أكد الخبير الاقتصادي، د.عبد الخالق فاروق، أن الصناديق الخاصة هي السبب الرئيسي في عجز الموازنة العامة للدولة حيث يقدر حجم الفوائض المالية فيها ب 27 مليار جنيه. وأوضح في حواره ل«آخر ساعة» أن استمرار هذه الصناديق يهدد الاقتصاد المصري بالركود والانهيار. ٭ كيف تؤثر الصناديق الخاصة علي الاقتصاد المصري؟ - الأصل في أي نظام مالي محترم وحديث أن كل إيرادات الدولة تدخل الخزانة العامة ثم ينظر لاحتياجات كل الجهات من قبل وزارة المالية وتدرج مخصصات كل جهة في الموازنة العامة للدولة، ولكن بسبب دور الدولة النشط في المجال الاقتصادي بدأت تظهر ظاهرة العجز في الموازنة لتوفير ميزانية للتعليم والصحة وتشغيل الخريجين والإيرادات إما ثابتة أو تزيد بصورة ضئيلة في حالتنا إيرادات الدولة بدأت في التسرب خاصة بعد عام 1979 الأموال تخرج من الخزانة العامة وتذهب لما يسمي بالصناديق الخاصة التي حرمت من مليارات جنيهات ليزداد عجز الموازنة يوما بعد يوم . وأصل البلاء في موازنة الدولة ليس الدعم، كل الدول تدعم مواطنيها الفقراء، الأصل هو الصناديق الخاصة التي بدأت علي استحياء في عام 1967 بسبب الهبوط في موارد الدولة بعد النكسة فسمح للمحافظات بإنشاء صندوقين أحدهما للنظافة تجمع فيها إيرادات نظافة الأحياء ونظافة المنازل تصرف منها المحافظة، وصندوق الإسكان الشعبي تجمع فيه الغرامات التي يدفعها الملاك الذين يحصلون علي «خلو رجل» وكان من المفترض أن تستخدم هذه الأموال لتوفير سكن لمحدودي الدخل. في عام 1979 أخذ الأمر منحي خطيرا أصبح هناك قوانين مثل قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 59 لعام 1979 الذي أعطي لهذه الهيئة حق الهيمنة علي كل أراضي الدولة الصحراوية وسمح لها في المادة وفقا للمادة 33 أن تذهب حصيلة بيع هذه الأراضي للصندوق ولا تذهب إلي موازنة الدولة ولهذا الصندوق مجلس إدارة يرأسه وزير الإسكان يصرف من الصندوق مكآفات ضخمة لكبار الموظفين بالوزارة. وانتشرت الظاهرة كالنار في الهشيم وتم إنشاء هيئة التعمير والتنمية الزراعية بقانون رقم 143 لعام 1981 لتكون مسئولة عن الأراضي المستصلحة، التي باعت أراضي طريق القاهرةالإسكندرية لمستثمرين بحجة استصلاحها ليتم تحويلها إلي منتجعات سكنية فاخرة بسعر 50 جنيها للفدان حققوا من ورائها مليارات الجنيهات، وكانت هذه الأموال تذهب إلي صندوق خاص. وزادت هذه الظاهرة حتي أصبح لدينا 8 آلاف حساب وصندوق خاص، جزء كبير منها لا نعلم حجمه وكيف تصرف أمواله، وهذه الظاهرة ليس لها مثيل في كل النظم المالية في العالم لأنها حرمت الخزانة العامة من مبالغ ضخمة جدا والحركة المالية لهذه الصناديق علي مدار السنة تصل إلي 325 مليار جنيه والفوائض المالية لهذه الصناديق كانت مقدرة بعد ثورة 25 يناير ب27 مليار جنيه ويمكن يزداد هذا الرقم إذا تم حصر كل الصناديق الخاصة ، للأسف لم يتم الحصر وجري تواطؤ وصمت علي الموضوع . وحرمت الدولة من هذه الأموال لشراء سيارات فارهة للمسئولين وبناء مبان حكومية فاخرة بدون ضرورة، الصناديق الخاصة إحدي ركائز الفساد في عهد مبارك. يوسف بطرس غالي في عام 2006 عدل قانون الحساب الموحد حيث كان القانون يلزم أي جهة تنشئ صندوقا خاصا أن تقوم بفتح حساب بالبنك المركزي لأنها أموال عامة ، ليسمح لهم بإنشاء هذا الحساب في البنوك التجارية. إذا لم يتم وقف هذه الظاهرة الشاذة وإلغاؤها تدريجيا سنستمر في عجز الموازنة . ٭ لماذا لم تحل هذه المشكلة منذ قيام ثورة يناير حتي الآن؟ - لأن كل من تولي الدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير كان امتدادا من حيث مدركاتهم السياسية وتوجهاتهم الاقتصادية لنظام مبارك، وبالتالي ظلوا علي نفس سياسته، بالإضافة إلي أن جماعات المصالح المتكسبة من الصناديق الخاصة تقاتل من أجل بقائها. ولك أن تعلم أن البنك المركزي بعد إنشاء قانون جديد له عام 2003 بعد أزمة المتعثرين أنشأ صندوقا خاصا بحجة تطوير وتحديث القطاع المصرفي تحصل أموال هذا الصندوق من 5%من صافي أرباح البنوك الحكومية، التي تقدر بحوالي 300 مليون جنيه سنويا غير المنح ليحصل قيادات القطاع المصرفي منه علي مبالغ ضخمة شهريا من مصلحة المنتفعين أن تستمر هذه الصناديق وتحرم منها الخزانة العامة. أيضا اتحاد الإذاعة والتلفزيون المدين لديه 18 حسابا وصندوقا، ووزارة الداخلية لديها وفقا لمراقبين في الجهاز المركزي للمحاسبات 26 حسابا وصندوقا ما قمنا بحصره 13 حسابا فقط، ووزارة الخارجية لديها حسابات خاصة كل الرسوم القنصلية التي يدفعها المصريون في الخارج لا تدخل موازنة الدولة ولكن تدخل الصناديق الخاصة تصرف منها دون حسيب أورقيب. ٭ كيف يمكننا استرداد أموالنا المهربة بالخارج؟ - عودة الأموال المنهوبة ليست وهما ولكن الدولة أدارت الملف بطريقة خاطئة حيث حولت كل البلاغات إلي النائب العام وهو ليس جهة اختصاص، لذا أطرح استراتيجة جديدة لاسترداد الأموال المنهوية علي ثلاثة مستويات المستوي الأول، لابد أن تدار هذه المعركة سياسيا بمعني أن يكون هذا الملف من أهم أولويات السلطة السياسية فمثلا عندما يقابل الرئيس السيسي رئيس وزراء بريطانيا أو رئيس اتحاد سويسرا يجب أن يكون هذا الموضوع علي رأس الموضوعات التي ستناقش. المستوي الثاني قانوني فكل البلاغات لابد أن تحول للجهازالمركزي للمحاسبات لفحصها ويحصل علي مستندات هذه القضايا كاملة ويرسلها إلي النائب العام ثم ترسل إلي محاكم اقتصادية مخصصة لهذه القضايا، خلال أقل من سنة سيكون لدينا أحكام قضائية تعزز من مركزنا التفاوضي والقانوني لنتمكن من مخاطبة كل البنوك والمؤسسات الدولية استنادا إلي اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد ونحرجهم قانونيا. المستوي الثالث المحور الشعبي، علي الشباب أن ينسقوا مع أجهزة الدولة لعمل لوبي ضاغط لاسترداد حقوقنا، ولابد من تنظيم مظاهرات خارج مصر للتنديد بعدم استرداد هذه الأموال. لابد من تشكيل لجنة بإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية لمتابعة هذا الملف وتشكيل لجنة تحقيق علي أعلي مستوي يرأسها قاض مشهود له بالنزاهة بها خبراء اقتصاديون، تفتش علي سجلات البنك المركزي قبل ثورة يناير بأيام وبعد قيامها لمعرفة الكيفية التي خرج بها 20 مليار دولار منها 500 مليون يورو كانت علي طائرة حسين سالم لابد أن يحاسب علي ذلك محافظ البنك المركزي . ٭ كيف تري دور رجال الأعمال في منظومة الاقتصاد الجديدة؟ - هناك 2000 شخص في مصر يستحوذون علي ربع الدخل القومي، ويسيطرون علي معظم ثروة مصر أنشأوا امبرطوريات مالية عن طريق النهب العام من خلال أموال البنوك أو من خلال الأراضي التي حصلوا عليها من الدولة بأسعار زهيدة. وهناك عدد كبير من رجال الأعمال هربوا أموالهم في الخارج، حيث كان الوضع قلقا بالنسبة لهم، أما بالنسبة لموقفهم من النظام السياسي فهم في حالة حذر وترقب، فهم يسعون لكسب ود الرئيس عبد الفتاح السيسي. هل انتهت ظاهرة المستشاريين بالهيئات الحكومية؟ - هناك مادة في الدستور الجديد تلغي ندب أي مستشار للعمل في الجهات الحكومية، ولكن لازال هناك مستشارون في الجهات الحكومية وهم أنواع: قانونيون منتدبون من الهيئات القضائية ومستشارون عماليون في السفارات الذين من المفترض أن يقوموا بحل مشكلات العمالة المصرية بالخارج وهم حوالي 30 شخصا ويحصلون علي 28 مليون جنيه شهريا، ومستشارون إعلاميون الواحد منهم يحصل علي 12 إلي 15 ألف دولار في الشهر، ولجان فض المنازعات تتكون من المستشارين الذين كانوا يعملون في الهيئات القضائية بعد خروجهم للمعاش وظهرت هذه اللجان بحجة تخفيف ضغط القضايا التي تنظر أمام مجلس الدولة بالتجربة ثبت ان الجهة الإدراية لاتحترم قرارات هذه اللجان، وعددهم قبل ثورة 25 يناير كان 25 ألف مستشار، الظاهرة مازالت موجودة ولكنها قلت.