تحل هذه الأيام ذكرى ميلاد الفنان القدير والممثل النجم غير النمطي الأسطورة صاحب الوجه السبورة الذي تدرس وتشخص ملامحه ونظرات عينيه جميع الأدوار والعظيم مسرحًا وشاشة وهو الفنان القدير " زكى رستم " . كتبت عنه مجلة لايف عام 1919 إنه أعظم ممثل في الشرق وقارنت بينه وبين العالمي شارلزلوتون.. المؤرخ والناقد العالمي جورج سادول يقول إنه النسخة المصرية من أورسن ويلز.., الطاغية والوزير الألعبان والباشا الوقور والموظف الغلبان والعمدة واللص وتاجر الخضار.. فتوة الحسينية وباب الشعرية, وأبو البنات الحنون الذي يدور معهن حول ترابيزة السفرة يردد معهن "بيت العز يا بيتنا". اسمه محمد زكي محرم محمود رستم ولد في 5 مارس عام 1903 في قصر جده اللواء محمود رستم باشا بحي الحلمية الذي كانت تقطنه الطبقة الارستقراطية في أوائل هذا القرن. كان والده محرم بك رستم عضواً بارزاً بالحزب الوطني ووزيرًا فى عهد الخديو إسماعيل وصديقاً شخصياً للزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد. في عام 1920 نال شهادة البكالوريا ورفض استكمال تعليمه الجامعى وكانت أمنية والده أن يلحقه بكلية الحقوق، إلا أنه اختار هواية فن التمثيل في عام 1924 كانت رياضة حمل الأثقال هي هوايته المفضلة وفاز بلقب بطل مصر الثاني في حمل الأثقال للوزن الثقيل. ما إن كان الأب محمود رستم باشا يأخذ قطاره للمنصورة ليتابع أمور الأرض حتي ينزل زكي للبدروم بعد جمع الترابيزات والملايات لعمل مسرح والممثلين فيه اخواته يحفظهم الدور وعلم والده وأقسم بحبسه في البلد كى يكون فلاحا يرعى الأرض . تزوج أبوه 3 مرات وله 14 أخ وأخت كان الفن عنده هو البلاتوه ولحظة خروجه منه تنقطع الصلة بينهما تماما لهذا لم يكن له أصدقاء.. صديقه الوحيد سليمان نجيب ابن الباشاوات وكان يحترم ويحب عبدالوارث عسر . قبل دخوله الفن بأربع سنوات شاهده تاجر قطن وهو يؤدي أحد المشاهد التمثيلية في عزبته، فشجعه على الاحتراف قائلًا "البلد فيها ألف دكتور وألف مهندس وخمسميت صحفي لكن مافيهاش إلا زكي رستم واحد"..وهكذا أصبح ابن الباشاوات أحد عمالقة الفن منذ الثلاثينيات وحتى اعتزاله الفن بإرادته الكاملة عام 1966. نقطة التحول في حياته حين التقى بالفنان "عبد الوارث عسر" الذي ضمه لإحدى فرق الهواة المسرحية, وبعد وفاة الأب تمرد على تقاليد الأسرة العريقة معلناً انضمامه إلى فرقة جورج أبيض، فطردته أمه من السرايا لأنه مثل سيئ لإخواته بعدما خيرته بين سكة الفن والتحاقه بكلية الحقوق واختار المسرح فأصيبت بالشلل حتى وفاتها ولما يئست منه خافت على ابنها الصغير عبدالحميد من تأثير شقيقه الذي أصابه فيروس الفن فشحنته إلى انجلترا في سن12 سنة ليمكث هناك12 سنة وأوصت شقيقه وجيه سفير مصر في فرنسا مراعاته. انضم إلى فرقة "عزيز عيد" ثم تركه بعد شهور لينضم إلى فرقة "اتحاد الممثلين" وكانت أول فرقة تقرر لها الحكومة إعانة ثابتة لكن لم يستمر فيها طويلاً فتركها. بعد ذلك انضم إلى "الفرقة القومية" وكان يرأسها في ذلك الوقت الفنان "خليل مطران" وظل فيها عشرة أعوام كاملة. اشتهر "زكي رستم" بأدائه المتميز وقدرته الفائقة على تقمص الشخصيات التي يؤديها حتي أُطلق عليه "رائد مدرسة الاندماج" فتقمُص رستم لطبيعة شخصياته لم يكن بالعاديّ وقد يكون هذا هو سر تميزه عن غيره من أبناء جيله، فقد وصفته سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، التي قدمت معه أروع أعمالها «نهر الحب»، بقولها: «بخاف منه لما يستولي عليه الاندماج لدرجة أنه لما يزقني كنت ألاقى نفسي طايرة في الهواء». وهو فى قمة درجات الاندماج جذب صباح في بداياتها من داخل قفص الاتهام وأعطاها علقة ساخنة فأنقذوها بصعوبة بالغة من بين يديه لترقد مريضة شهورا. الأدوار الارستقراطية أجادها رستم ببراعة بالغة كونه ينحدر من أسرة عريقة الأصل، أما الأدوار الدخيلة فكانت ترهقه للغاية لحرصه على خروج أدائه بشكل جيد، وعندما طُلب منه القيام بدور النصاب «لاعب التلات ورقات» على الرصيف، ذهب إلى منطقة العتبة وانتقي النموذج المثالي للشخصية، وسأله عن مكسبه اليومي فظنه الرجل في أول الأمر من الشرطة، ولكنه أخبره بحقيقة الأمر فاعترف بأن دخله جنيه ونصف فاتفق معه على أن يدفع له خمسة جنيهات مقابل أن يعلمه أصول المهنة، وبالفعل مكث معه الرجل ثلاثة أيام يتعلم منه رستم ويدرس طبيعة الشخصية من الداخل والخارج، وحينما تأكد من جاهزيته للدور اتصل على الفور بالمخرج يخبره أنه مستعد للتصوير من اليوم التالي. وزكى رستم أشهر عازب لا زهدا في الزواج وإنما لأن الحظ قد جانبه في شبابه فعجز عن الاهتداء لبنت الحلال التي يكمل معها نصف دينه . وقد رفض التمثيل العالمي مع شركة كولومبيا لأن قصة الفيلم ضد العرب. صفق لأدائه الزعيم سعد زغلول في مسرحية العبرة علي مسرح الأوبرا وبلغ رصيده الفنى من الأفلام 240 فيلماً ولكن المشهور منها والموجود 55 فيلماً وآخر أفلامه "أجازة صيف" 1967. في سنواته الفنية الأخيرة عانى من ضعف السمع وكان يكره أن يستعين بسماعة من تلك الاختراعات الإلكترونية. كان يسكن بمفرده في شقة بعمارة يعقوبيان بشارع 26 يوليو ولم يكن يؤنس وحدته سوى خادم عجوز قضى في خدمته أكثر من ثلاثين عاماً وكلبه الوولف الذي كان يصاحبه في جولاته الصباحية. في عام 1962 حصل على وسام الفنون والعلوم والأدب من الرئيس جمال عبد الناصر. في عام 1968 توقف الفنان زكى رستم تماماً عن التمثيل وابتعد عن السينما واعتزل الناس بعد أن فقد حاسة السمع تدريجياً وكان يقضى معظم وقته في القراءة. أصيب بأزمة قلبية حادة نقل على أثرها إلى مستشفى دار الشفاء وفى ساعة متأخرة من ليلة 15 فبراير عام 1972 صعدت روحه إلى السماء، ولم يشعر به أحد ولم يمش في جنازته أحد، وفقدت مصر رمزًا من رموز الفن المصري .