أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    المشهراوي: لا بد من إطلاق إعمار غزة سريعًا لتثبيت صمود الشعب    مصطفى البرغوثي: وحدة الموقف الفلسطيني أولوية وطنية في المرحلة المقبلة    مهرجان الموسيقى العربية ال33 يحتفي بأساطير الطرب.. ثروت وناجي يعيدان سحر حليم ووردة| صور    تعرف على موعد بدء التوقيت الشتوي وموعد ضبط الساعة رسميًا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 24 أكتوبر 2025    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    رسميًا.. أسعار استخراج جواز سفر متسعجل 2025 بعد قرار زيادة الرسوم الأخير (تفاصيل)    زيلينسكي: الاتحاد الأوروبي أكد أن المساعدات المالية لأوكرانيا ستستمر    مع استمرار الإغلاق الحكومي.. متبرع ثري يقدم 130 مليون دولار لتغطية رواتب الجيش الأمريكي    دوي صفارات الإنذار في تجمعات سكنية قرب غزة.. وبيان عاجل من الجيش الإسرائيلي    غضب من لاعب الزمالك بعد استبعاده أمام ديكيداها الصومالي    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    بدء غلق طريق محور 26 يوليو لرفع كوبري مشاة محطة مونوريل جامعة النيل    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (تحديث مباشر)    د. زاهي حواس يكتب: الافتتاح العظيم لأعظم متحف في العالم    نانيس أيمن تكتب: الهند لأول مرة بالعراق من خلال «رقصة النسيج» اللوحة الفنية الراقية والفوز المستحق    «ليلة عسل زيك انت وعروستك».. ويزو تهنئ حاتم صلاح بحفل زفافه    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    طلع سوابق، مفاجأة غير متوقعة في تحقيقات النيابة مع مرشح الفيوم المنتحل صفة طبيب    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    الشناوي يكشف مكافأة لاعبي بيراميدز عن الفوز بدوري الأبطال    نجيب ساويرس يؤكد دعوة محمد سلام لحضور فعاليات مهرجان الجونة السينمائي    قطة: سأتولى رقابة ديمبيلي.. وسأمنح هذا الثنائي أفضل لاعب داخل القارة    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    سيلتا فيجو يفوز على نيس 2-1 فى الدورى الأوروبى    رابط التقديم في اللوتري الأمريكي 2025 وخطوات التسجيل في قرعة الهجرة إلى أمريكا    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج ل26.6 مليار دولار    مصرع وإصابة شخصان إثر حريق سيارة بطريق السويس الصحراوى    في ليلة طربية استثنائية.. ملك أحمد تبهر جمهور معكم بأداء مؤثر لأغنية الرضا والنور    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    حكم قضائى بمحو السجل الجنائى لليوتيوبر أحمد أبو زيد بعد براءته من الاتجار فى النقد الأجنبى    أحمد حسن يكشف خطوات الحصول علي شقة من الإسكان البديل لأصحاب الايجار القديم    أوكرانيا تطلب دعمًا دوليًا عبر "الناتو" لتخفيف آثار الحرب الروسية    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    عاجل- مجموعة "كايرو ثري إيّه" تدعم وحدة زراعة الكبد في مستشفى الناس بمبلغ 50 مليون جنيه    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي: وحدة الكنيسة ليست خيارًا بل طاعة لنداء المسيح    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    «محمد عبدالوهاب كان هيعملي أغاني».. فردوس عبدالحميد تروي بدايتها في الغناء (فيديو)    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    أظهرا حبهما علنًا.. محكمة تُلزم 2 «تيك توكر» بالزواج بعد نشرهما فيديو «مخالف للآداب»    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    انتخاب إدريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«آخرساعة» ترصد مآسي أربع سنوات من «قطع العيش»
الأقصر بلدنا.. بلا سُياح
نشر في آخر ساعة يوم 22 - 09 - 2015

معبد الأقصر لم يعد صوت الفنان محمد العزبي، وهو يشدو "الأقصر بلدنا.. بلد سواح" في فيلم غرام في الكرنك، مناسباً للوضع الذي تمر به مدينة الشمس. أربع سنوات فقدت فيها الأقصر توهجها؛ لا سياحة، لا عمل، لا بهجة. الحياة شبه متوقفة؛ الشوارع هادئة.. البازارات أوصدت أبوابها.. المراكب متراصة في مشهد جنائزي.. والمعابد لا يدخلها أحد. ركود تام، دفع الرجال إلي بيع بيوتهم، بينما استغنت النساء عن حليهن الذهبية، أما الشباب فيجدون الخلاص في الهجرة.
