لاشك أن للعرب إيجابيات كثيرة، وأنهم أسهموا في بناء الحضارة الإنسانية عندما انتشر الإسلام ومدت حضارته ظلالها علي العالم، وأخرجته من دائرة التخلف، ووضعت قدمه علي طريق التقدم والحضارة. والغرب نفسه يعترف بذلك، وأنه ماكان له أن يأخذ بأسباب العلم مالم يقرأ ما ترجم عن ابن رشد الذي ترجم أرسطو إلي العربية ومنها ترجمت إلي اللاتينية، كما استفاد الغرب الكثير من الحضارة الإسلامية التي بسطت أنوارها في الغرب فأخرجته من الظلمات إلي النور ومع ذلك فإنه يعاب علي العقلية العربية تمسكها بالقشور والشكليات، كما يعاب علي هذه العقلية أنها مازالت متعلقة بالأفكار القبلية، والذوبان فيما يسمي غريزة القطيع، ولسان حالهم ماقيل علي لسان دريد بن الصمة الشاعر الجاهلي المعروف. وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ولعل وأهم وأسخف ما تلقيناه من التراث العربي القديم، الاعتداد الزائد بالذات، والأنانية الموغلة في النرجسية، وكأن هذا الاعتداد بالنفس لاينبغي أن يتصف به إلي العربي، ومن هنا نري أن أهم ما قيل في الشعر العربي هو المدح.. والفخر بالذات بشكل مبالغ فيه، مثال ذلك ماقاله عمرو بن كلثوم في معلقته: إذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدينا وهذه العنتريات التي لم تقتل ذبابة علي حد تعبير نزار قباني في قصيدته عن نكسة 1967، هي التي باعدت بيننا وبين الوصول إلي واقع جديد، مساير للعصر، ومواكب للتقدم العلمي، فأصبحنا أمة تستورد كل شيء، ولاتكاد تشارك في صنع التقدم العالمي الذي بلغ الآن ذروته في الغرب، فنحن واقفون في أماكننا بينما العالم يسابق ظله ليصل إلي مستويات علمية وحضارية بالغة الرقي والتقدم، ولعل المغالاة التي نعرفها في العقلية العربية وحبها للعنتريات مادفع بأحد الشعراء أن يغتاظ مما حدث أيام الانقسامات المروعة في الأندلس، وتحولها إلي طوائف ضعيفة، بينما العدو يتربص بها.. فإذا بهؤلاء الناس من حكام الطوائف يطلقون علي أنفسهم أسماء الخلفاء فقال عنهم هذا الشاعر: مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتصم فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد!