عندما تكون الكلمة صادقة، وتحمل من المضامين الهادفة ما يجعلها قريبة من القلب والعقل.. يكون لها فعل السحر في تحريك الجماهير نحو الغايات النبيلة التي تنشدها.. وما أكثر الكلمات التي حركت الشعوب نحو واقع جديد، وغد جديد ملئ بالأمل والإشراق والإنتاج. فالكلمات ليست مجرد ألفاظ ومخارج، ولكن الكلمة التي تريد أن تبني، وتحقق الأهداف، وترسم فلسفة لواقع جديد، هي التي يمكن لها أن تزيل الحواجز والسدود، لكي تحقق المستحيل.. لقد قرأ محام هندي شاب يعيش في جنوب أفريقيا كلمات »لثورو« عن العصيان المدني.. ففكر في هذه الكلمات الموجزة، وقرر أن يجعلها هدف حياته، وأن يحرر بلاده من ذل الاستعمار الإنجليزي وطغيانه في بلاده الهند.. وكان هذا الرجل هو غاندي، الذي استطاع بالفعل أن يحول الكلمات التي قرأها إلي واقع، وأن يشعل في بلاده ثورة ضد الاستعمار الإنجليزي، عن طريق العصيان المدني، وأن يضع بذلك حدا للسياسة الاستعمارية في بلاده التي نهجت علي تزكية الفتن الطائفية، ورفع شعار »فرّق تسد«. لقد قال »غاندي« عن تلك اللحظة التي اشتعلت مؤججة في أعماقه روح الثورة عقب قراءته لكلمات »ثورو«: وبينما أبدأ نضالي، تلقيت من صديق لي كتاب (العصيان المدني).. فما إن قرأته حتي ملأني قوة ويقينا، وذهبت أترجم بعض فقرات وأنشرها في المجلة التي كنت أصدرها في ذلك الحين، ولقد كان في كلمات »ثورو« من صدق التعبير، وقوة الإيقاع، ما جعلني أشعر بحاجتي إلي المعرفة من »ثورو«، وأخيرا عرفت أن رجالا فرادي مثل »ثورو« قد انتصروا لأنهم تقدموا الصفوف بتضحياتهم فكانوا قدوة للعالم«. و»ثورو« هذا قد صاغ كلماته ورأيه في العصيان المدني عام 1849 وما كان يدري يومها أن كلماته تلك عندما ستقع في يد غاندي بعد ذلك بسنوات، سوف يعود إلي بلاده ليعلن ثورته التي استطاع من خلالها أن يحرر الهند بالفعل من الاستعمار الإنجليزي، ويرسم خريطة جديدة لمستقبل بلاده، وتصبح الهند بعد الاستقلال من الدول التي تشق طريقها نحو تقدم حضاري مذهل، وتخلع عن نفسها أثواب الرق والتخلف والاستعباد، وتعبّد الطريق نحو المستقبل الواعد، والغد المستنير.