نيللي كريم.. هي نجمة هذا الموسم الرمضاني بلامنازع، وهذا ليس بحال إجحافا للأخريات، بل تقرير واقع، فرغم شدة المنافسة بين نجمات مسلسلات رمضان هذا العام، سواء من قدمن الأدوار الأولي أو الثانية، فهناك تفوق واضح للعنصر النسائي، باختصار نحن أمام طفرة في الأداء التمثيلي، يتباري فيها الشباب من الجنسين، ولكن كفة العنصر النسائي تبدو أكثر ثقلاً، وأعتقد أننا مهما اختلفنا حول قيمة بعض الأعمال المعروضة، فصعب أن نختلف علي أن سجن النسا هو الجواد الأسود الذي يرمح بثقة في حلبة السباق ويكاد يلحق به «السبع وصايا»، ولو صارت الأمور في بقية حلقات المسلسلين، علي هذا النحو من التشويق والقوة، والإثارة والحرفة، ربما تكون النتيجة تقدم أحدهما علي الآخر بفارق بسيط، علي أية حال، فإن عدم التوقع أحد أهم عناصر المتعة، فدعونا نكمل الفرجة والاستمتاع، ولكن هذا لن يغير في الأمر شيئاً، بالنسبة لكون نيللي كريم هي الوهج الذي انطلق من مسلسل سجن النسا، ولازالت قادرة علي إبهارنا كل يوم من خلال مشهد كامل، أو نظرة عين، أو عبارة، أو رد فعل تلقائي تقوم به! أول مرة ظهر فيه اسم نيللي كريم، كان عندما اختارها المخرج الراحل «يحيي العلمي» لتلعب فوازير رمضان «حلم ولا» في عام 1997 وشاركها بطولة الفوازير صلاح عبد الله، طبعا لم يصادف العمل أي نجاح، وتقدر تقول إنه فشل فشلاً ذريعاً، ومع ذلك بقيت صورة راقصة الباليه الجميلة، «تزين الجرانيل» علي رأي المطرب الشعبي الراحل محمد رشدي، واصفاً، حبيبته عدوية، ويبدو أن الأقدار كانت تخبئ مفاجآت لفراشة الباليه، فعندما كنا بصدد البحث عن وجوه جديدة لتقف أمام السيدة فاتن حمامة، في مسلسل وجه القمر، عرضنا عليها أنا والمخرج عادل الأعصر، كلا من مني زكي وحنان ترك، وياسمين عبدالعزيز، رفضت ثلاثتهن، لأسباب لامجال لذكرها الآن، ولما كان أحد الأدوار يتطلب راقصة باليه، فقد اقترحت اسم نيللي كريم، ورغم نجاح وجه القمر، إلا أن نيللي كريم، لم تشارك في أي عمل فني له شأن، أو ممكن أن تعبر فيه عن موهبتها بشكل صحيح، وبدأت تتعثر بين أدوار غاية في السطحية، في أفلام كوميدية، مع هاني رمزي، وغيره من المضحكين الذين عفي عليهم الزمن، وربما كان وجهها البريء عائقا لاختيارها في أدوار تحتاج إلي حرفة تمثيل، فقد كان ينظر لها علي أنها راقصة باليه، لاتصلح إلا للأدوار الخفيفة! حصلت النجمة نتالي بورتمان علي جائزة الأوسكار في 2010 عن دورها في فيلم البجعة السوداء، للمخرج «دارن أرنوفسكي»، حكاية الفيلم عن راقصة باليه «نينا» تتمتع بمهارة، ونقاء، وتؤدي دور البجعة البيضاء «الطيبة» في باليه بحيرة البجع الشهير، ولكن يتولي إدارة الفريق مخرج شاب، يطلب من نينا أن تؤدي دور كل من البجعة البيضاء، والسوداء«الشريرة»، ولكنها تعجز عن ذلك في البداية، لأن أداء دور البجعة الشريرة السوداء يتطلب قدرات خاصة، ويسعي المخرج لانتزاع الطاقة الكامنة في نينا، لتكتمل الرؤية الفنية التي يسعي لتقديمها وتأكيدها، وهي أن المخلوق الكامل هو الذي يجمع بين الخير والشر، وأن التجربة الحياتية، قد تنزع عن الإنسان بعضا من براءته، ولكنها تمنحه العمق والصلابة، والخلود أيضاَ! وهذا ماحدث مع نيللي كريم، فقد أثقلتها تجارب الحياة، والمدهش أن نجاحها وتألقها الفني لم تحققه