أحمد الزند وزير العدل المقُال مؤكد أنه لم يتعلم الدرس من سابقه فسقط في نفس الفخ، لو كان المستشار أحمد الزند، وزير العدل المُقال، قد تأمل جيداً مصير وزير العدل السابق، المُستشار محفوظ صابر، بعد تصريحه بمنع تعيين أبناء عمال النظافة في وظائف القضاء، لفكر ألف مرة قبل أن يتفوه بما قاله عن مُعاقبة أي شخص بالسجن حتي إذا كان نبياً. اعتذاره وتبريره واعترافه بكونها زلة لسان، لم يُجد، وهو يعلم جيداً أنها لن تُجدي، فالشعب المصري تغير كثيراً، لم يعد يقبل ب"زلات اللسان"، ولم يعد يستطيع تحمل من يسيئون للدولة قبل أن يسيئوا لأنفسهم، المصريون باتوا أصحاب السلطة فعلاً، وحينما يغضبون لا يقف أحد أمام غضبهم مهما كانت قوته. لسانك حصانك سيادة الوزير، نعم زلة لسان، ونعم لم تكن مقصودة، لكنها حبة أخيرة في عقد من التصريحات المُثيرة للاشمئزاز دأب الوزير المُقال علي إطلاقها، مُنذ أن كان رئيساً لنادي القضاة، وبالتالي كانت نتيجتها الإقالة بغير رجعة. الزند هو نفسه صاحب مقولة "القضاة أسياد وغيرهم العبيد"، تلك العبارة الشهيرة التي أطلقها في مداخلة هاتفية مع النائب السابق توفيق عكاشة، والتي جاءت في سياق الرد علي سؤال حول إقدام جماعة الإخوان "الإرهابية" علي حرق صور للقضاة، موضحاً في هذا الصدد أن التطاول وحرق صور القضاة ستقابل بمثلها حرقاً بحرق وسحلاً بسحل"، مضيفاً "نحن هنا علي أرض هذا الوطن أسياد، وغيرنا هم العبيد"، نعلم جميعاً موقف المستشار الزند من جماعة الإخوان "الإرهابية" في عز قوتها، لكن تصريحه كان غريباً ومثيراً حقاً للاشمئزاز. ليس هذا فحسب، الزند ارتكب خطيئة أخري حينما كان رئيساً لنادي القضاة، حينما وصف من يهاجم تعيين أبناء القضاة بأنهم حاقدون وكارهون، مشدداً علي أن توريث المناصب القضائية سيستمر سنة بسنة، ولن تكون قوة في مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلي قضائها. مرت الأيام سريعاً، وجاء الزند وزيراً للعدل، ولأنه فعلاً لم يعِ درس المستشار محفوظ، بدأ قيادته لوزارة العدل بتصريح أثار استغراب الملايين، وأثار ضجة كبري، حينما قال "المواطن المصري يستطيع العيش وتكييف أموره فقط ب2 جنيه يومياً". تلك الجملة تحديداً أكدت مخاوف الملايين من الرافضين لتولي الزند تلك الوزارة، فكيف لوزير العدل أن يطلب من المواطنين العيش ب2 جنيه يومياً في الوقت الذي وصل فيه سعر لتر البنزين ل260 قرشاً، وساندوتش الطعمية 150 قرشاً؟، كما أكد هذا التصريح أن الزند رجل لا يستطع ضبط انفعالاته، ولا يستطيع أن يتحكم فيما يقوله، فشنت مواقع التواصل الاجتماعي هجوماً ضارياً عليه. لم يكن المصريون ليفيقوا من صدمة هذا التصريح حتي خرج عليهم وزير العدل المُقال بتصريح آخر من نفس طراز الغرابة، أثناء توقيع اتفاقية قانونية وقضائية مع دولة الكويت، حيث اقترح الزند إصدار تشريع قانوني يقضي بمعاقبة والدي الإرهابيين، أو من تولي تربيتهم، وتركهم يهاجرون ويتغيبون بالسنوات حتي تحولوا إلي إرهابيين، مُعتقداً أن هذا التشريع سُيساهم في تقليل نسبة الإرهابيين وتخويفهم. ما لم يُدركه الزند في مثل هذا التصريح، أن ما يقوله لن يُرهب الإرهابيين كما يتصور بقدر ما قد يسببه من حرج شديد للنظام، ويضع منظومة العدالة في مصر في موقف مُحرج للغاية أمام الرأي العام العالمي، فوزير العدل الذي يتحدث بلسان الإقصاء والترويع والتهديد لا يجب أبداً أن يظل جالساً علي كرسيه مهما كانت المُبررات. وأخيراً، جاءت الطامة الكبري لوزير العدل، في حديثه للإعلامي حمدي رزق، حينما سأله الأخير "هتحبس الصحفيين"، فرد بعنجهيته المعهودة "واحبس أي حد حتي لو كان نبي"، هنا انتفض المصريون، وانزعجت الدولة، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ضد وزير العدل، الذي يحكم بين الناس بالعدل فيهين أنبياءهم ويتوعدهم بالحبس، وسرعان ما انحازت الحكومة إلي رغبة الشعب، وأعلنت تلبية مطلبها فكان قرار الإقالة. كواليس إقالة الزند نفسها تؤكد أنه لم يكن يصلح لمنصبه من الأساس، فالرجل تلقي اتصالاً هاتفياً، بحسب مصادر حكومية رفيعة المستوي، تُبلغه بضرورة تقديم استقالته علي خلفية هذا التصريح، نظراً لحالة الغضب العارم التي اجتاحت الشارع المصري تجاهه، غير أن عنجهيته المُفرطة دفعته لرفض التقدم باستقالته، وغادر مكتبه عائداً إلي منزله، غير مُبالٍ بالأمر، فكان القرار بالإقالة وليس الاستقالة، ما دفع الزند لتحريض نادي القضاة للوقوف بجانبه، فخرج بيان للنادي يُطالب فيه ببقائه بمنصبه وزيراً للعدل، واستغل المنتفعون وأصحاب المصلحة من أصدقاء الزند من الإعلاميين والمحللين القرار ليدافعوا عن أسد القضاة الذي سقط ضحية لسانه.