في حفل جوائز الجولدن جلوب ال 73 بلغ عدد النجوم المرشحين في جميع مجالات وعناصر الأفلام والمسلسلات ما يزيد علي مائة فنان وفنانة، غير أن السؤال الذي كان يتردد بإلحاح في جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، هو: هل ينجح ليوناردو دي كابريو في الحصول علي جائزة التمثيل عن دوره في "العائد" The revenant أم أن الجائزة سوف تصل إلي نجم آخر؟ في الحقيقة أن هناك دائما نجما يستحق الجائزة، وآخر يحصل عليها، وهذا العام أعتقد أن مايكل فاسبندر يستحقها عن جدارة عن روعة أدائه وتشخيصه لرائد شركة آبل ستيف جوبز في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم، فقدرة "فاسبندر" علي التلون في الأداء بين الغطرسة والغرور والجبروت والعناد والقسوة، والضعف والحنان الشديد لابنته الوحيدة التي أنكر نسبها لسنوات عديدة، أمر يستحق التأمل، والإعجاب بل والانبهار، وخاصة أنه يؤدي كل هذه المشاعر المتزاحمة في هدوء وكأنه بركان هادئ ينفجر في لحظات، ويسكن في لحظة، ربما يكون إيدي ريدماين هو المنافس الموضوعي الوحيد لمايكل فاسبندر، من خلال دوره المذهل في فيلم دانيش جيرل، حتي لو أخذت موقفاً أخلاقياً ضد تركيبة الشخصية، فلن تستطيع أن تنكر علي الممثل قدرته العبقرية في التلون، إننا أمام فنان "رسام"، يستيقظ داخله رغبة عارمة، ليتخلي عن تفاصيل جسده الذكوري الملمح، ويتحول لامرأة، ويكتشف أنه خلق كي يكون امرأة ويعيش عالمها، ويرفض نفس الوقت أن يعيش في حالة من الزيف وازدواج، ويقرر أن يتخلص من كل ما يضعه في خانة الذكور، ويخضع لعمليات جراحية متعددة، في زمن "القرن السابع عشر "كانت تلك الجراحات تشكل خطورة بالغة علي من يجريها، ولولا حصول "ريدماين" في العام الماضي علي جائزة الجولدن جلوب والأوسكار عن دوره في فيلم نظرية كل شيء، لكان حصوله علي الجائزة هذا العام أمراً حتمياً، ولو أن لا شيء يمنع حدوث ذلك، لأنه يستحقها فعلاً، وأعتقد أن أياً من مايكل فاسبندر، أو إيدي ريدماين لو فاز بالجولدن جلوب سيكون انتصاراً لفن التمثيل، أما لو فاز بها ليوناردو دي كابريو فسوف يكون انتصارا للضغط الإعلامي! ومن الممثلين المرشحين أيضا لجائزة أفضل ممثل في فئة الأفلام الدرامية، بريان كراستون عن فيلم "ترامبو"، وأعتقد أن الفيلم نفسه كان لابد أن ينال ترشيحاً فقيمته أعلي درجات من فيلم "كارول" الذي لم يتميز منه إلا أداء كيت بلانشيت، وروني مارا، فيلم ترامبو مرشح لجائزتي تمثيل إحداهما لهيلين ميلين كأفضل ممثلة مساعدة، وهي تستحقها بجدارة، والأخري لبطل الفيلم الذي جسد شخصية "دالتون ترامبو "1976- 1905 وأحداث الفيلم مأخوذة عن وقائع حدثت في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، حيث في الولاياتالمتحدة ما يسمي بمحاكم التفتيش التي ارتبطت باسم عضو الكونجرس جون مكارثي، الذي أطلق قانوناً لمحاربة تفشي الفكر الاشتراكي الشيوعي، وملاحقة الفنانين والأدباء والمفكرين الذين ينتهجون هذا الفكر، علي أساس أنهم قادرون علي نقل أفكارهم من خلال إنتاجهم الفني وقدرتهم علي التأثير علي الجماهير، وانتهت التحقيقات المهينة مع مجموعات من نجوم هوليوود ومخرجيها، إلي زج بعضهم في السجون، مع حذر كامل لتعامل شركات الإنتاج السينمائي معهم، وملاحقتهم وقطع أرزاقهم، حتي اضطر بعضهم للهرب من أمريكا نهائياً، ومن بين الذين تعرضوا للتنكيل الأدبي والمادي كاتب السيناريو "دالتون ترامب" الذي كان يعتبر الأكثر نجاحاً والأعلي سعراً في هوليوود