لم يتردد القضاء البريطاني في الإشارة إلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشريك "محتمل" في عملية اغتيال المعارض الروسي ألكساندر ليتفننكو بلندن في مارس من عام 2006، وبحسب ما جاء في تقرير القاضي المتقاعد روبرت أوين، الذي يعد خلاصة تحقيق أجري في الفترة من يناير إلي يوليو 2015، فإن "عملية المخابرات الروسية لقتل ألكساندر ليتفننكو تم التصديق عليها بواسطة السيد باتروشيف (نيكولاي باتروشيف المدير السابق للمخابرات الروسية الرئيس الحالي لجهاز الأمن القومي الروسي) والرئيس بوتين". زعيم الحزب الليبرالي ببريطانيا يطالب حكومة بلاده بإعلان عقوبات إضافية علي روسيا "أندريه لوجوفوي وديمتري كوفوتون الضابطان السابقان بالمخابرات الروسية قتلا ليتفننكو لحساب آخرين".. هكذا أوضحت الوثيقة التي أعدها عملاء سريون بالمخابرات البريطاينة MI6 مع الإشارة ضمناً إلي الرئيس بوتين. ليتفننكو نفسه كان ضابطاً سابقاً بالمخابرات الروسية FSB (وريث المخابرات السوفيتية KGB) قبل أن يعلن انشقاقه منذ 10سنوات، حيث لجأ إلي لندن ومنها أدان ما أسماه "ممارسات المافيا التي تتبعها موسكو"، وفي الثالث والعشرين من نوفمبر 2006 لقي ليتفننكو مصرعه، وهو في الثالثة والأربعين من العمر، عقب 22 يوماً من تناوله قدحاً من الشاي الأخضر وُضع فيه بولونيوم 210 ذلك العنصر المشع الذي لا تنتجه أي دولة سوي روسيا. وقبيل وفاته بأيام مثل العميل الروسي أمام قاضٍ أسباني ليعترف له بعلاقة المافيا الروسية بكبار رجال السياسة في مدريد. في الأول من نوفمبر من عام 2006 تلقي ليتفننكو مكالمة، أندريه لوجوفوي وديمتري كوفوتون، تدعوه لتناول الشاي في فندق "ميلينيوم" بحي Mayfair الشهير، وبعد تناوله الشاي بعدة ساعات شعر بتقلصات في معدته ودوار في رأسه، واكتشف الأطباء البريطانيون آثار المادة المشعة في عينة من البول قُبيل وفاته بيوم أو اثنين علي الأكثر، حيث أنه ليس من السهل اكتشاف مادة البولونيوم 210 في الجسم. وخضع ليتفننكو، الذي عمل طوال حياته كضابط تحقيق واستقصاء في المخابرات الروسية، لعملية استجواب من قبل شرطة سكوتلانديارد وهو علي فراش المرض بمستشفي لندن للإفادة عن ظروف مقتله البطيء.. وكان من بنود التقرير الذي أصدره القاضي أوين: "أنا علي ثقة بأن لوجوفوي وكوتوفون كانا يعلمان بأنهما يستخدمان مادة سامة وكان لديهما النية لقتل ليتفننكو"، وبذلك يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه متهماً وللمرة الأولي من قبل هيئة قضائية في عملية قتل، أما نيكولاي باتروشيف فهو أحد المقربين الملازمين لبوتين في ظهور علني، وهو الذي خلفه في منصب مدير المخابرات الروسية عام 1999 بعدما أصبح بوتين رئيساً للبلاد، وكان في نفس المنصب حينما دُعي ليتفننكو لشرب الشاي السام. ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين رد علي ما أعلنته بريطانيا بأنه "ربما يكون مزحة"، ويمكن ربطه بال"الدعابة البريطانية الأنيقة"، كما سخر بيسكوف من "تقرير استند علي معلومات سرية أدلي بها عملاء سريون لا يمكن الكشف عن هويتهم". أما ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية فقالت: "قضية مقتل ليتفننكو تم تسييسها.. الأمر كله عملية سياسية مبهمة هدفها مُحدد سلفاً". أندريه لوجوفوي (الضابط الذي دعا ليتفننكو لتناول الشاي) يشغل الآن منصب نائب في مجلس الدوما الروسي، وعلق علي التقرير البريطاني قائلاً: "لندن تبرهن يومياً علي روحها العدائية تجاه روسيا وعلي ضيق أفقها.. تحاول إخراج جثة من قبرها لتلعب بها سياسياً.. لماذا صمتت طوال هذه السنوات ولم تُعلن عن السبب الحقيقي لمقتل ليتفننكو". تيم فارون زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي البريطاني طالب حكومة بلاده بإعلان عقوبات إضافية علي روسيا ومنع عدد من مسئوليها من دخول الأراضي البريطانية، معتبراً أن استدعاء السفير الروسي بلندن لمقر الخارجية وتوجيه اللوم له وإخطاره بتجميد أموال أندريه لوجوفوي وديمتري كوفوتون ليس بالأمر الكافي، وهو ما يضع الأمر برمته في إطار رغبة الغرب في ممارسة مزيد من الضغوط علي روسيا بسبب تدخلها عسكرياً في أوكرانيا وسوريا، ولأن رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون يعلم أن التصعيد مع روسيا لن يكون مفيداً، فقال أمام عدسات التلفزيون بمنتدي دافوس الاقتصادي المنعقد حالياً بسويسرا: "يجب أن نضع في اعتبارنا أهمية العمل مع روسيا في عدة موضوعات"، وأشار ضمناً إلي التعاون مع موسكو في مكافحة الإرهاب بقوله: "تهديد الدولة الإسلامية "داعش" يدفعنا لوضع الأمن العالمي علي رأس أولوياتنا". المفارقة أن بريطانيا التي تذكرت جُثة ليتفننكو فجأة بعد عشر سنوات من مقتله واعتبرت أن ما حدث بمثابة الجريمة التي يُعاقب عليها القانون، أغفلت أنها كدولة شاركت، تحت قيادة توني بلير، مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، في جريمة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 تحت ذريعة أكذوبة كبري تتلخص في امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل.. وإذا كان بوتين متهماً بقتل شخص واحد، هو في النهاية انشق علي جهاز أمني هام وأفشي أسرار بلده، فإن جريمة احتلال العراق أدت لمقتل أكثر من مليون عراقي وتهجير 2 مليون نسمة، وحرب أهلية مذهبية أسالت الدماء أنهاراً في بلاد الرافدين.