ما كانت التحولات المجتمعية عاملاً مهماً لظهور تيارات جديدة في السينما بدأت منذ قرابة 15 عاماً مضت منذ تقديم أول فيلم عن شخصية مسيحية وهو «المعلم برسوم يبحث عن وظيفة» إنتاج عام 1923.. وتباعاً ظهرت أفلام كثيرة للشخصية المسيحية تبلورت اتجاهاتها عبر شاشات السينما.. وقدمت أنماطاً كثيرة كانت عاملاً مهماً لظهور صورة الممثل داخل الكادر كوسيلة من وسائل نقل الإحساس للمتفرج من خلال مجموعة أفلام منها "وخز الضمير" ،"قبلة في الصحراء"، "حسن ومرقص وكوهين"، "فاطمة وماريكا وراشيل"، ودور عيسي العوام الذي قدمه الفنان الراحل صلاح ذو الفقار في فيلم الناصر صلاح الدين، بخلاف أفلام ثلاثية نحيب محفوظ التي كثرت فيها مشاهد القساوسة إلي جوار الشيوخ ليهتفوا بالشعار الخالد (يحيا الهلال مع الصليب) ثم مروراً بأفلام "الإرهابي" و"بحب السيما" وأخيراً "حسن ومرقص"، هذا إلي جانب دراما "دوران شبرا" و"حارة اليهود".. تعالوا نغوص في هذه الأعمال لنعرف مدي نجاحها في التعبير بصدق عن شخصية الإنسان المسيحي وتأثره بمتغيرات المجتمع، ونعرف من آراء المخرجين والنقاد هل مازال هناك الكثير لم تكتشفه السينما في هذا المجال بعد؟. "بحب السيما" قلب الأمور لتعمقه في تفاصيل حياة المسيحيين في البداية تؤكد الأحداث الفنية أن (المعلم برسوم) يبحث عن وظيفة وهو فيلم روائي قصير قد لا يعرفه الكثيرون، ولكنه شكل أول بطولة مطلقة للشخصية المسيحية عام 1922 وبعد أن حقق الفيلم نجاحاً كبيراً علي المستوي الجماهيري، وتوالت بعده أفلام تختصر تقديم الشخصية المسيحية في شخصيات النساء الأجنبيات، بالإضافة لوجود بعض الأفلام التي تناولت الصدام الاجتماعي والثقافي الناتج عن زواج الشاب المصري المسلم بالأجنبيات المسيحيات. وظهر هذا في فيلم "قبلة في الصحراء" بطولة فاطمة رشدي وبدر لاما إنتاج عام 1928 الذي تناول علاقة حب بين شاب بدوي وفتاة أمريكية (مسيحية) واضطر للهروب للصحراء بعد اتهامه بقتل عمه، وهناك فيلم "وخز الضمير" عام 1931 بطولة ماري كويني وأحمد جلال و"أولاد الذوات" عام 1932 ومنذ هذه الفترة غابت الشخصية المسيحية عن دور البطولة أو السنيد، ولكنها عادت للظهور عام 1945 في فيلم "حسن ومرقص وكوهين" المقتبس عن المسرحية الشهيرة التي قدمها الراحل نجيب الريحاني بنفس الاسم.. وخلال الأحداث ركز الفيلم علي الدعوة للوحدة الوطنية والتعايش بين فئات المجتمع المصري بغض النظر عن ديانتهم، وبعدها بأربع سنوات قدمت السينما النسخة النسائية في فيلم "فاطمة وماريكا وراشيل".. والمثير أن الراحل حسين صدقي قدم للسينما فيلم "القدر" عام 1952لكنه لم يعرض بسبب ضغوط من الكنيسة، بسبب أن الفيلم يصور الفتاة المسيحية تعاني من الانحلال واتجاهها للهداية عند ارتباطها بالشاب المسلم، وكان مناخ الثورة متسامحاً في بدايته ما أدي لعرض الفيلم بعد عامين وتحديداً في يوليو عام 1954.. وكانت الكنيسة قد اعترضت علي الفيلم واتهمت صناعه بإساءتهم