كارمن.. الغجرية المتمردة التي كتب قصتها الفرنسي بروسبر سيريجيه والتي صاغها لحنا الفرنسي جورج بيزيه لتصبح من أكثر أوبرات العالم شعبية.. والتي حملت طابعا إسبانيا رغم أصولها الفرنسية الواضحة.. عادت بعد غياب ثمانية أعوام حيث نجحت دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة إيناس عبد الدايم في التعاقد مع فرقة أنطونيو جاديس الإسبانية الشهيرة لتقديم عرض باليه كارمن في أربع حفلات متصلة كان المسرح فيه كامل العدد. كارمن هي غجرية تؤمن بحرية جسدها.. تتنقل كالفراشة. لا تعرف قيدا ولا تعترف بحاجز.. يقبض عليها الشرطي (دون جوزيه) عندما ضربت زميلاً لها بالسكين وشوهت وجهه.. لكن كارمن تغري دون جوزيه بأن يتركها تهرب.. مقابل ليلة هوي تقضيها معه، ويوافق المسكين الذي سقط في شرك هواها ولا يكتفي بليلة حب واحدة.. بل إنه يهجر جهاز الشرطة الذي ينتمي إليه ويحيا مع عشيقته حياة الخارجين علي القانون.. والمهربين، والهاربين من وجه العدالة. لكن بينما يزداد حب جوزيه لكارمن والذي يدفعه إلي هجران خطيبته البريئة والجميلة.. فتبدأ كارمن.. في الإحساس بضرورة التحرر من قيد هذا الحب الذي يرهقها ويمنعها من مزاولة حريتها الكاملة. لذلك تحاول قطع علاقتها بدون جوزيه.. وإقامة علاقة أخري مع مصارع ثيران شاب أثار إعجابها. ولكنها هذه المرة تدفع حياتها ثمنًا لتحررها. قدمت كارمن »ازميرالدا مانزاناس» في الفرقة ستيلا أراوثو.. وهي الوحيدة في فرقة جاديس التي تلعب هذا الدور ولا أحد غيرها.. أما دور دون جوزيه الذي لعبه ميجويل لارا فإنه تحول إلي الراقص الأول بالفرقة أدريان جاليا الذي يتمتع بوسامة ظاهرة ورشاقة جسدية نادرة، تساعده علي القيام بأصعب حركات الكوريجرافيا التي صممها المبدع الكبير أنطونيو حاديس. صمم الرقصات والإضاءة كل من أنطونيو جاديس وكارلوس، جيرو رودريجز في دور مصارع الثيران وميجيل أنجيل روخاس في دور الزوج . إضاءة مدهشة.. وتوزيع رائع للراقصين.. وتصميم رقصة المعركة بين كارمن وغريمتها التي ترتدي الثوب الأخضر.. مشهد لا ينسي.. تتوالي بعده المشاهد الراقصة بصورة متصاعدة تجريد دون جوزيه من رتبته ولحاقه بكارمن.. ثم ليلة الهوي الأولي.. واستخدام المرايا الكاشفة في الديكور بمهارة وذكاء.. وإعطاء المشهد كله هالة من الشبقية الجنسية الملتصقة دائمًا بشخصية كارمن ثم تحول دون جوزيه إلي قاتل، ومعركته مع زوج كارمن.. وظهور مصارع الثيران وافتتان كارمن به.. وغيرة دون جوزيه التي تؤدي به إلي قتل معشوقته. عرضت أوبرا كارمن لأول مرة في أوبرا كوميك بباريس في مارس 1875 لكنها لم تلق النجاح في وقتها بعد أن شجبها النقاد واعتبروها غير أخلاقية وسطحية تتعارض مع الفضيلة العليا. وقد مات بيزيه حزنا وشعورا بالمذلة وإحساسه بالفشل وتوفي عن 37 عاما من دون أن يعلم أن عمله سيتحول فيما بعد إلي واحد من أكبر الأعمال الفنية في مجال الأوبرا. وأغلب الظن أن سبب فشل الأوبرا وقت عرضها كان بسبب شخصية كارمن نفسها لأنها لم تكن من النوع الذي يألفه جمهور الأوبرا وقتها خصوصا السيدات ثم موضوع الأوبرا نفسه فلم يكن من المنتظر أن نشاهد مثلا عراكا بين رجلين، ولم يدم فشلها كثيرا إذ سرعان ما انقلبت إلي نجاح رائع وأصبحت من الأوبرات العالمية العشرة الأولي، واعتبرت محطة فاصلة في تاريخ الأوبرا الفرنسية، بل وواحدة من أجمل وأشهر الأعمال الفنية العالمية التي سحرت الناس بإيقاعها. اشتهرت كارمن بأنها أكثر أوبرا شعبية في تاريخ الموسيقي إلي يومنا هذا وقد تميزت بين جميع الأوبرات بإيقاعها المتناغم وبلحنها الحيوي. وطورت أسلوب الغناء المتحد مع الأوبرا مما أتاح للمغنين إبراز أصواتهم بقوة أعلي من الآلات الموسيقية المصاحبة.