خالد الإسلامبولي .. قاتل السادات حي لم يُعدم .. رآه البعض في أفغانستان وآخر رآه في روسيا وثالث في أمريكا أما رقية ابنة الرئيس الأسبق فرأته في مكة.. نظرت إليه عرفها وعرفته فاضطرب وأسرع مختفيا. روايات أخري تتابعت فضلا عن هذه الواقعة لتدفع رقية لتقديم بلاغ للنائب العام تتهم فيه الرئيس السابق مبارك بتورطه في اغتيال والدها.. حملت ما اعتبرته أدلة ومستندات كان من بينها تسجيل صوتي للدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس أكد فيه أنه التقي بسجين اعترف له بأن خالد الإسلامبولي لم يعدم وإنما تم إعدام آخر بدلا منه. ومرة أخري تتدافع الروايات أخطرها ماتردد حول صفقة ماتمت بين مبارك وأحد الأمراء السعوديين عرض عليه ألا يتم إعدام الإسلامبولي مقابل سداد نصف ديون مصر!! خطورة مايتردد دفعت أستاذ التاريخ للتوقف.. لم يكن من السهل عليه إغفال الروايات المتناثرة.. فمنهج البحث العلمي وأمانته التعامل مع أي منها باعتبارها صحيحة حتي يثبت العكس.. يعترف الدكتور جمال شقرة أن حجم الفساد الذي ارتكبه النظام السابق جعله لا يستبعد صحة الروايات.. التي تدفع كلها لإثارة الشكوك حول إعدام الإسلامبولي وتزيد الغموض حول مصيره وتفرض الاتهامات حول المتورطين بتهريبه.. كل ذلك دفعه للرجوع إلي أجندته الزرقاء التي يدون فيها المعلومات المهمة والتي تحمل صفحتها قدرا من المعلومات ربما يسهم في فك رموز قضية اغتيال السادات. ❊ سألته في البداية عن الروايات التي تتردد حول مصير خالد الإسلامبولي وهل تعد وثيقة يمكن الاعتماد عليها لفتح ملف اغتيال السادات؟ مهمة المؤرخ إعادة قراءة الأحداث.. فنحن نعيد قراءة التاريخ ولا نكتبه لأنه كتب من قبل الذين صنعوا الأحداث.. لكن قد تظهر لنا بعد ذلك أجزاء تم إخفاؤها إما بالتزوير أو المبالغة أو بتعمد تمزيق الوثائق وتدميرها وإحراقها.. وظهور جانب أو أكثر من هذه الأجزاء يدفعنا لإعادة قراءة الأحداث. ❊ ما الذي دفعك لإعادة قراءة عملية اغتيال السادات والبحث عن مصير خالد الإسلامبولي؟! هو مايدفع أي باحث يهتم بجمع الوقائع والجزئيات المتناثرة هنا وهناك ثم يقوم بجمعها ونقدها.. فمهمتنا عدم إغفال أي وثيقة سواء أكانت مخطوطة أو رواية شفهية أو مذكرات أو ذكريات شهود عيان.. وكلها تستوي عند الباحث من حيث الأهمية.. يتعامل معها علي أنها حقيقية حتي يثبت العكس. ❊ معني ذلك أن أي رواية حتي لو شفهية يمكن أن تكون وثيقة؟! تعريف الوثيقة هي أي نص يعثر عليه حتي لو وجد بجوار الحائط أما أهميته فتعتمد علي قدر ما يحمله من حقائق.. ومع إخضاع هذه الوثائق للبحث تقترب تدريجيا من الحقائق وإن كنا بالطبع لا نصل إليها كاملة. الأمر نفسه ينطبق علي المذكرات أو الروايات الشفهية نتعامل مع أصحابها علي أساس أن ما يكتبونه أو يرددونه هو الصدق إلي أن يتبين لنا عكس ذلك. ❊ علي هذا الأساس تعاملت مع رواية السجين الذي إلتقيته؟! بالطبع.. خاصة