إلا من خلال الأدوار «المخربشة»، بداية من مسلسل الحارة، الذي تلاه فترة صمت فني طويل امتد إلي ثلاثة أعوام تقريبا، ثم عادت نيللي كريم بمسلسل ذات، مع كاملة أبو ذكري ومريم ناعوم، وكان أداؤها مفاجأة للجميع، لقد ظهر للبجعة البيضاء، أشواك علي ظهرها وبدأت في تغيير جلدها وتتخلص من البراءة «عدم النضج» التي حددت مسيرتها سنوات طوال! لا يستطيع ممثل مهما كانت عظمة موهبته أن يعزف عزفاً منفرداً في عمل فني سينمائي أو تليفزيوني، فهناك عمود فقري أو أساس لكل عمل ناجح وهو السيناريو، «الفكرة - الأحداث- الشخصيات التفاصيل» بالإضافة إلي بقية عناصر العمل الفني، التصوير الديكور، المونتاج، الموسيقي، ويقود كل هذه العناصر رؤية مخرج لديه إبداع وقدرة علي توجيه الممثل، والتعامل مع أدق التفاصيل، ومن السهل جداً، أن تلحظ الفرق الهائل، بين أداء نيللي كريم في «سرايا عابدين» رغم أنها «طالعة بمنظرين» وبين أدائها في سجن النسا! قيمة المسلسل تبدأ بالفكرة التي كتبتها الراحلة فتحية العسال، وصاغتها في سيناريو مريم ناعوم، اهتمت خلاله بنسج تفاصيل مدهشة لكل شخصية، وبالأجواء العامة، أو مسرح الأحداث بداية من الحارة الشعبية، التي تعيش فيها غالية، مع جيرانها، وتبدو الجدران وكأنها عازل وهمي، فكل جار يسمع ويتابع مايحدث في بقية المساكن، ثم تنتقل الأحداث إلي المسرح التالي وهو سجن النساء الذي يضم تشكيلة غريبة من البشر، جمعتهم الجريمة بأنواعها، قتل، سرقة، مخدرات، دعارة، أموال عامة، ممكن أن يختلط عليك الأمر، ولاتعرف إن كان هؤلاء ضحايا أم أنهن يحملن جينات الفساد والانحراف منذ ولادتهن! غالية، هي الخيط الأساسي الذي إذا سحبت طرفه، انسحب معك بقية خيط الحكاية، قد تكون الشخصية المحورية، ولكنها ليست الشخصية الوحيدة، فهي تتشابك مع غيرها من شخصيات العمل، غالية تعشق الواد صابر، تمنحه كل شيء بكرم حاتمي، وإفراط، ولاتجد في ذلك غضاضة، فهو الرجل الذي تفتحت معه أنوثتها، ولكن صابر واد حلنجي، واضح للأعمي أنه يستغلها، ومع ذلك منحته كل الأموال التي تحصلت عليها مكافأة بعد وفاة أمها السجانة، مضافا إليها بعض النفحات التي حصلت عليها من تاجرة المخدرات «عزيزة»، كل هذا لتشتري رضاه، وتساهم في مشروع الميكروباص الذي كان يحلم بشرائه، ومع ذلك فقد غدر بها وتزوج غيرها، وتركها مثل المذوبحة، تنعي حظها وغباءها! أداء نيللي كريم يتغير من مشهد إلي آخر، فهي في البداية مجرد فتاة عاشقة بلهاء قليلة التجربة، تندهش عندما تري بعينيها تصرفات جارتها، التي تقبل الرشوة وتتجاوز أخلاقيا، وتغمض عينيها وتمد يدها، ولكنها مع تطور الحدث، تبدو وكأن ظهر لها مخالب وأنياب، في مشهد عبقري تهجم علي صابر «أحمد داوود» كنمر هائج، وتوسعه ضربا، وتلقي في وجهه بالأطباق الساخنة، وتكاد تسلخه، عندما أخبرها بنيته تأجيل زواجهما، وفي لحظة أخري في نفس المشهد، تعتذر له بحب وبراءة، خوفا من أن يتركها أو يتخلي عنها، إنها تتقلب في المشهد الواحد بين أكثر من أداء، أما بقية الشخصيات فيبرز من بينها أحمد داوود، في دور صابر وهو واحد من مفاجآت المسلسل، سلوي خطاب في دور عزيزة تاجرة المخدرات، ودرة، وحنان يوسف، ريهام حجاج، سلوي عثمان، والموهوبة المدهشة «نسرين أمين»، وعلاء قوقة في دور تاجر المخدرات «الورع»!!