هو ذلك المفهوم شديد الحيوية للدول وللمجتمعات التى تمر بعمليات تغيير واسعة والمعبر عن احتياجها لصناعة توافق بين أغلبية مستقرة بشأن وجهة التغيير وطرائق إدارته. هو ذلك المفهوم الذى يحمل فى مراحل الانتقال الديمقراطى حلم الشعوب المعانية من النظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ لإعادة بناء منظومة علاقات الدولة والمجتمع والمواطن على نحو يضمن عدل الأولى وتوازن وتسامح الثانى وحقوق وحريات الأخير. هو ذلك المفهوم الذى يترجم عدل الدولة إلى سيادة القانون وتداول السلطة عبر انتخابات نزيهة ودورية ومساءلة ومحاسبة لشاغلى المنصب العام، ويعرف توازن وتسامح المجتمع باحترام التعددية وقبول الاختلاف وتوزيع عادل لموارده يحول دون انتهاك الكرامة الإنسانية ودون الفجوات الواسعة بين الأغنياء والفقراء، ويعتبر حقوق وحريات المواطن مقدسة غير مقبول الجور عليها أو الانتقاص منها أو المساومة عليها إن بتخيير واه بين الخبر والكرامة أو بين الأمن والحرية. هو ذلك المفهوم الذى كثرت الإشارات المتناقضة إليه فى مصر منذ 2011 وجمع بينها فقط تفريغ «العقد الاجتماعى الجديد» من الجوهر والمضمون وألقت من ثم بعبء تحرير المفهوم والانتصار لقيم التوافق والعدل والتوازن والحق والحرية التى يجسدها على كاهل القوى والأصوات التى مازالت تؤمن وتدافع عن الفكرة الديمقراطية وتنشد التغيير الإيجابى دون ادعاء احتكارها هى للخير المطلق أو للحقيقة المطلقة فلا يحق لى ولا لغيرى وبغض النظر عن اختلاف المواقع والمواقف احتكار الحديث باسم الديمقراطية أو التغيير أو الحرية أو الثورة تماما كما لا يحق لطيور ظلام المرحلة ومروجى فاشية الإقصاء والقمع احتكار مفاهيم الوطنية والاستقرار والصالح العام، ولن ترتب المحاولات الاحتكارية هنا وهناك إلا اختزال السياسة والنقاش العام إلى صراعات صغيرة بين مجموعات من حملة أختام مفتقدة للمصداقية. ولتحرير مفهوم العقد الاجتماعى الجديد فى الواقع المصرى الذى استحالت به السياسة الرسمية وساحاتها المؤسسية (وبعضها كالسلطة التشريعية غائب وبعضها الآخر كالسلطة التنفيذية غير متوازن نظرا لهيمنة المكون العسكرى الأمنى) إلى مجال استقطاب قاس بين من يحكم ومن يرفض أو يعارض وجردت من ثم من قدرتها على صناعة التوافق بين أغلبية مستقرة من المصريات والمصريين، يتعين علينا البحث عن مساحات مجتمعية خارج السياسة الرسمية ومؤسساتها نوطن بها النقاش حول العدل والتوازن والتسامح والحق والحرية وجوهرها الديمقراطى، ونمكن بها قوى وأصوات الديمقراطية من الصياغة المنظمة لطرائق الضغط السلمى باتجاه التحول الديمقراطى والقوى والأصوات الكثيرة الأخرى التى تخلت عن حلم الديمقراطية أو فقدت الثقة به إلى الانفتاح التدريجى عليها والاستئناس إلى كون الالتزام بقيمها يشكل المناط الواقعى الوحيد للوصول إلى الخبز والأمن والاستقرار وإلى عقد اجتماعى جديد لا يساوم على الحرية بالأمن أو على الكرامة بالخبز. وليست المساحات المجتمعية البديلة هذه ببعيدة فى الواقع المصرى عن الجامعات والحركة الطلابية ولا عن المجتمع المدنى ومنظماته المدافعة عن الحقوق والحريات ومناضليه ونشطائه الذين يتعرضون لحملة ظالمة ولا عن الفاعليات العمالية والمهنية التى تصدر إلى الواجهة وبمشروعية كاملة المكون الاقتصادى والاجتماعى للعقد الجديد الذى تنتظره مصر للانعتاق من أزماتها الراهنة.