وإن مادفعني لعدم إغقال شهادته الآن ذلك الكم من الفساد الذي عشنا فيه ولم نكن ندري به أو كنا ندري ومع ذلك صمتنا حوالي 03 عاما.. هذا الفساد هو ماجعلني أقرب للإيمان بأن تلك الروايات التي تتردد حول مصير خالد الإسلامبولي بها قدر ما من الصحة. ❊ ماهي تفاصيل تلك الروايات ؟! الأولي سجلتها عام 68 بينما كنت أزور مستشفي الأمراض النفسية بالعباسية مع جمعية البحث الجنائي لكلية حقوق عين شمس وهناك إلتقيت بهذا الشاهد الذي صدمني باعترافه أن بعض النزلاء يتم إخضاعهم لعمليات جراحية للحصول علي أعضائهم وتقديمها لأولاد الذوات وكبراء البلد ليمتد بها أعمارهم علي حساب أعمار الفقراء نزلاء مستشفي الأمراض النفسية. ليس هذا فقط بل إن بعض هؤلاء المرضي النفسيين يتم إعدامهم شنقا بدلا من الكبار وعلية القوم ممن تورطوا في جرائم وحوكموا بموجبها بالإعدام.. لكنهم بالطبع ينجحون في الإفلات من العقوبة وتنجو رقابهم من حبل المشنقة ويتم تهريبهم للخارج بينما تنفذ أحكام الإعدام علي هؤلاء المساكين من المرضي النفسيين الفقراء بالطبع ممن لاحول ولاقوة لهم ولا سند ولا ظهر يحمي حقوقهم المهدرة وآدميتهم المنتهكة بل وأعمارهم المستباحة. ❊ هذا عن الرواية الأولي ماذا عن الثانية؟! الرواية الثانية تكمل الرواية الأولي وتفاصيلها جاءت عندما إلتقيت سائق تاكسي أخبرني أنه كان أحد نزلاء السجن الحربي في نفس الوقت الذي سجن فيه خالد الإسلامبولي ورفاقه هذا السائق كان قد تهرب من التجنيد ساعده علي ذلك أحد الفاسدين من رجال الحزب الوطني أوهمه بإمكانية إعفائه من الخدمة بشهادة كانت مضروبة وتم كشفها وقبض علي صاحبها وحكم عليه بالسجن. دخل صاحبنا السجن الحربي ولأنه كان دمث الخلق وهادئ يتسم بالدبلوماسية الشديدة اكتسب ثقة الجميع وأسند إليه عمل مهم داخل السجن هو ما يطلق عليه »جمع يومية السجن« ومعناها المرور علي العنابر ليتمم علي المساجين. وأثار انتباهه أثناء قيامه بذلك العمل اليومي أنه في اليوم المحدد لخروج خالد الإسلامبولي ورفيقه لتنفيذ حكم الإعدام عليهما خرج اثنان من المسجونين الذين ينتظرون أيضا تنفيذ حكم الإعدام عليهم.. وهو ما أثار انتباهه. وعندما ذهب لنائب مدير السجن سأله الأخير عما إذا كان قد لاحظ شيئا غريبا فرد عليه بأنه لاحظ خروج الاثنين المركونين المنتظرين لحكم الإعدام في نفس توقيت خروج الاسلامبولي ورفيقه.. وهو ما أثار شكوكه فما كان من نائب مدير السجن إلا أن نهره بشدة وقال: لا تتكلم في هذا الموضوع وإلا تعرضت لأذي شديد.. فما كان من صاحبنا إلا أن صمت وحاول نسيان ما رآه وتجاوز ما استوقفه حتي قرأ في الصحف ما يتردد عن وجود خالد الإسلامبولي في أفغانستان ثم في روسيا وبعدها بأمريكا وأخيرا ظهوره في مكة وهي الرواية التي حكتها رقية إبنة السادات. ❊ وهل يكفي هذا لإثارة الشكوك حول مصير الإسلامبولي؟! بالطبع فطالما أن هناك روايات جديدة تخلق ظلالا من الشك