المدينة الأثرية التاريخية باتت تفتقر إلي مشاريع تنموية وإلي مصانع تنقذهم من شبح البطالة ومن التكدس في المقاهي، ما جعل الدولة تخطط لتطوير المدينة وعودة السياحة إليها. ورغم ذلك، مازال أهل طيبة فاقدين الثقة في أن يحدث أي تغيير، خصوصاً أن خسارتهم المادية تجاوزت المدي.
"آخرساعة" زارت الأقصر ورصدت مآسي "قطع العيش" الذي طال أهالي المدينة.. كل شيء يهون أمام النيل الذي يأسرك، حين تدخل إلي الأقصر. جمال يتضح علي استحياء؛ هدير المياه، أصوات النورس، المعابد التي يزداد بريقها، والنخيل الذي يُلوِّح لك من بعيد. احتفاء تمارسه الطبيعة مع أي زائر، وهو اللغز الذي كنا نتعجب منه، حين نجد السياح، والغرباء عنها، يكررون زيارتها، ويكشفون عن رغبتهم في الحياة بها، فالأمر لا يتوقف علي كونها مدينة مزدحمة بالتاريخ والحضارة، حيث تضم ثلثي آثار العالم، بل يعود إلي سحر خفي يجبرك علي العودة إليها مجدداً.
أثناء تجولي في شوارعها الرئيسية تذكرت وصف الشاعر اليوناني هوميروس في النشيد التاسع من الإلياذة عنها: "هناك في طيبة تلمع أكوام الذهب.. طيبة ذات المائة باب، حيث يمر في مشية عسكرية، أربعمائة من الرجال بخيلهم ومركباتهم، من كل باب من أبوابها الضخمة".
لم تعد طيبة تلمع، حيث يخيم الحزن علي سمائها منذ توقفت السياحة في أعقاب ثورة يناير 2011، فلا يجد الأهالي مفرا من الانتظار. يتجلي ذلك في مشهد الحناطير المتراصة بمحاذاة الأرصفة التي تصل بك إلي معبد الكرنك، وفي البازارات المغلقة لعدم وجود سياح، أما داخل المعبد فكانت البازارات مفتوحة، لكن لا أحد يدخلها.
يقف مجدي محمد أمام بازاره في حيرة، يقول كما لو أنه يستنجد: "أناشد الرئيس أن ينظر لحالنا، عدد البازارات هنا 110 جميعها تعاني، خصوصاً أن شركة الجنوب للمنشآت Cairo express المالكة للبازارات رفعت ضدنا قضايا لعجزنا عن دفع الإيجارات". بينما يتفاءل محمود العزب بأن تشهد الأيام المقبلة رواجاً، فالأفواج التي تأتي إلي الأقصر عبر سياحة اليوم الواحد تمنحهم بصيص أمل.
