تتنسم الرباط عبق التاريخ.. وتحافظ علي تراثها القديم وتعتز وتحتفظ وبه.. التاريخ ليس مجرد ماض بل حكايات وأسرار تروي تخفي في طياتها »سحر« وغموض وجمال .. ودلال.. للمدينة خمسة أبواب عتيقة قديمة.. لعل أهمها »باب الرواح« الذي يخترق السور الحصين للمدينة القديمة .. وقد شيد عام 7911 علي يد الخليفة الموحدي »أبو يوسف يعقوب بن يوسف«.. ويعتبر من أفخم الأبواب الخمسة، التي تحيط بسور المدينة، ويبلغ ارتفاعه 21 مترا.. وطوله 82 مترا .. وهو يحظي بشهرة عالمية حيث يقام به الكثير من المعارض الفنية. وعلي مدي غير بعيد من السور .. تقع »صومعة حسان« شاهدا علي تاريخ المدينة.. وقد شيدها السلطان »يعقوب المنصور الموحدي« وكانت هذه الصومعة الضخمة جزءا من مسجد كبير لكنه تعرض للاندثار علي إثر زلزال ضخم ضربه عام 5571م. وصومعة حسان مربعة الشكل ولا يوجد مثيل لها سوي شقيقتيها »صومعة الكتبية« بمراكش .. و»الخيرلدا« بإشبيلية.. وهذه الصوامع الثلاث أطلق عليهن لقب »الشقيقات« الثلاث لتطابق بنائهن المعماري والزخرفي.. والصومعة مربعة الشكل يصل علوها إلي 44 مترا.. وقد زينت واجهاتها الأربع بزخارف ونقوش مختلفة علي الحجر المنحوت وذلك علي النمط الأندلسي. وقد أغلقت الصومعة من الداخل ومنع الصعود إلي أعلاها لأنها شهدت حالات كثيرة من الانتحار. وتقف الصومعة شامخة في مواجهة المحيط حيث يراقب الأهالي وصول السفن القادمة بالأحباب والخير. وفي حرص شديد علي الاحتفاظ بالتراث القديم.. فقد حرصت مدينة الرباط علي تجميع الحرفيين للصناعات اليدوية التقليدية في مجمع بمتحف »الأوداية«.. وهو مبني قديم يعود للقرن السابع وفيه يعرض أيضا الخزف الذي تشتهر به الرباط.. والحلي والمجوهرات والملابس القديمة. والحق إن للرباط سحرا خاصا .. هي وأهلها الطيبون. أحمد البوعناني اسم كبير في عالم السينما والفن والثقافة كرمه هذا العام مهرجان الرباط السينمائي الدولي لسينما المؤلف.. وقد توفي أحمد البوعناني في شهر فبراير الماضي.. ولم أوفه حقه في ذلك الوقت لأنه بالتأكيد تقصير مني فلم أعلم ذلك الخبر ربما بسبب انشغالنا في مصر عن كل ما يدور حولنا في العالم، ولهذا كل التعازي عبر هذه الصفحات حتي لو جاءت متأخرة لزوجته الفنانة القديرة »نعيمة سعودي« والتي أسعدتني الظروف بلقائهما مع ابنتهما الوحيدة في عام 2002 وكنا أيضا في مهرجان الرباط الذي كان يكرم »البوعناني« والفنان المصري عادل إمام ورغم الحب الكبير الذي يكنه أهل المغرب لمصر وفنانيها وعادل إمام إلا أن التصفيق الحاد المتواصل الذي حصل عليه أحمد البوعناني كان يفوق كل وصف.. ولقد كان لي شرف لقائه وإجراء حوار معه ومع زوجته نشر بآخر ساعة في ذلك الوقت وهو المقل في أحاديثه.. وفي افتتاح المهرجان عرض فيلم تسجيلي عنه يحمل آراءه وفلسفته في الحياة. وأحمد البوعناني واحد من جيل الرواد في المغرب.. يوم قرر أن يدرس الفن في نهاية الخمسينات وبداية الستينات.. كان ذلك حدثا فريدا.. وبالفعل سافر إلي فرنسا ليعود ويقدم أول شريط سينمائي قصير هو »طرفاية« أو مسار شاعر.. وإن كان قبل ذلك شارك في كتابة الحوار لفيلم »وشمة« للمخرج حميد بناني .. وقد عمل البوعناني في المونتاج بالمركز السينمائي المغربي كأستاذ تتلمذ علي يديه عدة أجيال من المخرجين المغاربة. وقد اختار أحمد بوالعناني أن يبتعد عن المدن الصاخبة واختار الصحراء الواسعة فشيد منزلا