هل صحيح أن الجن يقرض الشعر كالبشر؟ وإذا كانت كتب التراث مليئة بمثل هذه الحكايات عن الجن الذي يقرض الشعر ويردده، فهل طوروا أيضا أدواتهم الإبداعية، وأخذوا بشعر التفعيلة؟ أسئلة دارت في ذهني وأنا أقرأ كتاب الصديق شريف الشوباشي (الداء العربي) الذي يتحدث فيه عن حب العرب للمبالغة في كل شيء، فهو يري مثلا أن من القصص التي تتحدي أي منطق، وتتفوق علي أكثر الخيالات خصوبة هي ما ورد في الجزء الأول من »تاريخ الرسل والملوك« للطبري، ويروي عالمنا الجليل قصة قابيل وهابيل ابنيّ سيدنا آدم وكيف قتل الأخ الأول شقيقه، ثم دفنه، ولكن الغريب أن الطبري يقول إنه لما علم آدم بذلك بكي ابنه بأبيات من الشعر، ويتساءل هل كان سيدنا آدم يتحدث العربية؟ ولو افترضنا أنه كان يتحدث العربية فهل كان يقول الشعر؟ ولو افترضنا جدلا أنه كان يقول الشعر فمن الذي حفظ هذا الشعر ونقله حتي وصل إلي مسامع الطبري؟ ويروي المؤلف ما رواه كتاب (في الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين، وانتحال الشعر شعرا من تأليف الجن، فقد شاعت رواية بأن الجن هي التي قتلت سعد بن عبادة، وهو الأنصاري الذي رفض أن تكون الخلافة لقريش، وبعد قتله قالت الجن: قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده وعندما توفي عمر بن الخطاب رثته الجن بشعر فقالت: أبعد قتيل بالمدينة أظلمت له الأرض تهتز العضاه بأسوق جزي الله خيرا من إمام وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق.. ويعلق طه حسين قائلا: والعجيب أن أصحاب الرواية مقتنعون بأن هذا الكلام من شعر الجن وهم يتحدثون بشيء من الأفكار والسخرية بأن الناس قد أضافوا هذا الشعر إلي الشماخ بن ضرار. ويتساءل المؤلف: وهنا أيضا التساؤل: هل الجن تتحدث العربية؟.. هل الجن تقول الشعر؟ ولو افترضنا ما يرفضه العقل؟ وأجبنا بنعم فمن من أبناء البشر استمع إلي هذا الشعر ونقله إلينا؟ ويعلق: ومن يلق نظرة موضوعية علي ثقافتنا يتضح له بما لا يدع مجالا للشك أن المبالغات ظلت في كل العصور سمة من أبرز سمات المزاج العربي. ومن يقرأ كتب التراث لابد أن يفرك عينيه أحيانا للتأكد مما يقرأ نظرا لصعوبة تصديق المبالغة والتهويل ليس وصف المشاعر والأحاسيس لكن في عرض معلومات ملموسة!