فوضي الكرنك
"بجانب الركود لم يسلم المعبد من الإهمال، فتشهد أسواره الخارجية التي تطل علي قرية الكرنك حالة من الفوضي" يحكي عادل التمساح، من أهالي القرية وأحد العاملين في مجال السياحة، الذي أوضح أن المحافظة لا تهتم بوضع أعمدة إنارة بها، كما لا تراقبها، فمن الممكن أن يتم تسريب الآثار من المعبد من هذا الجانب. يضيف: "يحدث أحيانا، أن يلقي الأهالي بمخلفات المباني جوار الأسوار، وقد تتكدس القمامة في الصناديق دون أن يلتفت إليها المسئولون". الأمر الذي أعتبره يسيء لوضع الأقصر كمدينة سياحة. واصطحبنا في جولة خارج معبد الكرنك، حيث طريق الكباش (علي طول 2.700 كم وعرض 76م) الذي يعد أكثر الأماكن السياحية المهملة، فالطريق بالكامل به مخلفات مباني، ولا يحيطه أي سور، كما أن الصغار يلهون في ساحته. أما تماثيله (فيصل عددها إلي 1200) التي اتخذت شكل أبو الهول، فقدت كل رؤوسها التي كانت علي شكل رأس كبش، كما لم تسلم من عبث الأهالي، حيث قاموا بتدوين ذكرياتهم، وأشعارهم، وانتمائهم السياسي علي التماثيل، التي تصل بنا إلي معبد الأقصر المطل علي النيل.
العائمة.. ثابت
علي طول الشاطئ كانت الفنادق العائمة "النايل كروز" متراصة في صفوف، مطفأة الأنوار، بلا حراك، كأنها في حالة حداد أبدي. لا سائح يطل من شرفاتها.. ولا عامل يخرج صدفة. فبجانب حالها المستعصي، واجهت أصحابها في الأسابيع الماضية أزمة الحصول علي تراخيص الإبحار وفقاً للشروط القديمة.. "تعود هذه الأزمة إلي حادثة الوراق الأخيرة، التي تسببت في الإطاحة برئيس النقل النهري سمير سلامة، وتعيين اللواء بحري رضا إسماعيل بدلاً منه، الذي قرر أن تكون التراخيص وفقا للاشتراطات هيئة السلامة البحرية" يفسر شريف عبدالوهاب، صاحب ثلاثة فنادق عائمة في الأقصر، إذ قال إن المحافظة سمحت للفنادق بالإبحار، كونها لها السلطة، لأن نزول السياح من علي أي مراكب تتسبب في فضيحة لمصر.
يضيف أنها ليست الأزمة الوحيدة التي تواجه الفنادق العائمة، وكل فترة يختلقون مشكلة جديدة، فكان يتم فحص المركب تحت الماء، لكنهم أصدروا قراراً بفحصها علي الأزأ (ونش سحب المراكب للبر)، وذلك لصيانتها بتكلفة تصل إلي 200 ألف جنيه. في الوقت الذي لا توجد فيه مراس كافية ل 300 فندق عائم، إذ يوجد نحو 15 مرسي، وعشرة آخرين خارج الأقصر، ما يضطر الفنادق إلي التكدس.
يستكمل شريف عبد الوهاب: "حال الفنادق العائمة مُهين، فيعمل حالياً نحو 12 فندقا، بنسبة إشغال 60% وبسعر لا يزيد عن 25 دولارا في الليلة، ما يكبدنا خسارة هائلة، فقمت بإرسال فندق إلي مدينة سوهاج، ورغم أنها لا تدر الدخل المطلوب، لكن علي الأقل تسد احتياجاتها، فكل فندق يحتاج إلي 50 ألف جنيه شهرياً تنفق في رواتب العاملين، والسولار، وتصاريح وقوف في النيل". قائلاً إن الخسائر لم تتوقف حد ذلك، إذ رفع نحو 30 عاملاً لديه من الذين حصلوا علي مستحقاتهم مقابل تركهم للعمل، قضايا ضده تطالبهم بالتعويض، وهو ما وصفه ب "قمة الاستغلال".
"الله يكون في عونا، وفي عون الموظفين". يقول محمد حربي، صاحب أحد الفنادق العائمة، مضيفاً إنه يقدر الوضع الذي وصلوا إليه من خسارة، خلال الأربع سنوات الماضية. يتذكر أنه أوضح للعاملين لديه ما وصلت إليه حال السياحة، وغالبيتهم تفهموا ذلك، خصوصاً أن جميعهم كانوا يحصلون علي رواتب مرتفعة، ولأنه يملك فندقا عائما واحدا يعمل، واثنين متوقفين، اتفق مع الذين سيواصلون العمل بدفع رواتبهم كاملة، أما الآخرون فسيحصلون علي نصف الراتب، إضافة إلي دفع التأمينات لكلا الطرفين.