فيها علي الطراز العربي.. كان هو ملاذه .. وسيظل فيلمه السراب الذي أخرجه عام 97 علامة بارزة في تاريخ السينما المغربية. وإذا كان أحمد البوعناني قد اختار في عزلته الابتعاد عن السينما إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة، وهو بالمناسبة يكتب بالفرنسية، وقد شرفني في لقائي القديم معه بإهدائي روايته »المستشفي« التي تعد تحفه أدبية بحق. ولقد كان أحمد البوعناني رحمه الله شديد البساطة.. والتواضع.. في حديثه السابق.. أذكر قوله: أنا أنتمي لجيل عاش فترة رخاء ثقافي وسط تيارات سياسية متعددة .. وإذا كنت يوما انتميت لتيار اليسار فإن أشياء كثيرة أشعرتني بخيبة أمل، من أجلها قررت أن أبتعد عن الناس برفقة صديقي الوفي »القلم« وشجعني علي ذلك موافقة أسرتي الصغيرة. أحمد البوعناني رحل في هدوء.. وهو الذي لم يكن يحب الترحال والسفر .. ولم يملك يوما جواز سفر، لأنه كان يحلم بوطن عربي كبير بلا حدود .. فاكتشف أن هذا وهم مستحيل.. فكان قراره ألا يقف في الصفوف للحصول علي »تأشيرة« دخول لأي بلد مهما كان .. وقد وفي بوعده.. »فرحيله« عن دنيانا لم يكن يحتاج جواز سفر .. بل سكينة في الانتقال .. دعوات له من محبيه وتلامذته.. بالإضافة لعلمه الذي ينتفع به الكثيرون. أما الفنانة القديرة ثريا جبران فلم تسمح ظروفها الصحية بأن تأتي لحضور تكريمها ونحن وجمهورها ندعو لها بالشفاء.. فهي فنانة شديدة التميز.. وقفت علي خشبة المسرح لسنوات وأثرت السينما بأعمالها العديدة.. وثقافتها ونشأتها جعلت جلالة الملك »الحسن الثاني« يمنحها وسام الاستحقاق الوطني. كما أنها اختيرت وزيرة للثقافة وظلت تباشر عملها حتي تعرضت لأزمة صحية عنيفة جعلتها تعتذر عن الوزارة.. دعواتنا لها بالشفاء وأن تعود لجماهيرها في العالم العربي التي تحبها وتحترمها. ❊❊❊ في هذه الدورة تم تكريم السينما السورية.. وقد شارك وفد كبير في هذه المناسبة علي رأسه الأستاذ يوسف من مؤسسة السينما السورية.. وقد تم توقيع اتفاقية توأمة.. وتآخ بين المهرجانين وذلك لتفعيل الدور الثقافي والفني للمهرجانات والسينما والفن بوجه عام.. والاهتمام بالفيلم العربي وتوزيعه في كلا البلدين.. وباليت يكون هذا التعاون سمة مشتركة بين جميع البلدان العربية كلها.. وفي إطار هذا التعاون تم تفعيل لقاء مديري ورؤساء المهرجانات العربية الذي شهدت الرباط أولي دوراته عام 7002.. وبعدها أصبح هذا اللقاء سنويا سواء في القاهرة أو الرباط.. والحقيقة كان اللقاء مثمرا بما تناوله من أفكار لدعم المهرجانات العربية.. كما كان الاهتمام كبيرا بعمل »ويب سايت« لكل المهرجانات العربية.. وكذلك الاهتمام بالمهرجانات العربية التي تقام في أوروبا.. وقد كان من بين الحضور طاهر حوشي عن مهرجان جينيف.. ورشيدة من مهرجان الفيلم العربي ببروكسل. وقد شارك في هذا اللقاء كل من د.عبدالحق منطرش رئيس مهرجان الرباط.. سهير عبدالقادر مهرجان القاهرة. د. صالح مهرجان دبي.. الأستاذ يوسف مهرجان دمشق السينمائي بالإضافة لعدد من الفنانين المغاربة.. والإعلاميين. وبمناسبة الحديث عن الإعلاميين فإنني أود أن أنوه وأحيي العزيزة »بوسي شلبي« في متابعتها للمهرجانات .. وأمسك الخشب علي نشاطها وتواجدها وعملها الدؤوب طيلة الوقت. لقد كان السفر إلي الرباط متعة حقيقية.. لكن المتعة الأكبر كانت في الصحبة الجميلة للوفد المصري بأكمله فتحية لهم جميعا.