في مصر الجديدة.. وفي شارع فرعي.. يمر علي مربع مساكن شعبية قديمة.. أحاطتها العمارات الفارهة.. كنت أمر منه تجنبا لزحام الشارع الرئيسي.. علي الرصيف.. كنت كل ليلة أحرص علي رصد المشهد الذي يحدث بهدوء علي الرصيف الممتد أمام بلوك المساكن الشعبية.. رجل عجوز يرتدي جلبابا منزليا بسيطا، يجلس علي الرصيف.. يشرح علي أوراق كراسة مدرسية.. بعض أشياء بقلمه الرصاص يؤكدها بالشرح والتوضيح الذي يظهر من حركة يديه وعينيه.. للشاب الذي جلس بجواره علي الرصيف، رغم ملابسه الحديثة الأنيقة.. وسيارته التي ألمح مكانها إلي جوارهم.. بالصدفة كنت أعرف الشاب، وهو مدرس رياضيات.. (موهوب) فعلا.. في إحدي المدارس الخاصة والذي يمارس مهنته بعشق، رغم تخرجه في كلية مغايرة عن تخصصه وقد رفض منذ عام سابق، أن يقوم بتدريس منهج رياضة حديثة لطلاب الثانوية العامة لكنه لم يكن متمكنا منه تماما.. والصدفة أيضا جعلتني أعرف أن الرجل العجوز، هو أستاذه السابق في المدرسة، وكان أصلا متخصصا بشكل مبكر في هذا المنهج الحديث الذي تم تعميمه علي المدارس.. وكان أن لجأ المدرس الشاب إلي مدرسه القديم يفهم منه العلم علي أصوله.. ويبدو من شواهد الحال.. أن شقة الأستاذ القديم الذي أحيل للمعاش، ويرفض كمعظم جيله الدوران في دوامة الدروس الخصوصية علي منازل التلاميذ.. واكتفي بالمعاش.. في الشقة البسيطة التي لا تتحمل ضيافة تلميذه القديم، خاصة أن وقت التلميذ القديم الجديد لا يتسع لهذا الدرس الخاص إلا بعد منتصف الليل، عندما ينتهي من جولاته الدائرية علي منازل طلابه في الدروس الخصوصية.. ولم أجرؤ أن أسأل صديقي المدرس الشاب الذي لم يلاحظني مطلقا.. عند مروري بجوارهما إن كان يدفع أجرا لأستاذه القديم.. أم لا.. وكثيرا ما سرحت محاولا تفسير هذا المشهد.. لكني لم أصل لشيء.. لكنه كثيرا ما يشغل مخيلتي.