الأزمات الحياتية التي تمر بنا بسبب سوء حالة الخدمات والمرافق العامة وحالة الفوضي التي لا تخطئها العين في كل مكان، الأخطر منها حالة الانقسام المجتمعي بين المصريين خلال السنوات الثلاث الماضية حيث صار كل طرف لايري الآخر، فالأزمات الاقتصادية يمكن علاجها علي المدي القصير أو البعيد لكن الانقسام الذي لم يقف عند القوي السياسية امتد للأسف إلي البيوت وأماكن العمل والتجمعات يترك شروخا عميقة في بنيان المجتمع وتماسك نسيجه والغريب أن النخب بدلا من إزالة هذا الانقسام زادوه عمقا وسوءا!! تحضرني واقعة منذ فترة قصيرة عندما دعيت لغداء عائلي وأدهشني ماقاله أحد الأبناء حيث ناشد الحاضرين عدم التكلم في السياسة ربما بحسه الفطري البسيط ومعرفته بمواقف الحاضرين ولمحبته لهم يخشي الصدام بينهم ، حتي المناسبات الاجتماعية أصبحت تعبر عن هذا الانقسام ، فالخلاف ينبغي أن يبقي في حدود الاختلاف في الرؤي والتوجهات دون الذهاب بعيدا لمنطقة الكراهية. وفي تقديري أن ثورة 25 يناير أحدثت تغييرا مهما لكن المجتمع لم يكن مستعدا لذلك فبدا المشهد بعدها مثل محاولة بناء جديد علي أعمدة هشة ما جعله يتصدع وينهار سريعا ، هذه الأعمدة هي الأوضاع المتراكمة من الفساد السياسي والاقتصادي والثقافي قبل الثورة وفشل خطط التنمية في بناء اقتصاد ينتفع الجميع بثماره وليس فئة الأغنياء فقط ، عاشت أجيال قبلت بمثل هذه الأوضاع والظروف الصعبة وانشغلت بلقمة العيش. لكن ثمة مشكلة أخري تكمن في الأجيال الجديدة التي سوف تشكل وتصنع بعد سنين قليلة مستقبل هذا البلد وهي مختلفة عن سابقيها من حيث الانفتاح الواسع علي العالم بفضل ثورة المعلومات الهائلة التي تجعلهم يتنقلون عبر قارات الأرض في ثوان معدودة لذا تبدو أحلامهم بلا سقف أو حدود، هذه الأجيال لابد من استيعابها داخل المجتمع وتوفير فرص الحياة وليس الصدام معها أو إقصاؤها وأن يكونوا جزءا من بناء الحاضر لأنهم بحكم الزمن كل المستقبل وتلك مهمة الدولة ومن يديرون شئونها ، ومهمتهم أن يجدوا طريقا لإنهاء مثل هذا الانقسام بالمصارحة والمصالحة الوطنية واستيعاب الشباب لأننا سنظل ندور في تلك الدوامة وندفع ثمنا باهظا للبقاء فيها طويلا؟!