتم مزجها في الصاج نفسه بأسلوب المعالجة، وهذا الشكمان يؤدي أيضاً إلي رفع كفاءة الموتور نظراً لأنه يسحب العادم سريعاً وهذا هو السر في تقليل معدل استهلاك الوقود.. وأخيراً يؤكد المهندس صالح أنه تلقي عروضاً للسفر إلي دول عربية وأجنبية لتطبيق الفكرة هناك وإنتاجها بشكل احتكاري، لكنه رفض ذلك وأكد أنه متمسك بأن يتم ذلك في بلده فقط، ولا مانع لديه من إرسال طلبيات إلي أي دولة لكن دون الكشف عن سر عمل هذه الشكمانات المتطورة، متمنياً أن تتبني الدولة هذه الفكرة وتعميمها علي جميع المركبات والمصانع لتوفير المليارات التي يتم إنفاقها علي المحروقات.