بجوار الفنادق العائمة، كانت المراكب الصغيرة متراصة في نظام شديد، تحدق في الشمس، وفي المجهول. بينما أصحابها نائمون بداخلها، أو واقفون علي الشاطئ، في محاولة تتجدد يومياً لكسب أي زبون، حتي لو كان من الأقصر. أحدهم يحاول إقناعي أن استقل مركباً إلي البر الغربي بخمسة جنيهات.. فقط! يتحايل، ويتفاوض علي خفض السعر. حين سألته عن وضع السياحة. أجاب بسرعة: "نايمين، السياحة صفر". اسمه طارق خليفة، يزين مركبته بالورود والزينة، مثل عروسة، تنتظر أن تزف. يقول إنه أحياناً يسوق المركب بزبون واحد، وتمر عليه أيام لا يتحرك فيها. تركته، وكانت الشمس قد اختفت وراء النيل.
المقاهي.. الخلاص الوحيد
الثامنة مساء.. مقهي "ليالي" في ميدان الجرد (شمال ساحة معبد الكرنك) مكتظ بالرواد عن آخره. الرجال يجلسون دون صخب، منهم من يتابع مباراة لكرة القدم، ومنهم من يجلس في مجموعات. انضممت إلي إحداها. كان جميعهم عاملون في السياحة، وجميعهم فقدوا وظائفهم دون أن يعرفوا أي مصدر آخر للرزق. وقبل أن يبدأوا سرد مآسيهم المتشابهة، دعوا الرجل الذي يقف بجوار بضاعته علي الرصيف المجاور لنا، أن يندمج معنا، بل أعطوه أولوية الحديث: "اسمي صفوت أبوالسعود، انتهي بي الحال بعد أن صرت رجلا، له أسرة، وأطفال، أن آخذ مصروفا من معاش والدي.. ولست وحدي من يفعل ذلك، الكثير منا اضطر إلي بيع بيته، وذهب زوجته، بعد أن فقدنا وظائفنا. ولم يكن أمامي بديل، سوي هذه النصبة".
أن تعيش اليوم بيومه. ليس هناك حل آخر، خصوصاً أن كثيرا منهم مدينون لمستثمرين، منهم شركة الجنوب للمنشآت التي يملك فيها علاء مبارك أسهماً كثيرة. يحكي حسين أحمد الذي لديه معاناة مع سد الدين قائلاً: " لدي بازار، منذ ثورة يناير لم أدفع إيجاره الشهري البالغ 1200 جنيه، حتي تراكم الدين إلي 55 ألفاً. وحين ذهبت إلي الشركة لأطلب منهم إعفاء أصحاب البازارات من الإيجار بسبب ركود حركة البيع، رفضوا، وطالبونا بدفع نصفه علي الأقل، لكن من أين سنأتي بالأموال؟ ما دفعنا إلي تقديم شكوي للمحافظ، لكنه لم يفعل شيئاً".
الوضع مختلف عند محمود الظهري - يبلغ من العمر 58 عاماً - إذ رفض أن يمد يديه لأحد، فحين فقد وظيفته كمدير لإحدي شركات الطيران، سارع إلي شراء سيارة ميكروباص سياحية ب 265 ألف جنيه، ورغم ذلك هو لا يملكها، ولا يستطيع التصرف فيها، يقول: "في عرف الشركات السياحية، التي تمنحك الرخصة، من حقها التصرف في السيارة، وبيعها إن لزم الأمر، إذ يحمل الميكروباص اسمها، وندفع مقابل ذلك خمسة آلاف جنيه". متسائلاً: "لِمَ لا يؤسس المرور شركة حكومية، ترخص لنا، كي نثبت حقنا في ملكية السيارات السياحية؟".
ويؤكد العاملون في السياحة أنه لا توجد خطة حقيقية لجذب السياح إلي الأقصر، ومن ثم لا يوجد تسويق في الخارج لاستقرار الوضع الأمني في مصر.