إلي المسيحيين. ومن منا لا يتذكر البطل المسيحي علي شاشة السينما الذي جسده الراحل صلاح ذو الفقار في دور عيسي العوام في فيلم "الناصر صلاح الدين" الذي قدم من خلاله المخرج العالمي الراحل يوسف شاهين نموذجاً للعلاقة الطيبة التي تجمع المسيحيين والمسلمين وتكشف عن سماحة الإسلام في التعامل مع الأقباط، وعن تفهم المسيحية وتقبلها لدين آخر.. وتباعاً فقد استأثرت الشخصية المسيحية بأدوار البطولة ولكن بشكل محدود، بدليل وجودها في فيلمي "شفيقة القبطية" إنتاج عام 1962 ولعب بطولته هند رستم وزيزي البدراوي وحسن يوسف و"الراهبة" إنتاج عام 1965 ولعبت بطولته أيضاً هند رستم والفيلمان أخرجهما الراحل حسن الإمام. ولم تتجاوز السينما المصرية ثمار الأفلام التي تحمل مقولة "يحيا الهلال مع الصليب" للتعبير عن الوحدة الوطنية ويقف فيها القساوسة إلي جوار الشيوخ ويرددون الهتاف.. وكانت آخر هذه الأفلام ثلاثية نجيب محفوظ في الفترة ما بين 1964- 1974. وتستمر الأحداث في تقديم رائعة فيلم "الإرهابي" الذي تناول نظرة المسلمين المتطرفين للمسيحيين فتكفيرهم مثل دور "هاني" الذي قدمه الراحل مصطفي متولي هو الجار المسيحي للطبيب الذي يستضيف في منزله إرهابياً "عادل إمام" دون علمه متنكراً في شخصية أستاذ جامعي، ويفشل الإرهابي في تقمص تلك الاستنارة حين يلتقي بالجار المسيحي الذي يعتقد في بادئ الأمر أنه مسلم، لكن مع اقترابه منه ومعرفة اسم ابنته ورؤية الصليب الذي تحمله تنقلب الأمور تماماً، وهناك أيضاً فيلم "مرسيدس" للمخرج يسري نصر الله، الذي كان بطله "نوبياً مسيحياً". وفجأة انقلبت الأمور تماماً مع فيلم "بحب السيما" الذي لعب بطولته محمود حميدة وليلي علوي.. حيث أغلقت الأحداث علي المسيحيين فقط داخل وخارج الكنيسة مع غياب العنصر المسلم من الفيلم وتعمق الفيلم في تفاصيل حياة المسيحيين بشكل لافت لم نعتده من قبل وحظي الفيلم بأكبر نسبة من اعتراضات عرفتها السينما المصرية، أما فيلم "فيلم هندي" لأحمد آدم ومنة شلبي وصلاح عبدالله فقد تناول العلاقة الجيدة بين المسلمين والمسيحيين عندما يتنازل كل من الصديقين المسلم والمسيحي عن الشقة التي عثرت خطيبة كل منهما بالكاد عليها، وأيضا فيلم "الكلام في الممنوع" إخراج عمر عبدالعزيز والبطولة للراحل نور الشريف وماجد المصري حاول رسم علاقة مثالية بين الطرفين، فماجد جسد شخصية "رياض" الطبيب المسيحي الذي يختفي في زي الشيخ "بخيت" وضابط الشرطة نور الشريف الذي يحاول إظهار براءته.. وفيلم "عمارة يعقوبيان عام 2006 ظهرت شخصية المسيحي أكثر "قتامة" في علاقته بالمسلمين فشخصية "فانوس" خادم زكي الدسوقي سليل الباشوات التي قدمها المبدع أحمد بدير واستغل "عرجه" في ابتزاز مشاعر المحيطين به. ويشير المخرج إبراهيم عفيفي لأن فيلم "حسن ومرقص وكوهين" يعتبر أول فيلم ظهرت فيه الشخصية المسيحية بوضوح الذي تطرق للعلاقة بين المسلم والمسيحي واليهودي ولكن من الناحية الاجتماعية بعيداً