"كلما تنفرج أزمة تأتي أخري لتهدد استقراره ومكانته وتثير الأقاويل من حوله" هكذا بات حال صندوق النقد الدولي ورئيسه السابق الفرنسي دومينيك ستراوس كان.. فمازال مقعد رئاسة صندوق النقد الدولي يعاني عدم الاستقرار بالرغم من تعيين كريستين لاجارد الفرنسية أيضاً خلفاً لستراوس، الذي أضر بسمعة النقد الدولي عقب إلقاء القبض عليه في مايو الماضي في نيويورك علي خلفية اتهامه بجريمة أخلاقية كانت في طريقها للغلق بإسقاط التهم إلا أن الصحفية الفرنسية تريستان بانون تقدمت ببلاغ جديد ضده تتهمه فيه بمحاولة الاعتداء عليها جنسيا عام 2002 وفي نفس الوقت أرجأ القضاء الفرنسي هذا الأسبوع قراره إلي أغسطس القادم حول فتح تحقيق مع لاجارد لتورطها في قضية فساد و استغلال نفوذها عام 7002. ستراوس كان ولاجارد كلاهما شغل منصب رئيس أقوي مؤسسة مالية عالمية وتولي كل منهما وزارة الاقتصاد في فرنسا. ولكن هناك فارقا كبيرا بينهما فالأول، الأستاذ الجامعي والأكاديمي دخل السياسة من بوابة اليسار الاشتراكي الساعي إلي التوفيق بين الاشتراكية واقتصاد السوق ونجح وزيراً ورئيساً لصندوق النقد بعيداً عن الفضيحة التي أطاحت بمستقبله السياسي والتي مازال حولها شكوك بأنها مدبرة ضده من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نظراً لكونه أول المستفيدين من إخراج ستراوس كان وإبعاده عن السباق الرئاسي خاصة أن كل استطلاعات الرأي كانت تشير إلي أن ستراوس كان هو الفائز في انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2102 فقبل اعتقاله بسبب الاتهامات المزعومة، كان مدير صندوق النقد الدولي السابق يثير قلق المعسكر الرئاسي بسبب قدراته الشخصية وخبرته الوزارية والدولية وإمكانية تحقيق التوافق حول شخصه داخل الحزب الاشتراكي رغم كثرة المتنافسين. وفي الوقت الذي كانت تتجه فيه قضية ستراوس كان إلي إسقاط التهم وإلغاء إخضاعه للإقامة الجبرية وشرط الكفالة المالية مقابل الإفراج بعدما تبين للمدعي العام أن الضحية صرحت بأقوال متضاربة تضعف مصداقية التهمة. إلا أنه لا يزال يواجه سبع تهم تتراوح بين محاولة الاغتصاب والاعتداء الجنسي، خاصة بعد قيام محامي الصحفية الفرنسية تريستان بانون برفع دعوي قضائية ضده. واعتبر ستراوس كان أن ما روته بانون خلال مقابلة تلفزيونية عام 7002 ثم علي موقع أجورافوكس عام 8002 أقوال "خيالية"، مؤكداً أنه كلف محاميه بالإعداد لرفع دعوي ضد السيدة بانون بتهمة الافتراء، لكن هذه القضية تلقي بثقلها بشكل إضافي علي الحزب الاشتراكي، لا سيما بعد فرضية عودة ستراوس كان إلي خوض الانتخابات التمهيدية، لتعيين مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية. ففي حال ثبوت اتهامات بانون علي ستراوس سيواجه حكماً بالسجن يتراوح بين 01 إلي 51 عاما.ً وإذا ثبتت براءته أو أسقطت عنه كافة التهم من قبل القضاء الأمريكي فإنه سيعود منتصرا وسيستطيع كما يقترح وزيرالثقافة السابق جاك لانك أن يعود إلي فرنسا وهو يتمتع بشعبية أوسع مما كانت لديه في السابق. بينما يشعر جانب آخر من أنصار الحزب الاشتراكي بالقلق إزاء السمعة السيئة التي ستتركها القضية علي السياسة الفرنسية والأضرار التي يمكن أن يسببها كشف حياته الشخصية ومواقفه تجاه النساء. لذا وحتي يستغل الحزب الاشتراكي مكانته بكونه المنقذ ضد ساركوزي، أعلنت مارتن أوبري عن ترشيح نفسها في الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي، ولكن هناك اتفاقية بينها وبين ستراوس يمكن أن تتنحي جانبا بموجبها لصالحه في حالة عودته، كل هذه القضايا تعتمد علي موقف الإدعاء العام وفيما إذا كان سيسير بالدعوي حتي إيصالها إلي المحكمة أو إسقاط كافة التهم ضده. فإذا سارت الأمور في الاتجاه الأخير، ماذا