ثمة وقف حال متعمد، يمارسه العاملون في السياحة علي بعضهم البعض. من بينها أن المرشدين يوجهون السياح إلي الشراء من بازارات بعينها، وينصحونهم بعدم إعطاء "بقشيش" لأي سائق أو عامل يقابلونه، إلي الدرجة التي أوصلت الشركات إلي توفير المنتجات التي قد يحتاج السائح لشرائها في الأتوبيس. لكن هذا لا يعني أن المرشدين حالهم أفضل. يرثي خيري كمال، مرشد سياحي، حالهم قائلا إن كثيرين منهم هاجروا، ومنهم من التحق بمهن لا تليق بهم، كأن يكونون سائقي عربات الحنطور، أو جرسونات، والذي لا يزال يعمل يتعرض لضغوط هائلة؛ فالمرشد بحاجة إلي تقدير، وأن تكون روحه المعنوية مرتفعة، حتي يستطع أن يتحدث عن بلده بشكل لائق. حاسماً أمره: "أفكر جدياً في الهجرة، فأنا لا أتوقع أن تعود السياحة كما كانت إلا بعد سنوات، كما أن الأقصر ليس بها فرص عمل أخري".
الحياة تبدأ من هنا
أربع ساعات متبقية من الليل للراحة، لأستعد في الرابعة فجراً لرحلة المنطاد، إذ تستقل الأفواج مركباً من البر الشرقي لعبور النيل إلي البر الغربي، حيث الأبدية. ثم تأخذنا سيارة إلي أرض شاسعة تعرف بمطار المنطاد أمام معبد حتشبسوت مباشرة. عدد من السياح متحمسون لرؤية الأقصر من أعلي. غالبيتهم من الصين وروسيا. يلتقطون الصور مع لحظات الشروق الأولي. العمال يحضرون أربعة مناطيد. يديرون المراوح صوب فوهتها، لتمتلئ بالهواء. وكلما ارتفع البالون يصرخ السياح فرحاً.
تحرك المنطاد فوق مقابر الفراعنة، المرشد الذي يصطحبنا يتحدث إلي الأجانب باللغة الإنجليزية: "نحن الآن فوق وادي الملوك، الذي يضم مقابر تحتمس الأول، وتوت عنخ آمون، وسيتي الأول، ورمسيس السادس". ثم أشار إلي وادي الملكات الذي يضم مقابر زوجات الملوك.. ومن الأبدية، تحرك المنطاد فوق الأراضي الزراعية، التي تفصلها عن المقابر طريق طويل. الفلاحون يلوحون بإشارات الترحيب. وكلما اقتربنا من الأرض نسمع كلماتهم بالإنجليزية: "Hello"..
"تعد رحلة المنطاد، من أكثر البرامج التي يحرص عليها السياح". يقول ياسر الزنبيني رئيس مجلس إدارة دريم للبالون، الذي أوضح أن الأقصر من أكثر المدن السياحية في المصر، الصالحة لطيران البالون؛ لقلة الرياح فيها. مشيراً إلي عدة مشاكل يتعرضون لها، من بينها عدم وجود مطار للهبوط، ما يدفعهم إلي الهبوط علي أي أرض زراعية، وتعويض صاحبها بمبلغ يقدر ب 300 جنيه، لأن الهبوط علي أي منطقة أثرية يعرضهم لغرامة، ويصل الأمر إلي احتجاز البالون، بينما يوجد مطار إقلاع أنشأه أصحاب شركات البالون -التي يصل عددها إلي تسع يعمل منها حالياً ست شركات- علي حسابها الشخصي قبل 2011 والذي يتبع وزارة الطيران المدني.
