عندما يداهمك أحدهم بسؤال، وأنت تحتسي فنجان شاي وتجلس بهدوء في منزلك أو مكتبك، ماهو رأيك في شخص، يحتجز آخر، بالقوة، ويقوم بضربه وإهانته كل يوم؟؟ أكيد سوف تقلب ملامح وجهك وتستنكر هذا الفعل الإجرامي، وتتهم من قام به، بالهمجيه والإرهاب وتطالب بتطبيق عليه أقصي عقوبة؟؟ لكن ماذا يكون ردك لو أن شخصاً ما اختطف طفلتك، وفشلت كل الطرق المنطقية في إجباره علي الاعتراف بجريمته؟ بحيث لا يتعرف هل أوقع بها أذي، هل قتلها اغتصبها، باعها لعصابة تتاجر في الأعضاء البشرية؟ هل يمكن ساعتها أن تتعاطف مع الأب، وتقر أن معه الحق فيما فعله؟ الإجابة.. أو الفرق في الإجابة بين حالتك وأنت لا تعرف خلفية الحكاية، وبين كونك عرفت الحالة التي كان عليها الأب وقت أن قام بتعذيب من قام باختطاف ابنته، هي بالضبط ما أدي إلي ارتفاع نسبة التصويت لفيلم السجناء أو THE PRISONERS للمخرج دينيس فيلونوف، في البداية كانت الدرجة الموضوعة للفيلم في الموقع السينمائي imdb لا تزيد عن 6 ودرجة من عشرة، ثم خلال أقل من أسبوع ارتفعت نتيجة تصويت المشاهدين إلي 8 واتنين من عشرة! فيلم السجناء من بطولة هيوجاكمان، وجاك جلينهال، وميليسا ليو، وفيولا دافيز، وعلينا أن ندرك أن الصورة الذهنية للنجم هيوجاكمان لدي جمهوره، قد وضعته دائما في صورة الفارس النبيل الجميل الوسيم، مكتمل الرجولة، حتي عندما قام بأداء شخصية »جان فالجان« في رائعة الأديب الفرنسي فيكتور هوجو، البؤساء، كان يؤدي شخصية رجل نبيل اضطر لسرقة رغيف عيش، في ظروف كارثية كانت تمر بها البلاد، قضي سنوات خلف الأسوار، وخرج مرة أخري للحياة يبحث عن حياة شريفة، ولما أتاحت له الظروف حياة كريمة، كان نموذجا للرجل الفاضل الذي لا يدخر وسعا في مساندة كل من يحتاج للعون، والمساعدة، ولكن في فيلم السجناء، الذي بدأ عرضه من أسابيع قليلة في عدد من العواصم الكبري، بدا هيو جاكمان مختلفا، وربما صادما لعشاقه ومعجبيه! حكاية الفيلم تبدأ بهدوء، من خلال شخصية »كيلر دوفر« أو هيوجاكمان وهو رب لعائلة صغيرة مكونة منه وزوجته وابنه المراهق وطفلته الصغيرة 6 سنوات، تعيش الأسرة في إحدي المدن الهادئة، الصغيرة، وترتبط بعلاقة صداقة مع عائلة تجاورها في السكن، وفي إحدي الليالي أثناء تزاور العائلتين، تختفي الطفلة الصغيرة وصديقتها ابنة العائلة الصديقة، ويبحث أفراد الأسرتين علي الطفلتين فلايجدان لهما أثرا، ويتذكر الابن أن عربة نقل فان، كانت تقدم أمام المنزل، أثناء لعب الطفلتين، وكان من يجلس داخلها يبدو وكأنه يراقبهما، ويسعي الأب إلي الشرطة للعثور علي السيارة وصاحبها، وبعد إلقاء القبض عليه، ينكر تماما أنه شاهد أيا من الطفلتين، وتضطر الشرطة لإخلاء سبيله، أما الأب »هيوجاكمان« فهو لا يستريح لنظرات هذا الشاب، ويشعر أنه يخفي أمراً ما، فيقوم باختطافه وحبسه في غرفة ضيقة وينهال عليه ضربا، ليعترف بمكان الطفلة، ولكن الشاب ينكر مرة أخري رغم قسوة الضربات، يكاد الأب يفقد عقله ولايري أمامه طريقا آخر غير استجواب الشاب وإجباره علي الاعتراف! بالنسبة لي، فقد أدركت من البداية أن المنطق الدرامي يحتم، أن يكون الأب »هيوجاكمان« مخطئا، في اعتقاده بأن هذا الشاب الغلبان الذي يضربه حتي تورم وجهه، ولم يعد صالحا لأي شيء، وأن شخصا آخر هو الذي قام باختطاف الطفلتين، وبحاستي الدرامية أدركت، أن طالما الفيلم به الممثلة الكبيرة ميلسا ليو، فلابد أن يكون لوجودها في الفيلم معني، إذن لابد أن يكون لها علاقة ما بخطف الطفلتين! وقد صدق حدسي فعلا، ولكن لو كان الأمر متوقفا علي أن يجاوب الفيلم علي سؤال الأب من اختطف طفلتي، لكان من أسوأ ما شاهدت في الفترة الأخيرة، فالحكاية لاتتوقف عند حل هذا اللغز فقط، ولكن تحمل النهاية مفاجأة كانت بعيدة تماما عن ذهن المتفرج الحاذق، أو اللبيب، وفيها يكمن مغزي الفيلم، وقيمته! اختلف