في عام 1847 وضع محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة حجر الأساس لكوبري »القناطر الخيرية» ليفتتحه عام 1867، ويظل إلي يومنا هذا شاهدا علي منظومته في الري واحترامه لمياه النيل. ما يقرب من 150 عاما والكوبري يطل علي النيل كتحفة أثرية معمارية فريدة لا يمكن تقديرها بمال.. وظل لعشرات السنين صامدا في وجه الإهمال الذي كشر عن أنيابه من بعد رحيل السادات الذي كان يقيم كل جمعة في استراحة الرئاسة المقامة علي ضفة النيل ويسير عليه ليعبر إلي الضفة الأخري. ومنذ عام تقريبا وضع أحد الإرهابيين 4 قنابل بدائية الصنع وقام بتفجيرها داخل عيون القنطرة، وكل ما استطاعت أن تفعله الجهات المعنية هو وضع أحجار ضخمة أغلقت مداخل ومخارج الكوبري دون أي معالجة لآثار التفجير التي تضعف من الكوبري يوما بعد آخر خاصة بعد استغلال البلطجية وتجار المخدرات وتحويله كل مساء إلي غرزة تفوح منها روائح كريهة في غياب الحراسة. يروي عبد الرحمن شلبي 61 عاما - ميكانيكي موتوسيكلات - من أحد سكان المنطقة قصة حادث التفجير الذي شهدته القنطرة أو كوبري القناطر القديم منذ عدة أشهر فيقول: كنا نجلس علي القهوة بجوار الكوبري في العاشرة والنصف مساء وفوجئنا بصوت أربعة انفجارات يفصل بين كل منهم دقيقة مما أدي لانهيار أربع عيون، وهو ما جعل وزارتي الآثار والري يتخذان قرارهما بغلق الكوبري تماما أمام الدراجات والدواب التي تمر من فوقه عن طريق وضع أحجار ضخمة تغلق المدخل والمخرج وكأنهم لا يعرفون أن هذه الأحجار تمثل حملا ثقيلا علي الكوبري المتهالك. يتحسر شلبي علي الأيام التي كانت تكتظ فيها المنطقة بالسائحين الذين يلتقطون صورا تذكارية ويقيمون بالقرية السياحية التي أغلقت أبوابها بعد توقف السياحة، ويتذكر عندما كانت الدولة مهتمة بالمكان فكان أي حجر يصاب بأذي يتم تغييره خاصة في أثناء حكم الرئيسين عبدالناصر والسادات الذي كان يسير علي الكوبري ليذهب إلي المسجد في الناحية الأخري. ويضيف: كان السادات أثناء ترميم الجامع يقف بجوار بوابة الكوبري ويصلي فوق حصر وضعه الأهالي لهذا الغرض. ويصف الشيف محمد أحمد أحد سكان المنطقة الكوبري الذي يقع بمنطقة المناشي بالقناطر بأنه روح المكان وقد أثر إغلاقه علي »الأرزقية» ممن كانوا ينقلون البضائع عن طريقه من وإلي البلد، حيث كان بمثابة باب رزق للكثيرين وإغلاقه أعطي إيحاء بأن القناطر بأكملها لا تعمل. ويعبر عن حزنه بسبب »البارومة» التي تمكنت من حديد الونش والبوابات والسور المتهالك الذي كان الفسحة الوحيدة للشباب في الصيف وكانوا يطلقون عليه »مصيف الغلابة». ويشير بيده علي إحدي الأشجار علي ضفة النهر وهو يخبرنا أنها الشجرة التي سقط من فوقها عبد الحليم حافظ في فيلم »شارع الحب» ليخرج من الماء بعد ذلك بدون لحية أو شارب وتكتشف صباح خدعته.. رحل عبد الحليم وصباح وبقيت الشجرة تعاني الإهمال. وعن أكوام الأخشاب المتراكمة داخل يقول محمد إنها مصدر رزق لأشخاص يبيعون الحلوي والمسليات والشاي والقهوة للناس ليلا,.. لكن الأمر لا يخلو من وجود أشخاص آخرين يأتون إلي المكان ليدخنوا الحشيش ويتعاطون المسكرات. وحول ذلك يخبرنا فتحي محمد إسماعيل - نائب رئيس مناسيب - بالقنطرة أنهم المسئولون عن تغيير البراميل التي تهدف لحماية الكوبري من الضرب، ويقول: بعد إغلاقه لم يأت أحد من وزارتي الري أو الآثار للمتابعة أو المعاينة. ويري عبدالباسط عبدالنعيم - رئيس مناسيب - أن هناك الكثير من السلبيات ولكن لا حياة لمن تنادي، ويستكمل: بعد