من خطر يتهدد وليدها، في بلد غريب هي، تتلفت حولها في قلق يليق بامرأة تعرف سر ابنها، كانت هذه هي حالة السيدة مريم العذراء عندما دخلت مصر هربا من اليهود الذين بحثوا عن ابنها ليقتلوه، جاءت إلي مصر بحثا عن الأمان، والظل الذي تحتمي به من غدر بني جنسها، وتركت في مصر الكثير من العلامات التي تدل علي رحلتها المقدسة، وكانت الشجرة العتيقة إحدي أبرز العلامات التي تركتها العذراء قبل أن تعود بابنها إلي فلسطين. تعتبر شجرة السيدة مريم من الآثار القبطية المقدسة، وهي محاطة بسور كبير يتوسطه حديقة، في منطقة المطرية، التي تعود بتاريخها القديم إلي عصر الفراعنة عندما كانت مدينة خاصة بالكهنة المصريين العلماء الذين ذاع صيتهم في تدريس جميع العلوم في شتي فروع العلم والمعرفة، لكن التاريخ القديم للمدينة نسخ بزيارة السيدة مريم وابنها المسيح عيسي، فأصبحت أكثر شهرة بسبب مجيء العائلة المقدسة إلي مصر ومروا بتلك المنطقة، وتركوا خلفهم الشجرة العتيقة كتذكار للرحلة المقدسة التي جاءت بأمر إلهي. "آخر ساعة"، كان لها جولة حول الشجرة وفي تاريخ الرحلة. ذكر المؤرخ العلامة تقي الدين المقريزي أن العائلة المقدسة حطت في منطقة المطرية، بالقرب من المنطقة المعروفة بعين شمس، وهناك استراحت مريم العذراء بجوار عين ماء وغسلت ثياب المسيح، وصبت غسالة الماء بتلك الأراضي، فأنبت الله فيها نبات البلسان، ولايوجد إلا بهذه المنطقة فقط، ولذلك يعد من الهدايا الثمينة التي ترسل إلي الملوك والسلاطين، وتحولت المنطقة إلي مزار سياحي بعد إقبال الناس من المسلمين والمسيحيين علي التبرك بأثر العائلة المقدسة. ولاتزال الكنيسة القبطية تحتفل بذكري هذه الواقعة كل عام، لأنها تذكار دخول السيد المسيح أرض مصر، حيث إنها أول بلد استضافت العائلة المقدسة عند هروبها من ظلم هيرودس ملك اليهود لأنه أراد أن يقتل المسيح طفلا حيث علم أن هناك مولودا قد ولد وسوف يكون ملكا علي اليهود فخاف علي مملكته فأمر بقتل جميع الأطفال الذين في منطقة بيت لحم مولد المسيح، فجاءت العائلة المقدسة إلي مصر مكونة من يوسف النجار ومريم العذراء والمسيح طفلا، ولما شعروا بمطاردة رجال هيرودس لهم وقربهم منهم اختبأوا تحت هذه الشجرة فانحنت عليهم بأغصانها، فأصبحت هذه الشجرة محلا للبركة. وفي أثناء الحملة الفرنسية علي مصر عرج الجنود الفرنسيون في طريقهم علي تلك الشجرة وكانوا قد أصيبوا بالطاعون فوجدوا زلالا أبيض يخرج منها فمسحوا به علي أجسامهم وشفاهم الله في نفس اللحظة، بعدها قرروا كتابة أسمائهم بأسنة سيوفهم علي تلك الشجرة المباركة ، كما أن بركات السيدة العذراء كانت قد حلت علي البئر المجاورة للشجرة والتي ارتوت منها هي وطفلها. وظلت هذه الشجرة الأصلية التي استراحت عندها العائلة المقدسة كما هي لفترة طويلة، حتي أدركها الوهن والضعف وسقطت عام 1656 فقام جماعة من الكهنة بأخذ فروع من هذه الشجرة وقاموا بزرعها بالكنيسة المجاورة والمسماة بكنيسة شجرة مريم، ثم نمت الشجرة وتفرعت ومنذ فترة قريبة تم أخذ فرع من هذه الشجرة و زرعها ملاصقة للشجرة الأصلية العتيقة وهي عامرة بالأوراق والثمار ويذهب الناس اليها ليتبركوا بها وخاصة النساء اللائي لا يحملن، ويحرص سكان المنطقة علي رؤيتها سواء مسلمين أو مسيحيين. تقول أم إسلام، وتسكن بجوار منطقة الشجرة: "إننا كنا حريصين علي رؤيتها، كأثر من الآثار، فدخلنا لنري ما هذه الشجرة، التي ارتبطت بالسيدة مريم، التي نحبها كمسلمين ومسيحيين وشاهدنا البئر أيضا"، أما ماري عماد طالبة بالمرحلة الثانوية، فقد دخلت إلي المكان مع أختها الكبري التي تأخرت في الإنجاب لتنال معها البركة. وتحدثنا مع مديرة منطقة الشجرة مارسيل حلمي فقالت: إن المكان الآن مزار سياحي تابع للدولة يدخله المسلمون والمسيحيون بعد دفع التذاكر المفروضة، فهناك من يأتي للزيارة فقط من أجل رؤية المكان كأثر، وهناك من يأتي للبركات سواء من المرضي أو ممن يعانين مشكلة في الحمل،لأن السيدة مريم جلست تحت هذه الشجرة وشربت من البئر فعمت البركة في المكان".