منذ عام تقريباً، بدأت حملة دعاية، مكثفة لفيلم سندريللا، ولم يكن "التريلر" يضم مشاهد لممثلين، ولا أي مشاهد من الفيلم، فقط صورة للحذاء الزجاجي، يتألق وينبعث منه انعكاسات ضوئية، تزيده جمالاً وغموضاً، وتنطلق لدي المشاهد، رغبة فضولية لمعرفة من تكون صاحبة الحذاء، أي من هي سندريلا؟ حذاء سندريلا هو الأشهر في تاريخ الحكايات، وقصص الحب الخيالية، داعب طفولتنا، عندما قرأنا القصة للمرة الأولي ضمن روايات المكتبة الخضراء، وأثار فضولنا، كيف لهذا الحذاء أن يكون هو وسيلة التعرف الوحيدة علي الفتاة التي شغلت بال الأمير، وسرقت قلبه، وماذا كان يمكن أن يحدث، لو لم تفقد حذاءها، وهي تجري مهرولة علي سلالم القصر، ودقات الساعة تعلن الثانية عشرة! قدمت السينما العالمية معالجات مختلفة ومتعددة لقصة سندريلا، بعضها كان عن طريق الرسوم المتحركة، كما تم تقديم معالجات عصرية ومتنوعة لحكاية الفتاة الجميلة البسيطة، التي يحبها الأمير الوسيم ويختارها من بين مئات الفتيات، ويكون سببا في تغيير حياتها بشكل جذري من الشقاء إلي السعادة المطلقة، من أهم المعالجات التي أحبها كثيراً، فيلم "كيت وليوبيد" بطولة ميج رايان، وهيوجاكمان، وهو مزج بديع بين المعالجة العصرية والاحتفاظ إلي حد كبير بتفاصيل القصة الخيالية، أمير من عالم أسطوري غريب، يهبط إلي مدينة نيويورك، ويتعرف علي صحفية طموحة واقعية لاتصدق بتاتا، في القصص الخيالية، ورغم أن الأمير يتصرف وفق مفردات طبيعته وحياته، ويرتدي الملابس التي جاء بها من عالمه، إلا أنها تعتبره مجرد رجل مخبول، ومع ذلك فهي تميل إليه عاطفيا، وعندما يعود إلي عالمه، تقرر أن تلحق به، لتكون أميرة أحلامه ليختارها هي دون سواها من عشرات الفتيات اللائي حضرن الحفل! أما الفيلم الأكثر عصرية الذي استلهم حكاية سندريللا، الفتاة البسيطة وأميرها الوسيم الذي ينتشلها من حياة الفقر، فكانت مع "امرأة جميلة" الفيلم الذي أطلق شهرة جوليا روبرتس، وشاركها البطولة ريتشارد جير، يعود تاريخ إنتاج الفيلم، إلي أكثر من عشرين عاما، وفي هذا التصور العصري تحولت سندريللا إلي عاهرة ولكنها تحتفظ ببعض النقاء وخفة الظل والذكاء، تلتقي برجل أعمال براجماتي، يعيش بلا مشاعر ويهتم فقط بنجاحه وصفقاته، ولكنه يطلب منها أن تلازمه، لعدة أيام حتي ينتهي من صفقة كان يدبر لها، وتتحول علاقته بها، إلي قصة حب من جانبها، سرعان ما يقع هو الآخر في الحب بعد أن لعب كل منهما دوراً في تغيير حياة الآخر، والغريب أنه رغم التاريخ الطويل للسينما المصرية، إلا أنها لم تفكر في تقديم حكاية سندريللا إلا مرتين الأولي كانت في أوبريت ضمن فيلم لفريد الأطرش وصباح وإسماعيل يس، وكانت زوجة الأب هي نجمة إبراهيم! والثانية في معالجة عصرية جميلة قدمها صلاح جاهين، في فيلم خللي بالك من زوزو، وكان أمير الأحلام هو حسين فهمي، الذي انتشل زوزو من كار العوالم، وطبعا كانت زوزو هي سعاد حسني، وفي العام الماضي قدمت السينما الأمريكية فيلم "في الغابة" into the woods للمخرج روب مارشال، والفيلم يحمل عددا لابأس به من حكايات الخيال، الشهيرة أهمها ذات الرداء الأحمر، وريبانزل، وسندريللا، ولعب دور الأمير "كريس باين"، مع آنا كندريلك، ولكن كان هذا الجزء يحمل معالجة مختلفة تماما، عما نعرفه عن تفاصيل الحكاية، فلم تنته كما نعرف عند زواجهما، ولكن امتدت إلي تفاصيل مابعد الزواج، حيث عاد الأمير الوسيم إلي حماقاته، ويبدو أنه اكتشف أن سندريللا ليست فتاة أحلامه فخرج يبحث عن فتاة أخري، فوقع في غرام زوجة الخباز!! أما سندريللا فقد اكتشفت هيافة الأمير، فقررت الانفصال عنه لتبحث لنفسها عن رسالة ودور أكثر أهمية، فمنحت اهتماماتها لرعاية حيوانات الغابة! أما أحدث فيلم عن نفس الحكاية فهو الذي أخرجه البريطاني كينيث براناه، وهو ممثل مسرحي وسينمائي رصين، ومخرج أيضا، قدم بعض مسرحيات شكسبير في أفلام ناجحة ومنها هاملت، وماكبث، ولابد أن تنتابك الدهشة أن يكون ضمن اهتماماته تقديم فيلم عن حكاية سندريللا، رغم إنها "اتهرست" في أفلام كثيرة سابقة، يشارك في بطولة الفيلم كيت بلانشيت الحاصلة علي أوسكار أفضل ممثلة، في العام الماضي، وهي تقدم هنا شخصية زوجة الأب الشريرة، ولكن بأداء مفتخر، يرشحها لجائزة أفضل دور ثان، كما تشارك في الفيلم هيلين بونهام كارتر في شخصية الجنية الطيبة التي تساعد سندريللا وتحول لها القرع العسلي إلي عربة فاخرة تحملها إلي قصر الأمير، بعد أن تهديها فستانا رائعا يلفت نظر الأمير وكل من في الحفل إليها، غير هذا لا يحمل الفيلم أي جديد، ولا أي عناصر تميز عدا الأزياء والإكسسوارات الفاخرة، والحذاء الزجاجي، أما الأمير فقد كان غاية في السخافة، والغباء، وحتي الآن يتردد هذا السؤال في رأسي، دون أن أجد له إجابة، فما معني أن يصر الأمير علي أن تجرب الفتاة إلي يحبها الحذاء ليتأكد من أنها هي نفسها التي كانت تراقصه في الحفل، وأثارت إعجابه؟ هل هو عمي القلب ولا عمي النظر؟