سيكون موقف الشعب الفرنسي خاصة أن التهم لا تزال قائمة ضده، فإن انصارا من الفرنسيين يعتبرونه ضحية بريئة لمؤامرة بل وبطلا. سيلفي بيير بروسوليه محررة الشؤون السياسية في المجلة الاسبوعية لي بوينت تقول بأنها تشعر بأن كل شيء ممكن، وأضافت قائلة إن عودة ستراوس ربما سينظر إليها من قبل الفرنسيين كبطل أسيئت معاملته أو تم إهانته من قبل نظام القضاء الامريكي، والكثير من الأمور ستعتمد علي ما إذا كان اليسار الفرنسي لا يزال يعتبره المنقذ ضد ساركوزي الذي قلب عليه الطاولة الآن علي الرغم من دعمه له عام 7002 لرئاسة صندوق النقد الدولي. مثلما فعل مع لاجارد المحامية، التي تنتمي إلي اليمين المعتدل الذي يري بأن الليبرالية هي المحرك للاقتصاد. ففي عام 5002 تولت وزارة التجارة الخارجية في حكومة رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان وظلت تشغل هذا المنصب حتي تولي ساركوزي الرئاسة عام 7002 وعينها حينها وزيرة الاقتصاد. ورغم التعديلات والتغييرات الوزارية فإن لاجارد ظلت في منصبها طيلة أربع سنوات، مما يعكس ثقة ساركوزي بها وتعويله عليها خاصة بعد إدارتها للأزمة الاقتصادية عام 8002 التي كشفت عن مواهبها وكفاءاتها رغم أنها ليست خبيرة مال أو اقتصاد. واليوم وبعد توليها مديرة الصندوق فإنها تري أن أولي مهامها إعادة ترميم صورة صندوق النقد التي أصابتها مغامرات المدير السابق رغم أن إدارته لها خلال السنوات الثلاث الماضية كانت ناجحة وساهمت في تحديثها وفتحها أمام الدول الناشئة ودول العالم النامي، إلا أنها لن تستطيع القيام بذلك لأنها هي الأخري تجر وراءها فضيحة قد تنفجر بوجهها سريعاً جداً ووجه فرنسا هي الأخري إثر تورطها في قضية معقدة تواجه لسنوات بموجبها رجل الأعمال والوزير السابق برنار تابي والدولة، المالك السابق لبنك كريدي ليونيه. وعرفت القضية تطورا سيئا بالنسبة للوزيرة السابقة عندما أصدر مدعي عام محكمة التمييز جان لوي نادال في مايو الماضي قراراً أحال بموجبه القضية إلي محكمة عدل، المخول لها محاكمة وزراء علي وقائع تمت خلال توليهم مهامهم، طالبا منها النظر في سوء استغلال لاجارد سلطاتها ونفوذها في قضية برنار تابي والتي كان محددا لها 8 يوليو الحالي، إلا أنه تم إرجاء التحقيق إلي 4 أغسطس القادم. وفي حال قررت المحكمة السير بالتحقيق فسيكون وضع لاجارد حرجاً منذ بداية ولايتها لصندوق النقد، فماذا عليها أن تفعل؟ هل ستحسن صورتها أم تزيل الصورة السيئة التي تركها ستراوس؟. وكانت النيابة العامة قد اعتبرت أن هناك دوافع كافية للتحقيق حول لاجارد التي استغلت سلطتها في تسوية قضية معقدة تشمل تابي، ولوضع حد لإجراءات قضائية طويلة ومعقدة، فلجأت لاجارد إلي لجنة خاصة بدلاً من الاستناد إلي القضاء العام. وأتي الحكم الصادر عام 8002 عن تلك اللجنة لصالح تابي الذي من المفترض أن يحصل علي 002 مليون يورو علي الأقل من الأموال العامة. وتأخذ النيابة العامة علي لاجارد لجوءها الي تحكيم خاص بينما الأمر يتعلق بأموال عامة. وتواجه لاجارد في حال إدانتها باحتمال الحكم عليها بالسجن لخمس سنوات وبدفع 57 ألف يورو غرامة. ورغم معرفة الدول الكبري كالصين والولايات المتحدة وبريطانيا بقضية لاجارد إلا أنهم دعموها وأعلنوا موافقتهم علي ترشيحها وتسهيل وصولها إلي إدارة صندوق لأنهم لا يرون خطرا من ذلك علي مصالحهم. وفي المقابل يري المرشح الرئاسي السابق فرانسوا بايرو أنه في حال استدعت محكمة عدل الجمهورية مديرة الصندوق للمثول أمامها فإن ذلك سيضر من مكانة فرنسا في المحافل الدولية. ويري معلقون آخرون أن احتمالا كهذا يأتي عقب الاستقالة الإجبارية لمدير فرنسي سابق للنقد الدولي بسبب فضائح جنسية من شأنها الحط من اسم ومكانة فرنسا علي الصعيد العالمي.