لا شك أن النظافة أمر من أمور الفطرة جبلت عليه الطباع السليمة، وهي سمة الأمم والمجتمعات المتحضرة، وقد أثني رب العزة في كتابه العزيز علي المتطهرين فقال سبحانه وتعالي مخاطبا نبينا () : لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوَي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ »، وقال سبحانه : » إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ »، ويقول سبحانه مخاطبا نبينا () : » يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ »، ويقول نبينا () : » الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السموات والأرض والصلاة، نور والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها »، وقال () : » لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة »، وقال () : »لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء»، وذلك حرصا منه () علي طيب رائحة الفم وعدم إيذاء الإنسان لأخيه الإنسان برائحة كريهة لا عن طريق الفم ولا غير الفم، ولهذا كان () يحب الطيب. ولم يُعن الإسلام بمجرد النظافة بل حث علي الكمال فيها، فعد نبينا () إسباغ الوضوء مما يرفع الله به الدرجات ويحط به الخطايا، فقال () : »ألا أدلكم علي ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلي يا رسول اللهِ. قال: إسباغ الوضوء علي المكاره، وكثرة الخطي إلي المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط»، كما حثنا () علي الاغتسال في مواطن عديدة، وبخاصة عند الجمع والجماعات، كغسل الجمعة وغسل العيدين والغسل لدخول مكة، وغسل من غسّل الميت، تأكيدًا علي نظافة الجسد وطهارته طهارة تامة. وفي شأن نظافة الفراش يقول نبينا (): »إذا أوي أحدكم إلي فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده علي فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع علي شقه الأيمن وليقل : سبحانك اللهم ربي بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين»، وذلك حثًّا علي تنظيف مكان النوم والتأكد من خُلوِّهِ، مما يمكن أن يسبب الأذي للإنسان.. وقد وجهنا القرآن الكريم بأن نأخذ زينتنا عند كل صلاة، فقال سبحانه : »يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»، ومرّ النبي () بقبرين فقال : »إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بين الناس بالنميمة، وأما الثاني فكان لا يستبرئ من بوله»، والمراد أنه لا يحترز من بوله ولا يتطهر منه غاية الطهارة. وكما عني الإسلام بالنظافة الخاصة أو الشخصية عني كذلك بالنظافة العامة، فقال () : »طهروا أفنِيتكم»، والأفنية تشمل فناء البيت والمدرسة والمصنع والمكان والمنتديات والمنتزهات العامة، كما تتسع لتشمل الطرق والميادين وغيرها، وقد عدَّ نبينا () رفع الأذي عن الطريق من شعب الإيمان فقال () : »الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذي عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»، وقال () : »إماطة الأذي عن الطريق صدقة»، بل إنه () عدّ إيذاء الناس في طرقاتهم من مستجلبات اللعن.. كما عني ديننا الحنيف بتكريم من يقومون بخدمة المجتمع ولاسيما في مجال النظافة، فقد كانت امرأة تَقم الْمسجد ففقدها رسول الله () فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال () : (أفلا كنتم آذنتموني)، فدلوه علي قبرها فصلي عليها النبي (). وقد قامت حضارتنا المصرية القديمة علي النظافة والجمال والرقي والتحضر، وكان المصري القديم يقسم أنه لا يقتل ولا يزني ولا يسرق ولا يلوث ماء النهر، تقديرًا منه لنعمة الماء ولأهمية النظافة، وحفاظًا علي ماء النهر نقيًّا من جميع مظاهر التلوث حتي لو كانت يسيرة. وعلي الجملة فالدين والحضارة والرقي والإنسانية كلها تدعو إلي نظافة الجسد والمكان والثوب والمنتديات العامة، لانعكاس ذلك علي الصحة العامة من جهة وعلي سعادة الإنسانية وبث روح الجمال والبهاء فيها من جهة أخري.