لا يتوقف سحر البر الغربي علي إبداع الفراعنة في تشكيل أبديتهم، بل علي تمسك العاملين في السياحة هناك بالحياة، إذ يمتلئ البر بمصانع الألباستر (أماكن إعداد المنتجات السياحية) التي لا تزال تفتح أبوابها، وتعمل بدأب. يجلس العمال أمام كل مصنع علي الأرض بالتوازي. كل منهم له مهمة، تتنوع بين الرسم، والنحت، وتشكيل الأحجار إلي منتجات كتماثيل أو أهرامات أو مسلات. يقول جابر سليم، صاحب أحد المصانع، إنهم يأتون بأحجار الألباستر من الجبل، والتي تنقسم ألوانها إلي الأبيض والبني والأخضر، كما أنهم يستخدمون الجرانيت والبازلت الأسود وحجر الكيرستال أيضاً في تشكيل التماثيل.. وفي مصنع طايع مرسي، الذي يحاول عماله التخفيف علي أنفسهم من اليأس، دخل فوج سياحي علي غفلة، فنهض أحد العاملين، مرحباً بهم بالغناء، فبدأ البقية بالغناء معه، مستخدمين الآلات في إصدار لحن وإيقاع خاص بهم. يقول صاحب المصنع بحالة من الفخر: "كل العاملين هنا يتحدثون بلغات مختلفة، تعلموها علي مدي السنوات، حتي الفن الذي يصنعونه موهبة خالصة، ورثوها عن آبائهم".
المعبد الجنائزي
تنطفئ الحياة بمجرد خروجك من البر الغربي، حيث تمر علي مساكن القرنة القديمة الموجودة في الجبل منذ حوالي ثلاثة قرون، والتي تم تهجير أهلها في أربعينيات القرن الماضي، بسبب الآثار التي تم اكتشافها حولها، وبداخل البيوت. ثم تمر بعد ذلك إلي الساحة المكشوفة لتمثالي ممنون. هما كل ما تبقي من المعبد الجنائزي لأمنحتب الثالث، ويصل ارتفاع الواحد منهما إلي 19.5 متر، والذي رصدنا فيه قيام الفلاحين قبل الظهيرة بالتجول بأغنامهم في ساحة المعبد، وبجواره. نظراً لعدم وجود رقابة، حتي الشرطة الموجودة هناك لم تعترض علي هذا المشهد. وفي مدخل التمثالين يوجد عدد من البازارات التي يعاني أصحابها أيضاً. وجدناهم جالسين تحت شجرة قريبة يتناولون الشاي. يتطوع أحدهم بالحديث عن وضعهم الصعب، اسمه أحمد حسن الهادي يقول: "جميعنا كما تري كبار في السن، لا نملك معاشا، ولا يوجد مصدر رزق آخر.. المشكلة أن الشركات السياحية والمرشدين (يقطعون عيشنا) من خلال اتهامنا بالسرقة، ما جعل السياح يتجنبوننا تماماً".
يدرك المسئولون الوضع الذي تمر به السياحة، وفي شأن ذلك قال محمد بدر، محافظ الأقصر، إنهم يحاولون قدر المستطاع توفير مساعدات مالية للحالات الإنسانية المستعصية، بجانب سعيهم في التفاوض مع الشركات السياحية لتخفيض أسعار إيجار البازارات. مضيفا: "نحن كحكومة، نتعاون مع كل الجهات المعنية لأجل عودة السياحة إلي الأقصر، إذ درسنا عدة مشروعات سيتم طرحها في مؤتمر استثمار الصعيد الذي سيعقد خلال الفترة المقبلة، منها طرح الدون تاون المقرر إقامته علي مساحة 1700 متر خلف مقر المحافظة، ومشروع للإسكان السياحي علي مساحة 5 ملايين متر في منطقة الطود بالمشاركة مع هيئة التنمية السياحية، بجانب مناقشة مشروع فندق الفورسيزون، أما المشروعات الاستثمارية مثل إنشاء مصانع، فمن الصعب أن تتم مناقشتها، قبل تجهيز البنية الأساسية لها، لأنه من المستحيل أن يعتمد مصنع في الأقصر علي الكهرباء بشكل كامل، كما أننا نعمل علي توصيل الغاز إلي البر الغربي والمنطقة الصناعية في طيبة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.