ستة أسابيع مرت علي قيام الثورة اليمنية المطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح ونظامه، إلا أن النظام "ثابت" في وجه الاحتجاجات المطالبة برحيله، ومقابل ذلك تجمع المعارضون لصالح فيما أطلقوا عليه "جمعة الرحيل" في ساحة أمام جامعة صنعاء، بينما احتشد مناصرو النظام في ساحة قريبة بدعوة من الرئيس، مما ينذر بنشوب حرب أهلية، تمزق اليمن السعيد ، ولا أحد يعرف إلي أين ستذهب البلاد. حيث يري بعض المحللين أن اليمن تعيش أسوأ فتراتها ، خصوصاً أن ما سوف يخلفه نظام صالح من شقاق وصراع قد يحيل البلاد إلي ما لا يحمد عقباه بعد رحيله الذي بات وشيكاً سوي علي الصعيد الداخلي أو الخارجي. فيبدو أن حكم صالح القائم منذ 32 عاماً يشرف علي الانهيار ولكن رحيله سيدفع البلاد لحالة من عدم اليقين ويربك الولاياتالمتحدة والسعودية اللتين لا تزالان تدعمان "حليفهما" في الحرب ضد القاعدة. فولكر بيرتيز مدير المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن يقول : ليس مستبعدا أن تظهر الحدود بين الشمال والجنوب مرة أخري أو تظهر تقسيمات أخري للاقطاعيات المحلية وأن تنشب العديد من الحروب الأهلية في أجزاء مختلفة من البلاد. ومن شأن أي تغيير في اليمن أن يثير حالة من القلق في السعودية المجاورة التي تشعر أنها مهددة بشكل كبير من مسلحي القاعدة المتمركزين هناك. وقال بيرتيز إن واشنطن والرياض تعتبران صالح مفيداً في الحرب ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن قاعدة له ويدعمانه خوفا من المجهول. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن من بين كل الثورات والانتفاضات التي اجتاحت الشرق الأوسط هذا العام، لا تصل أي منها لمستوي ثورة اليمن من حيث الأضرار المدمرة المباشرة التي ستخلفها علي الجهود الأمريكية بمجال محاربة الإرهاب. وقد انقلب الكثير من الدبلوماسيين الأجانب ضد صالح. وانضم ثلاثة من كبار قادة الجيش إلي حركة المظاهرات داعين للإطاحة بصالح، لكن صالح تعهد بعدم تسليم السلطة لهم ووصف انشقاقهم بأنه محاولة تنفيذ انقلاب عسكري. الواضح أن أي شخص سيحل محل صالح سيرث بلداً علي شفا التحول لدولة فاشلة، فهناك حركة انفصال بالجنوب، وقراصنة يجوبون البحار، وحركة تمرد في الشمال تخوض حرباً بالوكالة بين إيران والسعودية. مما سيعني تحديا كبيرا أمام الولاياتالمتحدة في إقناع الرئيس اليمني القادم بالمضي في الحملة المناهضة للقاعدة المفتقرة إلي التأييد الشعبي داخل البلاد. فاليمن، كما تقول صحيفة الاندبندنت البريطانية، تختلف عن تونس ومصر إذ ليس بها طبقة وسطي قوية كما أن بها 60 مليون قطعة سلاح موزعة علي 24 مليون نسمة هم سكان البلاد. كما أن القبائل، التي ظلت سلطتها أقوي من الدولة ومثلت قاعدة دعم لسلطة الحكم قبل أن تبدأ الانفضاض عنه الآن، ليست موحدة كلها ضد النظام أو مع المتظاهرين. واليمن توشك أن تكون البلد العربي الثالث الذي يشهد إسقاط النظام بعد تونس ومصر مع تراجع قدرة رئيسه علي عبد الله صالح علي التمسك بالسلطة. فصالح سار علي نهج الرئيس السابق حسني مبارك منذ بدء الاحتجاجات ضده، خاصة أحداث الجمعة الماضية التي استهدف فيها قناصة النظام المتظاهرين. والآن بدأت أجنحة في الجيش تنشق عن الرئيس وترسل الدبابات لحماية المتظاهرين في شوارع صنعاء، خاصة مع إعلان اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقتين الشمالية والغربية في اليمن انضمامه إلي المحتجين بساحة التغيير بجامعة صنعاء التي تعد نقطة التحول الحقيقية، نظراً إلي منصبه المهم في الجيش، إذ تعني تلك الخطوة عملياً نهاية نظام صالح. قال أمين عام حزب الحق حسن زيد إنه بالنسبة لقلق البعض فهو مشروع لأن مشكلتهم مع الرئيس صالح ليست مشكلة شخصية إنما لأنه حكم بالمؤسسة العسكرية التي تدين له بالولاء وليس للوطن. ففي بعض الأوقات سابقاً، كان الرئيس صالح يرهب منتقديه عبر تذكيرهم بأنهم إذا لم يحبوه، فيمكنهم الحصول علي الأحمر بدلاً منه. في الماضي، عقد الأحمر صفقات مشبوهة مع المجاهدين اليمنيين ومع المتمردين الحوثيين في شمال