ولكن تم وضع اسمه ضمن القائمة السوداء، المغضوب عليها، مع عشرة من العاملين في السينما الأمريكية، وبعد أن كانت شركات الإنتاج تلهث خلف أعماله وتتلقفها بكل شغف، أصبحت أعماله مرفوضة وهو منبوذ إعلامياً وإنسانياً، لا يدعي لأي تجمعات فنانين، وكأنه مصاب بالجذام، وتعرضت أسرته لكل أنواع الضغط والمهانة، وقل رزقه، حتي كاد يبيع أثاث منزله، ولكنه لم يستسلم لتلك الحالة، وبدأ يتعامل مع الأمر الواقع، ويكتب سيناريوهات ويبيعها بأسماء وهمية، والمثير للمرارة، والألم أن بعض تلك السيناريوهات حققت نجاحاً هائلاً عند تحويلها لأفلام وحصلت علي جوائز أوسكار مثل "إجازة في روما" الذي لعبت بطولته أودري هيبورن، وجريجوري بيك، وتخيل موقف فنان وكاتب سيناريو عندما يجلس في منزله ليتابع حفل توزيع الأوسكار الذي حرم من حضوره، ليسمع اسم شخص آخر يفوز بجائزة عن سيناريو من إبداعه هو، وتكرر الأمر عدة مرات في سنوات متتالية، وكان يتابع نجاحاته منسوبة إلي غيره، ويكتفي بالفتات التي يحصل عليها نظير كتابة السيناريو ليحفظ لعائلته ماء وجهها، وتستمر في العيش الكريم، ثم استعان به منتج متوسط القيمة ليقوم بتعديل بعض السيناريوهات الرديئة التي يقوم بشرائها من مجهولين، ليضيف عليها "دالتون ترمبو" بعضاً من إبداعاته، لتتحول إلي أفلام ناجحة، واستمر الحال سنوات، حتي جاءته فرصة العمر، عندما دق بيته النجم "كيرك دوجلاس" أحد أهم نجوم سنوات الخمسينيات، وطلب منه كتابة سيناريو لقصة سبارتاكوس محرر العبيد في سنوات قبل سيطرة الدولة الرومانية، وتعهد له كيرك دوجلاس بكتابة اسمه علي السيناريو، متحدياً شركات الإنتاج في هوليوود، وقد حدث وكان نجاح الفيلم بداية لاستعادة مكانته، ورفع اسمه من القائمة السوداء، أما الممثلة هيلين ميرين، فهي تؤدي في الفيلم شخصية صحفية لامعة وكاتبة مقال في أشهر جرائد النميمة، وكانت قد أخذت علي عاتقها مهمة تدمير "دالتون ترامبو" ورفاقه الذين انتهجوا الفكر الاشتراكي، بزعم أنهم يعملون ضد مصلحة أمريكا ويهددون أمنها!! قد يكون الفيلم نفسه لم يلق ترشيحاً، للفوز رغم أهميته ولكن كل من بطليه بريان كرانستون، وهيلين ميرين مرشح لجائزة أفضل ممثل وأفضل ممثلة مساعدة عن فيلم دراما! أما النجمة الشابة "إليشيا فيكاندر" فهي مرشحة مرتين هذا العام، الأولي في قائمة أفضل ممثلة عن فيلم "دانيش جيرل"، والثانية كأفضل ممثلة مساعدة عن فيلم "إكس ماشينا"، الذي تؤدي فيه دور نموذج أنثوي لإنسان آلي، صنعه عالم شبه مجنون، ووضع من بين خصائصه القدرة علي التفاعل العاطفي والإحساس بالمؤثرات الخارجية مثل الجنس، ومنحه القدرة علي التفكير، ولكن يحدث أن تدرك هذه الآلة بما لديها من قدرة علي الإحساس بالخطر، أن العالم سوف يقوم بالتخلص منها، ليخلق نموذجاً أكثر حداثة، فتخطط للهرب، وكان محتماً عليها التخلص من العالم نفسه، ولكنها لم تضع في حساباتها أنها لن تقدر علي التعامل مع الحياة العادية ومكوناتها لأنها ليست مؤهلة لذلك وبرنامجها لا يمنحها القدرة علي التفكير خارج حدود المعمل الذي عاشت خلاله!! الفيلم فكرته جيدة وأداء النجوم أوسكار إيزاك واليشيا فيكاندر أكثر من رائع ولكنها وحدها التي نالت الترشيح مرتين، أما جائزة أفضل ممثلة في فيلم كوميدي فتتنافس عليها كل من جنيفر لورانس عن فيلم "جوي"، وميليشيا مكارثي عن "جاسوس"، وماجي سميت عن فيلم "السيدة في عربة الفان"، وليلي تومبلين عن فيلم "الجدة" وأغلب الظن أن ميليشيا مكارثي هي الأقرب للفوز!