من جملة أحداث ومواقف وقرارات أستطيع القول إن الاتحاد الإفريقى لكرة القدم أسقط من حساباته سلامة الفرق واللاعبين والأجهزة الفنية والمناخ المستقر الآمن الذى يجب أن تُلعب فيه كرة القدم، فهذا الأمر يأتى لديه فى المرتبة الثالثة أو الرابعة من أولوياته التى يتصدرها تحقيق أعلى ربح وأضخم عائد من تسويق البطولات ولو أقيمت فى ميدان معركة حربية، فالمهم أن تُقام البطولة فى المواعيد التى حددها مع الرعاة، فعقود الدعاية والإعلان أهم من أرواح البشر وسلامتهم وأمنهم وأستشهد على كلامى هذا بواقعتين حدثتا تحت ضوء الشمس وأمام الرأى العام الإفريقى والعالمى. الواقعة الأولى كانت فى بطولة الأمم الإفريقية التى أقيمت فى أنجولا 2010 عندما تعرضت حافلة فريق توجو لهجوم مسلح بالمدافع الرشاشة من جبهة تحرير إقليم جيب كابندا أسفر عن مصرع ثلاثة منهم، اثنان من أعضاء البعثة وسائق الأوتوبيس وإصابة لاعبين، وبينما كان طبيعيا وعاديا أن تسحب الحكومة التوجولية فريقها من البطولة بعد الهلع والفزع الذى أصاب اللاعبين وجهازهم الفنى حيث كانوا جميعا قاب قوسين أو أدنى من الموت، فإن الأمر الغريب والعجيب كان فى قرار «الكاف» تطبيق اللائحة على الفريق المنسحب بتغريمه 50 ألف دولار وحرمانه من اللعب فى بطولتى 2012 و2013، فالكابتن عيسى حياتو وأعضاء مكتبه التنفيذى أعمتهم المكاسب المالية التى يحققونها من تسويق البطولات التى يشرف على بيعها القطرى (عفوا المصرى) هانى أبو ريدة وينفقونها دون رقيب (ميزانية أعضاء «الكاف» ومصروفاتهم وبدلاتهم وتنقلاتهم ومكافآتهم خرافية ولا يطّلع عليها أحد)، أعمتهم عن مشاعر الرعب والفزع والهلع الذى عاشه المنتخب التوجولى وأصدروا العقوبات الفاضحة ضد منتخب كل تهمته أنه رفض أن يستمر فى البطولة لصعوبة الحالة النفسية للاعبين بعد هذه الحادثة الفاجعة، فهم جاؤوا ليلعبوا الكرة لا ليقاتلوا المتمردين، وفارق شاسع بين نفسية المقاتل واللاعب، خصوصا أن هذه الحرب والأرواح التى أُزهِقَت لن يعوضها الاتحاد الإفريقى بشىء، والمكسب سيذهب إلى حيتان المكتب التنفيذى، ولأن القرار كان غير عادل والهدف منه إرهاب باقى المنتخبات والاتحادات التى تفكر فى الانسحاب حرصا على أرواح بعثاتها، وبمجرد أن ذهب اتحاد كرة القدم الأنجولى للمحكمة الرياضية التى كانت ستفضح القرار وتدين «الفيفا»، اجتمع على الفور الحيتان وأصدروا فى 10 مايو 2010 قرارا برفع الحظر عن توجو. أما الواقعة الثانية فهى التى نعيشها الآن مع فريق الأهلى المحتجز تحت نيران حرب الميليشيات المسلحة المتصارعة على الحكم فى العاصمة باماكو، والأحداث التى تشهدها مالى ليست مفاجئة أو تصادف وقوعها مع وجود بعثة الأهلى، ولكنها انطلقت فى 21 مارس الماضى، ومن وقتها والأحداث ملتهبة والصراع المسلح على السلطة بين العسكريين على أشده، ورغم ذلك وافق الاتحاد الإفريقى على إقامة المباراة بين الأهلى وفريق الملعب المالى بدعوى أنه حصل على تعهد أمنى من الحكومة المالية، وهو التعهد الذى لم يره أحد حتى الآن، وعلى المغفلين أمثالنا أن يصدقوا حياتو ويذهبوا بأبنائهم إلى الموت حرصا على انتظام المسابقة الإفريقية وإقامة المباريات فى موعدها، والسؤال: هل تكفى ورقة لضمان أرواح الناس؟ وهل هذه الورقة كافية كى يلغى حيتان الاتحاد الإفريقى عقولهم ويكذّبوا بها حقيقة الأحداث الدموية التى تتناقلها وكالات الأنباء بالصوت والصورة عما يحدث فى العاصمة باماكو؟ وهل العائد المادى أوالتنظيمى من إقامة المباراة فى موعدها أهم من أرواح البشر وأمنهم وسلامتهم؟ فالأجواء التى تعيشها بعثة الأهلى والرعب والفزع من سماع طلقات الرصاص خارج الفندق وبقاؤهم أسرى داخل الفندق، هو نوع من القتل العصبى والتعذيب النفسى للاعبين، وهو جريمة لا تقل فى بشاعتها وعقوبتها عن القتل العمدى للنفس البشرية. والسؤال: مَن سيدفع ثمن هذا الرعب الذى يعيشه اللاعبون وتعيشه مصر فى انتظار عودتهم؟ ماذا ستفعل إدارة الأهلى تجاه الاتحاد الإفريقى الذى أخلّ بوعده وعرّض اللاعبين للخطر والتعذيب النفسى؟ لقد سبق لإدارة الأهلى الانسحاب من البطولات الإفريقية اعتراضا على التحكيم، فكيف نراها ستعترض الآن على من عرّض لاعبيها للموت والعذاب أحياء؟