البلاد. وعام 1998 حين خطف جيش عدن "أبين الإسلامي" -المرتبط بالقاعدة- مجموعة من السياح الغربيين، قام زعيم الخاطفين بالاتصال أولاً بالأحمر. كذلك، سرت تساؤلات حول دور الأحمر في الحرب التي شنتها الحكومة ضد المتمردين الحوثيين، ففي وثيقة صدرت عن المعهد الملكي البريطاني "تشتام هاوس" العام الماضي، كتبت جيني هيل "الحملة العسكرية التي أطلقها النظام شنها قائد الجيش علي محسن، قريب الرئيس الذي سيلعب علي الأرجح دوراً قوياً في اختيار أصحاب المناصب العليا مستقبلاً. تكثر الشائعات المتعلقة بالخصومة القائمة بين الأحمر وابن الرئيس صالح، أحمد، الذي أمر بنشر حرسه الجمهوري في محافظة صعدة "موقع المتمردين الحوثيين". وقد يحاول الأحمر ترسيخ نفسه بصورة القائد النافذ الجديد في البلاد، وقد يدعمه في مساعيه هذه كل من يخشي انتشار الاضطرابات بعد سقوط صالح. واستقبل شباب الثورة الشعبية انضمام الأحمر بكامل ألويته العسكرية إلي ثورتهم المطالبة باسقاط النظام بترحيب وحذر لكونه أبرز أركان النظام الذي قامت الثورة ضده. وأبدوا مخاوف من أن يكون تأييده وانضمامه محاولة رتب لها للالتفاف علي الثورة التي رفعت منذ انطلاقها مطلع فبراير الماضي شعار بناء دولة مدنية حديثة كهدف أول لها. وعقب إعلان الاحمر انضمامه إلي الثورة اعتلي أحد الشباب منصة ساحة التغيير وقال إنهم يرحبون بانضمام الجيش إلي صفوف الثورة الشبابية لكن هناك شروط واضحة أن يسلموا السلطة للشعب وأن لا يحلم العسكر بالحكم من جديد. وعلي صعيد آخر، وعلي الرغم من الشكوك التي تحيط بحقيقة طموحات الأحمر، فإن هذا الأخير ليس اللاعب السياسي القوي الوحيد في اليمن، وعدا الأحزاب السياسية، يبرز دور القبائل والحركة الجنوبية، التي كانت تطالب بالانفصال عن البلاد، والحوثيين الذين يواجهون مشاكلهم الخاصة في الشمال. في ظل الوضع الراهن، لابد من إرساء نوع من التوازن المنسَّق بين جميع تلك الفئات المتنافسة، بدلا من الدخول في مرحلة جديدة تشهد هيمنة شخصية واحدة علي رأس البلاد. وينتمي محسن وصالح لقبيلة الأحمر ذات النفوذ الواسع والتي يشغل أبناؤها الكثير من المناصب المهمة في الدولة. لكن يبدو أن دعم قبيلة الأحمر للرئيس اليمني يتقلص لا سيما وقد أعلن زعيمهم الشيخ صادق الأحمر تأييده لحركة المحتجين. وتعليقاً علي هذا، يقول جريجوري جونسون، الخبير في الشؤون اليمنية بجامعة برينستون، إن المحتجين يشككون في دوافع الأحمر، لكنهم في الوقت الراهن يبدون مستعدين لعقد صفقة من أجل التخلص من صالح. وأضاف جونسون الأحمر، الذي يعد حليفاً قديماً للرئيس وأقوي شخصية عسكرية في البلاد، يغتنم الوضع من أجل أن يضمن لنفسه منصباً في أي حكومة تتشكل بعد صالح. وأوضحت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن انخفاض دعم القبائل اليمنية أضعف قبضة الرئيس صالح، فبعد تقربه إليهم بالأموال تارة وسعيه لبث الفتنة بينهم تارة أخري، تخلي معظمهم عنه، وصار شيوخ وأبناء القبائل المتناحرة سابقا يجلسون جنبا إلي جنب داخل خيام التغيير. وأشارت الصحيفة إلي وجود العديد من شيوخ القبائل اليمنية داخل الخيام التي نصبها أبناء الثورة الشعبية اليمنية في العاصمة صنعاء وفي شتي الأنحاء الأخري في البلاد، فيما يوصف بميادين التغيير أو الثورة الشعبية الساعية إلي إسقاط نظام الرئيس اليمني. ومما قد يدعو إلي الدهشة والاستغراب هو جلوس شيوخ قبائل متجاورين في خيام المحتجين بالرغم من الخلفية التنافسية والاقتتالية بينهم فيما مضي، حيث تحدث بعضهم للصحيفة عن الاستغلال الذي تعرضوا له من جانب الرئيس صالح علي مدار سنوات حكمه. والتقي أحد وجهاء قبيلة عابدة وأحد وجهاء قبيلة مراد المتعاديتين فيما مضي، وتحدثا بشأن كيفية استغلال الرئيس لهما، بحيث حملت كل قبيلة منهما السلاح في وجه الأخري، ليكتشف أبناء القبيلتين في نهاية المطاف أنهم كانوا يتلقون السلاح من ذات المصدر. وأبناء القبائل الذين سبق أن حاربوا الحوثيين في شمال اليمن، أصبحوا اليوم يجلسون بجوار أبناء الحوثيين أنفسهم في مخيمات الثورة في ميادين التغيير في أنحاء البلاد.