أن وضعت وزارة الآثار يدها علي الكوبري لم يعد بيدنا أي شيء نقوم به، فالترميم من اختصاصها. ويوضح اللواء ياسر عبد الحكيم رئيس مركز ومدينة منشأة القناطر أنه تم عقد اجتماع تنسيقي منذ ما يقرب من الشهر بين مركز المدينة ووزارتي الآثار والري لتجميل الكوبري وبالفعل أرسل للمحافظ الخطة كاملة خاصة أن تكلفتها ستكون عالية جدا، لافتا إلي عدم توافر ميزانية لذلك. من جهته قال المهندس وليد حقيقي المتحدث الرسمي بمكتب وزير الري إن القنطرة منشأة تتبع وزارة الآثار منذ عام 2009 ولم تعد الوزارة مسئولة عنها، وآخر ترميم قامت به الوزارة لمنطقة القناطر كان عام 1987، والآثار هي المسئولة حاليا بشكل كامل عن المنطقة، وما نسأل عنه القناطر الجديدة فهي التي تقع تحت مسئولية وزارة الري. ويوضح د. عادل محمد الجندي مدير عام ري القناطر الخيرية هذه المنطقة تسمي القناطر الخيرية التي تم بناؤها عام 1847 وافتتحت في 1867 وهي من أنشأها محمد علي بنفسه، وسميت علي اسمها القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، وقد سلمت هذه القنطرة لوزارة الآثار وهي صاحبة الولاية عليها حاليا. ويؤكد أنهم لا يستطيعون البدء في أي ترميم من تلقاء أنفسهم بمواد مختلفة عن التي يستخدمها خبراء الآثار وهم يمنعون تماما أي جهة كالمحافظة أو مجلس المدينة أو وزارة الري من التدخل في ترميم أي أثر تابع لها فيعتبرها من الأشياء التي تحتاج لما يملكونه من تقنيات وفنيات. ويوضح د. السعيد حلمي عزت رئيس قطاع الآثار الإسلامية أنهم عرضوا أفكارا هائلة وخطة كاملة واضحة ومحددة لترميم القناطر بأكملها وكانت قنطرة محمد علي جزءا أساسيا من الخطة وتم عرضها علي محافظ القليوبية الذي أشاد بها، ولكن المشكلة حدثت بعد تغيير المحافظين وعندما يذهب واحد ويأتي آخر تتغير معه كل الخطط والسياسات والأساليب، ولم نحصل علي رد حتي الآن علي الخطة من المحافظ الجديد ولم نعقد معه أي اجتماعات ولكننا ننوي القيام بزيارة له لتذكيره بالخطة. ويؤكد أن القانون يلزم الجهات التي يجب أن تساهم في عمليات الترميم بالمشاركة في التمويل، وهذا الكوبري عنصر من عناصر وزارة الري ولا يجوز أن يخرج من تحت سيطرتها. ويري سامح الزهار الباحث الأثري بوزارة الآثار أن هناك العديد من الآثار الإسلامية تحتاج لحلول سريعة ومباشرة في ترميمها وصيانتها، وبما أن وزارة الآثار هي وزارة تمويل ذاتي أي أنها تقوم بالإنفاق علي عمليات الصيانة والترميم من مواردها المالية التي أصبحت لا تكفي مرتبات موظفيها فلا يمكن توفير اعتمادات مالية لكل المشروعات القائمة . ويوضح أن لكوبري القناطر الخيرية أهمية كبيرة حيث قام محمد علي باشا بتشييده لربط محافظة القليوبية ممثلة في مدينة القناطر ومنشأة القناطر التابعة لمحافظة الجيزة. وتعاني الآثار من مشكلات كثيرة ومن ضمنها هذا الكوبري فتداخل الاختصاصات بين الجهات المعنية والوقوع في مناطق مأهولة بالسكان لابد أن يكون بالتنسيق بين عدد من الوزارات والهيئات المعنية وعلي رأسها المحليات ووزارة الري. وعند حدوث أي كارثة تمس الآثار فيجب الانتقال علي الفور الإدارات المتابعة الفنية الخاصة بالمنطقة الأثرية بجانب التفتيش المختص ومتخصصي الصيانة والترميم من قطاع المشروعات وإدارة الأزمات، بالإضافة لضرورة تواجد كل الأطراف المعنية علي الفور بعد وقوع أي حادث في حالة عدم التواجد فهذا يعتبر تقصيرا في العمل قد يؤدي إلي تفاقم الكارثة وهذا ما عهدناه طويلا في عهود سابقة ويتم حتي الآن في بعض القطاعات.