رأي المشاهدين »الذين يسجلون آراءهم في المواقع السينمائية« بين مؤيد معجب جدا بالفيلم، وبين مستاء منه، وطبعا يأتي الاختلاف من توقعاتك ومن مدي فهمك وقدرتك علي تحليل الأفلام، وطبعا علي ثقافتك السينمائية والحياتية، الفيلم ليس من نوعيه أفلام الإثارة والتشويق، ولا حتي من أفلام البحث عن الابن المخطوف، ولكنه يدور حول غياب الحقيقة، التي قد تكون في أقرب مكان منك، ولكنك لن تصل إليها أبداً. أداء هيوجاكمان يستحق الإعجاب فعلا، فقد بدا من لحظة غياب طفلته، وكأن مساً من الجنون قد ضرب عقله، وبدت عيناه في حالة إرهاق وأحمرار دائم، وكأنه لاينام الليل فعلاً، ولم يهتم مطلقا بأن يحتفظ بملامح السحر والجاذبية في شخصيته التي يعشقها جمهوره، أما زميله جاك جلينهال الذي لعب دور المحقق، فلم يقدم أي أداء مدهش، ولكنه حافظ علي تركيبته الشخصية كما هي مرسومة في الكتالوج لرجل الشرطة الدؤوب لمعرفة الحقيقة! مدير التصوير روجر دينيكس قدم صورة غلبت عليها الألوان القاتمة الرمادي والأزرق، تعكس الحالة النفسية للأبطال، وهو بالمناسبة مدير تصوير آخر أفلام سلسلة جيمس بوند »سكاي فوول«، وكانت الموسيقي التصويرية من عناصر التميز في الفيلم، بشكل ملحوظ! ربما لايكون السجناء من الأفلام التي تقع في حبها من الوهلة الأولي، ولكنه لن يسقط من ذاكرتك، بل سيظل يلاحقك بسؤال عما كان يقصد من مشهد النهاية!! - أما فيلم العائلة، فيقدم نموذجا مختلفا للأب، الذي يحاول الحفاظ علي سلامة أسرته بكل الوسائل، الأب هنا هو روبرت دي نيرو، وهو رجل عصابة لها تاريخ من الشر والأعمال الإجرامية، وأفراد أسرته لايقلون عنه إجراما وهم زوجته ميشيل فايفر وابنته المراهقة ديانا أجرون وابنه الصغير جون ديلو، العائلة تمردت علي العصابة الكبري، وشهدت ضد رئيسها، وبعض أفرادها، وعملا بقانون حماية الشهود، تم أبعاد الأسرة وإخفاؤها بعد تغيير أسماء أفرادها، لتبدأ حياة جديدة في إحدي المدن الصغيرة في فرنسا، علي أن يقوم فريق من الشرطة بحمايتهم عن بعد والتدخل في الوقت المناسب، للحفاظ علي حياة أفراد العائلة، الفيلم ينتمي للكوميديا السوداء، وهو من إخراج الفرنسي "لوك بيسون"، وينتج الضحك من اختلاف الثقافة والرؤية بين عائلة أمريكية وبين مجتمع فرنسي يري في أفرادها دخلاء يتحتم نبذهم أو مشاكستهم، ولكن أفراد العائلة يردون بعنف مغلف، علي كل من يتعرض لهم، حيث تقوم الزوجة ميشيل فايفر، بتفجير سوبر ماركت، لأن صاحبه كان يسخر منها مع بعض زبائنه، ويرفض الأب »روبرت دي نيرو« محاولات الجيران اختراق خصوصيته، ومعرفة من يكون، أما الابنة المراهقة، فقد اعتبرها زملاء الدراسة صيدا سهلا، فقررت أن تلقنهم درسا لا ينسونه، ولايقل شقيقها الأصغر إجراما عنها، ولكن رغم ذلك فإنك ربما تتغاضي عن الروح الإجرامية لأفراد العائلة، عندما تدرك أنهم يتعرضون لهجوم مضاد من الآخرين لمجرد أنهم غرباء، أو ينتمون لمجتمع يختلف عن المجتمع الفرنسي، ويزداد الأمر تعقيدا عندما ينكشف أمر أفراد العائلة وتستطيع العصابة أن تحدد مكان وجودهم، وتسعي لتصفيتهم جميعا! وهنا يسعي كل فرد من العائلة الصغير قبل الكبير في حماية بقية العائلة بكل الوسائل الإجرامية الممكنة! في إطار الكوميديا السوداء سوف تجد رغما عنك أنك منحاز لعائلة من المجرمين أقل شراسة من العصابة الأكثر قسوة وندالة، ولكن لو كان هناك مغزي ما، غير المتعة والترفيه والضحك تريد أن تخرج منه بعد مشاهدة الفيلم، فهو أن كل عائلة مهما كانت تسعي للحفاظ علي كيانها بكل الوسائل التي تملكها وتجيدها، أنا شخصيا استمتعت بالفيلم في الإطار المقدم به، والمخرج لوك بيسون يقدم واحدا من أفلامه الطريفة، ولكن حاول أن تجنب مقارنته بفيلم ليون، الذي أخرجه بيسون منذ خمسة عشرة عاما تقريبا، لأنه لم يقدم حتي الآن فيلما ينافسه في روعته وأهميته!