كنت أعتقد أن ياسمين عبد العزيز سوف تحقق قفزتها الثالثة فى «الآنسة مامى» بعد «الدادة دودى» و«الثلاثة يشتغلونها». ياسمين هى الورقة الرابحة تجاريًّا على مائدة منتجى وموزعى السينما المصرية. وترقبتُ فيلمها الجديد، خصوصًا أن المخرج وائل إحسان واحد من الموهوبين فى هذا الجيل، ولا تزال أصداء فيلمه «ساعة ونص» تتردد فى دور العرض، ولكن، وآه من ولكن، فلقد خذلنى الجميع، حتى كاتب السيناريو خالد جلال رجل المسرح المتميز، يبدو فى تجاربه السينمائية سيناريست متعثرًا يقع من حفرة ليجد نفسه قد تورط فى دحديرة. تستطيع أن تلمح سر الضعف فى هذا الفيلم، إنه التركيب والتفصيل لقد وضعوا -واو الجماعة تعنى الكاتب والمنتج والمخرج- أمامهم مشروعا لتقديم فيلم تلعب بطولته ياسمين، وبدأ الجميع يفكرون فى العثور على فكرة، مع مراعاة أننا بصدد فيلم عيد، وهذا يعنى أن الأطفال جزء حميم من العمل الفنى فاخترعوا تلك التركيبة. ياسمين ترفض الزواج ولكنها تحلم بأنها قد تزوجت وتتحول كل أحداث الفيلم إلى حلم طويل به من الأطفال ثلاثة، والرابع فى الطريق، والزوج هو حسن الرداد، حيث تربطهما علاقة حب منذ أكثر من عشر سنوات، ولكنها ترفض الزواج. التركيبة الكوميدية تستتبع أن نرى عددًا من الفنانين الذين تحولوا من كثرة الاستخدام إلى آلات لصنع الكوميديا يتناثرون بين جنبات الفيلم، وبالطبع فإن ممثلا مجتهدًا مثل الرداد ليس كوميديانا ولا أنصحه فى حقيقة الأمر بالدخول إلى هذه المنطقة، ولكن هناك انتصار التى دار بها الزمن ولم تتغير، فتراجعت إلى الصفوف الخلفية، إنها تبدو مثل المحاربين القدماء فهى الآن خارج أجندة المضحكاتية، بعد أن ظهر من هذا الصنف جيل جديد أكثر طزاجة، فى وش القفص تجد إيمان السيد طبعة 2012 من وداد حمدى التى كانت فى أفلامها تنتزع الضحك من الجمهور بالمبالغة فى الأداء مع الفارق بالطبع لصالح وداد. ولدينا من الجدد هشام إسماعيل صاحب ضحكة عصرية، ولهذا كانت مساحة دوره أكبر نسبيًّا من انتصار التى أدت دور زوجته. ومن المحاربين القدماء فى مجال الكوميديا محمد لطفى، وتم اختراع خط درامى لمدرب سباحة للأطفال، وعليه أن يضيف ما تيسر من المحفوظات العامة فى الضحك، وقد تصيب واحدة منها، ولكن تُخفق على المقابل فى عشرة. فى التركيبة التقليدية للكوميديا يتم توظيف الجميع فى الملمات الكوميدية، كل على قدر طاقته، ولكنى كنت ألاحظ أن الجاهز فقط هو الذى يشارك فى المشهد، ربما استشعروا أن انتصار لن تضيف الكثير، وأن حسن الرداد يفتقد مفردات الكوميديان، فتم استبعادهما، والمؤكد على المقابل أنهم استشعروا أن إيمان فى هذا الشأن أكثر عصرية، فمنحوها مساحة أكبر فى المشهد الختامى. الكوميديا حالة أبعد بكثير من مجرد إفيه أو نكتة، كما أن مبدأ الاستعانة بالأنماط الكوميدية فى حاجة إلى إعادة نظر، التى صارت من علاماتها بدرية طلبة وعليها أن تعيد شحن البطارية، لأن التكرار هو آفة الضحك. وممثل مثل حسن الرداد اقتحم مجالا غير مهيأ له، وهو لا يمكن أن يجارى مثلا ياسمين التى تستطيع أن تضيف لمشهد عادى لمسة كوميدية. حسن حاول بين الحين والآخر الاستظراف. ما الذى حدث فى «الآنسة مامى»، إنها الرعونة فى التنفيذ وقبل ذلك فى التفكير، كيف يتورط مخرج لديه الحد الأدنى من الإلمام بالكوميديا فى الدخول إلى حارة سد؟ الفكرة غير قابلة للتطوير دراميًّا، ولهذا تصطدم بين الحين والآخر بمنطق الأمور، فلا يصدقها المتفرج وقبل ذلك لا يصدقها الممثلون، فتتراجع إمكانيات الضحك ويشعر المتفرج بالمعاناة وهو ينتظر كلمة النهاية. قبل أيام قليلة كتبت فى هذه المساحة أن ياسمين عبد العزيز هى سبارتاكوسة السينما المصرية، القادرة على أن تقود ثورة تحرر المرأة المصرية فى السينما، استندت إلى فيلميها السابقين، ولكن أخفقت ياسمين فى الخطوة الثالثة، ورغم ذلك فمن حقها أن تتطلع إلى جولة ثأرية قادمة. كان الرهان الرابح والحصان الأسود فى أفلام العيد هو محمد رمضان فى «عبده موتة»، بينما الرهان والحصان الخاسر فيفى عبده فى «مهمة فى فيلم قديم»، وانتظرونى غدًا مع واحد من الحصانين!