يحق لنا طرحها وعدم تجاهلها فربما تستفز هذه الروايات شهود عيان آخرين فيتقدموا للإدلاء بدلوهم.. ومن هنا تكمن أهمية طرح هذه الروايات خاصة أنها تبدو منطقية ولايمكن إغفالها في ظل كم الفساد والجرائم التي إرتكبها النظام السابق. ❊ وماهو تفسيرك لرواية السجين وإذا كانت صحيحة لماذا تم التعامل بهذه الطريقة مع خالد الإسلامبولي بينما عبود الزمر ظل بالسجن ولم يفرج عنه حتي بعد إنتهاء مدة عقوبته ليظل فيه حتي وقت قريب؟! ربما لأن عبود كان قد فصل علي عكس خالد ورفيقه، وربما أيضا لأن الاتفاق كان بعيدا عن عبود، وفي لعبة السياسة تسود البراجماتية والانتهازية، فنجا خالد ورفيقه ولم يلتفت أحد للزمر ومن الجائز أنه لايعرف أي معلومات عن هذا الأمر من الأساس. ❊ ومن في رأيك سعي لإنقاذ الإسلامبولي من حبل المشنقة؟ هناك رواية تتعلق بأحد الأمراء السعوديين عرض علي مبارك تسديد نصف ديون مصر مقابل نجاة الإسلامبولي .. ولا نعرف بالضبط هل دفعت بالفعل هذه الأموال؟ وأين ذهبت في حال ما إذا كانت قد دفعت؟! هل سدد بها ديون مصر أم أنها تشكل جزءا من المليارات التي تكدست في رصيد مبارك. ❊هل مازالت لديك روايات أخري تزيد من شكوكك حول مصير قاتل السادات؟ نعم وهي تتعلق بما صرحت به والدة خالد الإسلامبولي من أنها تريد جثة ابنها.. لتضيف بروايتها تلك المزيد من الشكوك وتتضافر مع الحكايات الأخري لتجعل قضية الإسلامبولي وأيضا مقتل السادات مثار جدل يحتم علينا إعادة القراءة والبحث والكشف عن ملابسات ماحدث وحقيقته. ❊ لكن هناك علي الجانب الآخر من أكد علي إعدام الإسلامبولي منهم علي سبيل المثال أحد القناصة الذين شاركوا في تنفيذ الحكم؟ من الخطأ الركون إلي شهادتهم وحدهم ونغفل في نفس الوقت شهادة آخرين أكدوا أن خالد مازال حيا.. خاصة أمام ما يتردد من أن وجهي المسجونين اللذين نفذ فيهما حكم الإعدام كانا مغطيين ومن ثم تثار الشكوك حول إمكانية استبدالهما بآخرين ويظل معها الجدل حول مصير الإسلامبولي مستمرا. ❊ وكيف نحسم هذا الجدل ونغلق الباب نهائيا أمام الشكوك؟ الحل الوحيد في نظري يكون بإجراء تحليل D.N.A علي رفات الإسلامبولي فإذا ثبتت أنها لخالد عندها سنصمت جميعا ويغلق نهائيا هذا الملف. ❊ وأين هذه الرفات التي تتحدث عنها؟! يقولون إنهم دفنوها في الصحراء ومن قام بدفنه يمكنه إخراج الجثة وإجراء التحليل عليها. ❊ وحتي يتم ذلك يبقي الحديث عن صفقة ما تمت بين مبارك وآخرين؟ الحديث عن صفقة بين مبارك والاسلامبولي أو بين مبارك وأحد الأمراء السعوديين يدخل في إطار الاجتهاد وإبداء الرأي لكنه بالطبع لا يعد موثقا.. لكن ألا تعتقدين أمام كل هذا الفساد الذي تكشف لنا أخيرا أن إبرام مثل هذه الصفقة أمر مستبعد وهل يمكن أن نتعجب لو عرفنا أن مبارك حصل علي مليارات في مقابل إفلات قاتل السادات من العقاب. ❊ أراك تميل لقبول فكرة الصفقة؟ لا أستطيع بحكم عملي الميل إلا لما أعتبره حقيقة لكن كل ما أحاول عمله هو طرح الروايات المختلفة حتي تستفز آخرين للبحث والتأكد.. وربما أدفع أيضا بأحد أبنائي لدراسة هذه القضية وأعتقد أن ذلك سيفتح الباب أمام حقائق جديدة. ❊ لكني أعتقد أن قبول حدوث مثل هذه الصفقة التي تتحدث عنها تحتاج لمزيد من الأدلة ومبررات الإقناع؟ سؤالك يجرنا إلي قضية أخري وهي المتعلقة بالاتهام؟ الموجه لمبارك بالتآمر أو المشاركة في اغتيال السادات وهنا أيضا أسوق لك العديد من الروايات التي تشير إلي هذا التآمر وتؤكد أن لمبارك مصلحة في التخلص من السادات، أولها أنه عرف أن الرئيس السادات سيقيله من منصبه، هذه المعلومة وصلت إليه قبل اغتيال السادات بشهر. ثانيا ماتردد حول أن مبارك لم ينظر إلي الطائرات بعكس الجميع وإنما ركز نظره علي السيارة التي خرج منها من أطلق النار علي السادات، بل وقيل أيضا أنه قال للرئيس السادات: قم ياريس وأدي التحية للضباط. كما تردد أيضا أن الإسلامبولي قال لمبارك: لانريدك أنت وليتمكن بعدها من الصعود إلي المنصة والذي ساعده علي ذلك وجود كرسي ظل خاليا وهو ما مكن خالد من الصعود إليه واقتناص السادات ليضيف الشكوك أيضا حول ماحدث. أضيف إلي ذلك قصة الرصاصة التي قيل أنها جاءت من الخلف لتصيصب الرئيس السادات.. فضلا عن الشكوك التي أحاطت بتقرير الطب الشرعي المتعلقة بعملية الاغتيال كل هذه الروايات من شأنها أن تثير التوجس والظنون وتستدعي إعادة القراءة والبحث للتوصل إلي الحقيقة وحتي يتم ذلك سيظل اغتيال السادات يمثل إشكالية وكذلك مصير خالد الإسلامبولي بدوره يمثل إشكالية أخري، لن يتم حسمها إلا إذا اعترف مبارك نفسه بالحقيقة وهو بالطبع لن يحدث لأن معناه ببساطة أن يقدم رقبته لحبل المشنقة.. أيضا من الصعب توقع اعتراف قادة تنظيم الجهاد بما حدث حتي لا تخلع عنهم البطولة التي نسجوها حول أنفسهم وإظهارهم في صورة المتآمرين. فمعني ذلك أن حقيقة اغتيال السادات ستظل غامضة محاطة بالشكوك لتضاف إلي غيرها من الأمور الغامضة المتعلقة بموت عبدالناصر وما أثير حولها من شكوك وكذلك موت الملك فاروق. ❊ لماذا اخترت هذا التوقيت بالذات للكشف عما لديك من روايات؟ كم الفساد هو ما دفعني لذلك.. جعلني أعيد قراءة ما دونته في أجندتي »الزرقاء« تلك الأجندة التي تحمل العديد من الملاحظات والروايات والشهادات المهمة التي أسجلها دائما وأستعين بها عند إقدامي علي كتابة موضوع ما أو مناقشة قضية ما. وهو ما فعلته بعدما أثيرت قضية اغتيال السادات. ❊ لكن المهمة الهامة التي ذكرتها عن السجين ألم تدفعك خطورتها إلي نشرها قبل ذلك أو علي الأقل الاستعانة بها في أحد أبحاثك؟ لم أفكر في نشرها فالظروف لم تكن تسمح بذلك كما أنني بالطبع لم ألجأ لاستخدامها لأن دراستي توقفت عند حرب 37 وإن كنت أطمع الآن في تقديم دراسة عن أنور السادات.. والأهم من كل ذلك أنني كنت أنتظر الوقائع التي تضفي أهمية هذه الرواية التي حصلت عليها.