عن السياسة والحساسية الشديدة التي شاهدناها علي شاشة السينما وخصوصا فيلم "بحب السيما" رغم أنه قدم شريحة اجتماعية موجودة بالفعل، ولكن بعض الأقباط يتلاشونها ويبتعدون عنها.. وفي النهاية نحن نعرض لنموذج موجود بالفعل في نسيج المجتمع.. ففيلم "حسن ومرقص وكوهين" ركز علي الدعوة للوحدة الوطنية والتعايش بين فئات المجتمع المصري بغض النظر عن الديانة، ولكن السينما كانت تتجنب بشكل عام تقديم شخصية محورية في الأحداث، وكانت تكتفي بتقديم الفتاة الأجنبية في دور هامشي وغير مؤثر في الأحداث، ولكني أتمني تقديم شخصية القبطي مثل المسلم، بما أنهم يشاركوننا في المجتمع بالفعل ويشاركه في الرأي الناقد علي بكر قائلاً: أن تقديم شخصية القبطي أو رجل الدين أمر ضروري ولابد من تقديمه بشكل واقعي بما أنه في المجتمع بالفعل، وللأسف معظم ما سبق تقديمه كان بشكل سطحي حيث يرتدي الكاهن الملابس الخاصة به فيكون شكلاً فقط بدون روح أو فكر ليظهر من خلال الأحداث وكأنه "مسخ" وللأسف كان يظهر القبطي أو الكاهن في مشاهد عابرة لا تعكس قضية بعينها أو واقع مرئي، وأؤكد أن الشخصية في فيلمي "الراهبة" وشفيقة القبطية كانت تستأثر بدور البطولة، وغير ذلك فالأدوار سطحية وغير مؤثرة، لذلك أغني رؤية أفلام هادفة تعبر عن الإنسان المسيحي ومشاكله ومشاعره من خلال تعاملاته وعلاقته بالآخرين، مثلما يتم تقديم الشخص المسلم أو الشيخ. ويقول المخرج سمير سيف: سبق للسينما تناول شخصية رجل الدين المسيحي من الخارج بعيداً عن التفاصيل، وهناك الكثير من الأفلام التي تناولت الفترة السياسية الخاصة بثورة 1919 قدمت نموذج المسيحي والمسلم كنوع من الوحدة الوطنية، وأفلام ثورة يوليو ركزت علي تدعيم مبادئ عدم التفرقة بين المواطنين مهما كانت ديانتهم، ولا تتأثر ثلاثية نجيب محفوظ التي تناولت تضافر العلاقات الاجتماعية والسياسية بين المسلمين والمسيحيين. ويضيف سمير سيف: أن فيلم "حسن ومرقص" بطولة عادل إمام والنجم العالمي الراحل عمر الشريف يعتبر من أهم الأفلام التي تتناول العلاقة الحالية بين المسلمين والمسيحيين وتعكس جو الاحتقان في الشارع المصري وكيف يتم إعطاء الأمور أكثر من حجمها وتحميلها علي الجانب الديني بدلاً من البحث عن الأسباب المنطقية وراء أي مشكلة.. وأتمني تقديم تلك التوليفة مرة أخري في السينما المصرية. وأما الكاتب والسيناريست الكبير عاطف بشاي: فهو يرحب بتقديم أفلام ومسلسلات تناقش حياة رجل الدين المسيحي ولكن في حدود وبشروط لا يجب تخطيها، فالمسألة ليست خروجاً عن المألوف بتقديم حياة المسيحيين وأسلوب معيشتهم وإنما هي تقديم سلوك وتصرفات الأغلبية وطبيعي أن الكثيرين لا يقبلون التطرق للعقيدة أو للنواحي الإيمانية بأي شكل من الأشكال حتي لا يتم إثارة أي نوع من أنواع الفتنة فكل ديانته غالية عليه مهما كانت وعلي ما أتذكر كانت الشخصية المسيحية تظهر في شكل حلال المشاكل أو شكل كوميدي ومحايد أو لتوضيح الوحدة الوطنية.